هشام المدفعي
اعتادت الصباح الجديد ، انطلاقاً من مبادئ أخلاقيات المهنة أن تولي اهتماماً كبيرًا لرموز العراق ورواده في مجالات المعرفة والفكر والإبداع ، وممن أسهم في إغناء مسيرة العراق من خلال المنجز الوطني الذي ترك بصماته عبر سفر التاريخ ، لتكون شاهداً على حجم العطاء الثري والانتمائية العراقية .
واستعرضنا في أعداد سابقة العديد من الكتب والمذكرات التي تناولت شتى صنوف المعرفة والتخصص وفي مجالات متنوعة ، بهدف أن نسهم في إيصال ما تحمله من أفكار ورؤى ، نعتقد أن فيها الكثير مما يمكن أن يحقق إضافات في إغناء المسيرة الإنمائية للتجربة العراقية الجديدة .
وبناءً على ذلك تبدأ الصباح الجديد بنشر فصول من كتاب المهندس المعماري الرائد هشام المدفعي ، تقديرًا واعتزازًا بهذا الجهد التوثيقي والعلمي في مجال الفن المعماري ، والذي شكل إضافة مهمة في مجال الهندسة العمرانية والبنائية وما يحيط بهما في تأريخ العراق .
الكتاب يقع في (670) صفحة من القطع الكبير، صدر حديثاً عن مطابع دار الأديب في عمان-الأردن، وموثق بعشرات الصور التأريخية.
الحلقة 55
تحديات الارهاب في مدينة الموصل القديمة
اتخذنا الاجراءات في ضوء مقترحات السيد سعود بأن تعمل كل فرقة مسحاً نهارا مستصحبة معها مختار المحلة أو ممثلاً للمختار , وذلك لضمان الجانب الأمني وحماية العاملين . استمرت فرق المسح بالعمل ، إلا أنها اصطدمت بواقع يختلف تماما عما خططنا له ، حيث اتضح ان بعض مناطق مدينة الموصل القديمة قد اتخذت لتلك الفترات ملجأ لاختفاء بعض قوى الارهاب في دهاليز الدور القديمة والأزقة الضيقة بسبب ضيق الأزقة وتعقد شبكاتها وصعوبة تنقل قوى الأمن بين تلك المحلات والأحياء لتنظيفها من الارهابيين . ومن هذا المنطلق وجد المهندس المساح نفسه عاجزاً عن إظهار أية وثيقة تبين أنه يعمل لحساب الوزارة أو البلدية ، لتفادي بيان أنه يتعاون مع الحكومة أو يتعاون مع الأمريكان و بالتالي يعرض نفسه لمشاكل يصعب حلها . مثلما صعب على العاملين أن يحملوا وثائق رسمية, فقد منعوا ايضاً من حمل كاميرات علنا لتصوير الدور والمنشآت وكان على كل
واحد منهم أن يلتقط الصور بالخفاء .
ظهرت لمهندسي الحاسبات أثناء عمليات تنزيل المعلومات ليلا ، مشكلة الكهرباء حيث لم تحظ المدينة القديمة بسبب الظروف آنذاك بأكثر من 2-3 ساعات من الكهرباء الوطنية يوميا ، لا بل لم تتوفر الكهرباء على ليالي عديدة أحيانا . لم تقاوم بطاريات أجهزة الحاسوب طويلا ولذا تأخرت عمليات تنزيل المعلومات لأيام عديدة بسبب عدم توفر الكهرباء وعدم توفر وقود الديزل في الاسواق المحلية لتشغيل المولدات الكهربائية الاحتياطية التي جهزت للمواقع . وتغلبا على هذه الحالات الطارئة ، بدأ مهندسونا بأخذ حواسيبهم الى أصدقائهم وزملائهم من موظفي
الحكومة لشحنها في دوائر الدولة نهارا حيث تتوفر
لديهم الطاقة الكهربائية بصورة مستمرة تقريبا .
وبعد نحو شهرين من عمليات المسح , تم اختطاف أحد مهندسينا من موقع عمله وهو منهمك في ملء الاستمارات . استنفرنا جميع الجهات المعنية لاستعادة مهندسنا سالما …. وفي الوقت الذي حاولنا أن لا تؤثر هذه العملية على معنويات العاملين الآخرين ، كانت علاقات ممثلي الاستاذ سعود العمري كفوءة الى درجة كبيرة ، بحيث أمكن التوصل الى اتفاق على اطلاق سراح المهندس بشروط كلفتنا مبالغَ ووقتاً .
ولإكمال الدراسات وجمع المعلومات حول المدينة القديمة ، كلفت الاستاذ والصديق شفاء العمري وهو من شخصيات آل العمري ومن مدينة الموصل القديمة ، بكتابة بحثين حول محورين احدهما حول ” العادات والتقاليد والحرف الشعبية الموصلية ” ، والآخر ” التقاط صور حديثة مناسبة ” لما موجود في المدينة القديمة من كنائس قديمة وحديثة ودور عبادة غير اسلامية . تمكن الاستاذ شفاء من تقديم تقارير وافية وشافية حول العادات والتقاليد والحرف الموصلية ،إلا أنه قدم الينا العديد من الصور الفوتوغرافية لجميع الكنائس ودور العبادة ولكن كلها مأخوذة من داخل الكنائس فقط وذلك بسبب عدم سماح العيون الارهابية لأخذ أية صور من الخارج .
وكنا قد أنجزنا نسبة نحو 40% من المهمة الملقاة على عاتقنا وكان الاستاذ سعود يوجه الفرق المسحية ، بكل طاقاته لإكمال المهمة الملقاة على عاتقه وملء الاستمارات والمعلومات وارسالها الى إيطاليا بشكل دوري ووفق المناهج المعدلة ، تسلمنا تعليمات من المهندس المقيم أو ممثل التخطيط العمراني ، بعدم التقرب الى العديد من المحلات في الموصل القديمة وهي المحلات التي كان يشك بوجود الارهابيين فيها أو المحلات التي تحتوي على مراكز شرطة يحذر التقرب اليها . واستنادا الى هذه التعليمات لم يكن علينا إلا أن نكمل عملنا في المدينة القديمة بدون مسح هذه المناطق .
لم تكن بغداد اكثر امناً
لم تكن بغداد بأحسن حال من الموصل ، فقد تعرضت منطقة الميدان في الباب المعظم حيث مكاتب المديرية العامة للتخطيط العمراني ، الى العديد من حالات
إطلاق النار عليها مما منع الموظفين من مغادرة الدائرة لساعات ولحين قدوم القوات الأمنية لإبعاد المسلحين المتمركزين في محلة الفضل . وقد انتقلت المديرية العامة الى مقراتها الجديدة في شارع
حيفا وبدأت تعمل بمستوى عالٍ من الكفاءة والتنظيم في مكاتب جديدة وحديثة ، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا ، واذا بانفجار شديد جدا ، خارج مكاتبهم الحديثة في شارع حيفا وفي ساحة جمال عبد الناصر ، أدى الى تحطيم جميع مكاتب المديرية العامة وتبعثر وفقدان معظم وثائقها مما أدى الى انتقالها الى مقر موقت آخر في مدينة المنصور .
وحدث أيضا في أحد المؤتمرات التي حضرها نائب رئيس الجمهورية لبحث خطط الوزارة الرئيسية في مناهج التخطيط العمراني ، أن فجر أحد الارهابيين قنبلة كبيرة في قاعة الاجتماع مما أدى الى اصابة العديد من المدراء العامين والخبراء والحاضرين ووفاة ستة من الحضور . نجا نائب رئيس الجمهورية د. عادل عبد المهدي من هذا الانفجار إلا أن المديرة العامة الاستاذة نداء كاظم عودة ، المديرة العامة للتخطيط العمراني والتي ذكرناها آنفاً ، قد استشهدت في هذا الحادث المؤلم .
وبغية جمع المعلومات كاملة عن المدينة القديمة وبسبب عدم السماح للخبراء الاوربيين من الدخول أو السفر الى العراق ، كان علي أن أنقل ، الى إيطاليا والى مدينة ” بادوفا ” في شمال ايطاليا أحيانا واحيان اخرى الى” بللونو” في سفوح الألب الايطالي ، من مكاتبنا في بغداد ومن عمان ، الكثير وكل ما نحتاج اليه من وثائق و دراسات سابقة لإكمال أعمال المسوح الميدانية والحقلية لإنجاز التقرير الأول حول جمع المعلومات والكثير من المعلومات الاخرى المطلوبة للتقارير اللاحقة لتحليل المعلومات ودراسات التجديد الحضري.
وبعد أشهر من العمل المستمر في مدينة الموصل القديمة , مواجهين التحديات والصعوبات بصدور رحبة , هادفين الى إنجاز عمل متميز ومن مكاتبنا في بغداد وعمان . وإن تأخرنا لأيام عن موعد التقديم ، أنجزنا أعمال المرحلة الأولى وتم تقديمها في بغداد بموجب متطلبات العقد .
استمرت أعمالنا على المرحلة الثانية وهي مرحلة تحليل المعلومات وكذلك على أعمال المرحلة الثالثة وهي مرحلة البدائل والمرحلة الرابعة والخامسة وهي مسودة خطط التجديد الحضري والخطط النهائية للمشروع .
عقد اجتماع في عمان في تموز2008 حضرهُ العديد من مسؤولي التخطيط العمراني برئاسة المدير العام ومستشاريه ، ونوقشت جميع التقديمات والوثائق والمخططات بالشكل الاصولي المطلوب وأصدرت اللجنة المختصة في المديرية العامة قرارها بإنجاز أعمال المشروع ، وفي ضوء ذلك تم طبع جميع الوثائق المطلوبة بالأعداد المحددة بالعقد وسلمت بالشكل الاصولي الى الدائرة.
إعادة المسوح مرة اخرى
وفي أواخر سنة 2008 وعند العمل على تصفية حسابات المشروع ، أعلمتنا المديرية العامة للتخطيط العمراني عن وجود نقص في وثائق المشروع وهي جميع البلوكات التي طلب منا أن نتركها لوجود الارهابيين فيها . أحرجت الى درجة كبيرة أمام شركائي الاوربيين ولم أدر كيف افاتحهم وهم الذين يعملون بموجب قواعد العمل والمواصفات الاوربية التي تعمل على انصاف الطرفين . حاولت أن اطالب بتعويض عن هذه الأعمال التي اعتبرها خارج بنود العقد. لم يقبل رب العمل أية مطالبات مالية اضافية وهدد بمصادرة استحقاقاتنا من المشروع ما لم نقم
بإنجاز أعمال المسوح المتروكة حسب أوامرهم ثانية .
لم يكن أمامي سوى أن أبحث الموضوع مع شركائي
الايطاليين وعلى أن اقنعهم على تحمل تكاليف اعادة العمل هذا مناصفة. لا أدري كيف أفسر هذه الاجراءات التي اعتبرها إجحافاً بحق الاستشاريين وهل تخول العقود الحكومية دوائرها أن تتصرف بهذه الطريقة ؟ لكون أمر ترك أعمال المسوح تلك جاء بطلب رسمي من الدائرة نفسها ( التعسف باستعمال الحق)، لكن قبولنا العودة الى العمل يخدم اتجاهين أولهما ان إكمال مشروع الموصل القديمة الذي احتلته قوى الارهاب لفترة من الزمن يعتبر الهدف الاخير، وثانيهما اننا اعتبرنا مبدأ الحفاظ على علاقات حسنة مع وزارة البلديات هو أمر له أهمية كبيرة .
أوعزت الى الاستاذ سعود العمري وهو الذي أنجز لنا أعمال المسوح الأصلية ، طالبا عودة المساحين بعد أشهر مرة اخرى الى مواقع العمل والقيام بجميع أعمال المسوح لكل البلوكات التي أمرنا رب العمل بتركها بسبب تواجد الارهابيين فيها آنذاك . استغرق إنجاز الأعمال التكميلية هذه فترة تقارب ثمانية اسابيع ، قمنا بعدها بإعادة طبع التقارير النهائية ثانية واعادة طبع الخرائط مجددا وتسليم الوثائق مرة اخرى الى رب العمل .
تم قبول التقارير النهائية والاعمال المنجزة من قبلنا بموجب العقد ، وقامت المديرية العامة للتخطيط العمراني بدورها بإرسال نسخ من الخطط النهائية للتجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة طالبين التعامل مع أعمال التجديد الحضري للمدينة القديمة بموجب الخطط والمفاهيم التي تمت المصادقة عليها من قبل الوزارة .
المحافظة لم تقبل
ومن باب الاعلان عن المشروع والتبشير به وهو هدف كل أهالي مدينة الموصل القديمة ، طلب من مسؤول التخطيط العمراني في محافظة نينوى إلقاء محاضرة في جامعة الموصل لشرح ابعاد المشروع ومفاهيمه وهو الأمر المستحب والمفضل في الكثير من المشاريع الكبيرة والتي لها علاقة جذرية بالمجتمع ، غير ان اختلاف مفاهيم التجديد الحضري بين ممثل التخطيط العمراني في الموصل وهو الذي يعكس مفاهيم وزارته ، وبين اساتذة الجامعة والذين لم يطلعوا على متطلبات وزارة البلديات في انجاز المشروع ، أدى الى تباين في الرؤى واختلاف المفاهيم ، مما أدى الى عدم قبول المشروع في ذلك الاجتماع .
قبول المشروع نهائياً
انتشرت الحكاية ، وبقي الأمر كذلك الى أن قمت بتلبية الدعوة الموجهة الي من قبل القسم المعماري في جامعة الموصل حيث طلب مني أن أتحدث عن نشاطات الأعمال الاستشارية في العراق من خبرتي عبر عشرات السنين وبحكم علاقتي مع العديد من المعماريين العراقيين عبر سنوات طويلة . شرحت مسيرة الأعمال الاستشارية من تجربتي الخاصة وعلاقاتي بصفتي أمثل مكتب ” دار العمارة” وهو أحد المكاتب العراقية العريقة في البلد وراسه المهندس المعماري المعروف قحطان المدفعي ومارس أعماله منذ أواسط القرن العشرين ولحد الآن ، كما ذكرت الحاضرين بأسماء المكاتب الاستشارية التي عملت في تلك الفترات وأعمالها ومؤسسيها من المعماريين الاوائل والرواد . تمتعنا جمعا بتلك الذكريات .
وحسب طلب رئيسة القسم المعماري قمت بإلقاء الضوء على مشروع التجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة وقمت بشرح مفاهيم المشروع التي تستند على مبدأ مساعدة أهالي المدينة والأخذ بيدها في مهام قيامهم بأعمال التجديد الحضري وفق الأفكار المقترحة ومحاور الدراسة الرئيسية وطرق معالجة الواجهات النهرية وواجهات الأبنية والمحاورالثقافية والمناطق الخضراء والمحاور التجارية في المشروع وتغيير مسار الطريق السريع ليكون شارعاً قياسياً ، تاركا على جانبية مساحات واسعة من الأراضي يمكن للبلدية استغلالها عن طريق المستثمرين لإنشاء عمارات تجارية أو سكنية على محيط المدينة القديمة ، وبعد اكمال الحديث وشرح الأفكار الأساسية للمشروع واساليب الحفاظ على الجوامع والكنائس والعمارات التجارية الاخرى ، أجمع الحاضرون في الندوة على أهمية الأفكار والدراسات وتوفرت لجميع المعماريين الحضور ومن جملتهم ممثل عن محافظ نينوى ، القناعة بأن المشروع مهم ومقبول .
واخيراً أقول بأن جميع تلك العقبات التي واجهت مسيرة عملنا , في تلك الحقبة من الزمن ,والتي من أهمها تدهور الوضع الأمني في الموصل وبغداد , وخطورة العمل في تلك الظروف , وانهيار الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء … كل تلك العراقيل لم تفلح في أن تنال من عزمنا , او تثنينا عن الايفاء بواجباتنا التي نعتقد أننا قد أنجزناها على اتمّ وجه وفي اقصى سرعة ودقة ممكنة . كل ذلك كان بفضل العزيمة القوية التي تحلى بها الاستشاريون والكادر المرافق لهم , مما جعل من تلك التجربة , تجربة رائدة وناجحة وفريدة , يمكن أن تشكل نموذجاً يحتذى في مجال أعمال التجديد الحضري للمدن العراقية خصوصاً , وفي أعمال التطوير والعمران على وجه العموم .
تباين اتجاهات تغلب الوائلي
قدمنا عرضين استشاريين لتحديث التصاميم الاساس, أحدهما لمدينة الهندية والآخر لمدينتي القاسم والمسيب ، وقد تم تسعيرهما من قبل تغلب . بعد أن كشف لنا تغلب الاسعار المقدمة ، لم يقبل بها شريكنا “جورجيو” بصورة عامة لانخفاضها . وقبل أن تنقل مكاتبنا الى بغداد في اخر سنة 2008 للعمل من هناك كما تم الاتفاق عليه ، وضعت اتفاقا مهنيا مع تغلب ليكون هو مسؤولا عن تنفيذ تلك المشاريع . حاول تغلب أن يدخل مع دار العمارة بصفة مكتب مشارك ، إلا أني اعترضت لكونه ليس لديه مكتب مسجل وليست لديه خبرة موازية الى دار العمارة للدخول معنا على اسس متكافئة ، إلا أنه وقع الاتفاق بكل ترحاب . حضر “جورجيو” الى عمان مع شريكنا الآخر ” ماركو” لبحث تطورات مشاريع الموصل والمثنى وخطط تنفيذ المشاريع الجديدة ومواضيع الانتقال الى بغداد ، إلا أني لاحظت أن تغلب لم يرغب في لقاء شركائنا وان كنا جالسين في المكتب نفسه.
أعلمني تغلب ونحن على اهبة الانتقال الى بغداد ، أن صحته غير جيدة ويعاني من آلام القلب . فاجئنا بدخول تغلب الى المستشفى للعلاج . زرته في مشفاه بعدئذ للاطمئنان على صحته . ترك المستشفى بعد أيام وقرر العودة الى كندا لاجراء فحوص تفصيليه للاطمئنان . أعلمني من كندا بأن طبيبه الخاص أوصاه بتغيير عمله بسبب الضغوط النفسيه التي يتعرض اليها. رجوت له الصحة والموفقية في اختيار العمل الذي يناسبه .
بعد تصفية مكتب عمان وعودتي الى بغداد ، علمت من بعض الأصدقاء بأن تغلب قد سجل مكتباً له في نقابة المهندسين ودخل في مشاركه مع السيد ثائر فيلي في مشروعين كبيرين هما مشروع تطوير شارع الرشيد بطول أكثر من( 2 كم ) وبكلفة تتجاوز سبعة ملايين دولار ومشروع تجديد التصميم الأساس لمدينة الموصل . يتضح أن شركاء تغلب الجدد أخذوا يعلنون في بغداد بأن تغلب هو من المخططين العالميين والأحسن في بغداد ومن الجدير به أن يقوم بتنفيذ هذه الأعمال . هنأت تغلب على احالة مشروع الموصل عليه وتمنيت له الموفقية في إنجاز مشروع شارع الرشيد.
أنا وزملائي في المكتب وآخرون معنا وإن ساورتنا الشكوك من بعيد في امكان تغلب إكمال هذه المشاريع إلا أننا استغربنا جميعا كمهندسين استشاريين من هذه التطورات في مجالات الأعمال الاستشارية كما اننا نعلم وضمن كل التطورات التي يمر بها البلد ، أن نقابة المهندسين قد تم حلها وتوقفت عن ممارسة أعمالها بسبب الخلافات السياسية ، وليس هناك أي مقياس أو تنظيم مهني حاليا يراقب حسن سير الأعمال بعد تغيير النظام .
وبعد كل هذه المحاولات من قبل زميلنا تغلب والاجتهادات التي أحاطت بأعماله على اساس أنه يمثل الخبرة العراقية العالمية التي عادت الى العراق بعد اضطهاد من قبل السلطة القديمة ، لم يستطع مع الأسف تحقيق النجاح الذي رسمه لنفسة بالأفق . وبالفعل وبعد نحو سنتين من التخلف في تنفيذ مناهجه في كلا المشروعين ، سحبت وزارة البلديات العمل لمشروع تخطيط مدينة الموصل من مكتب تغلب وانتهى الأمر في المحاكم ، كما تعثر مشروع شارع الرشيد ولم يستلم من قبل الجهات الهندسية في أمانة بغداد واعتبر المشروع متلكاً ولم يثبت نجاحاً وبالعكس انتهى الأمر بخلاف بين الشركاء مما أدى الى صدور أمر بتوقيف تغلب في شرطة الكاظمية واللجوء الى المحاكم . وهكذا طوت الأيام بعض المحاولات الهندسية الاستشارية القادمة الى العراق .