بقلم بلال غسان العطية
ترجمة لهب عطا عبد الوهاب*
يمكن أن ينظر لصناعة النفط في العراق بوصفها قصة نجاح من أوجه عديدة . إذ بعد عقود من العزلة إرتفع إنتاج النفط العراقي بأكثر من 75% منذ عام 2013 ليصل إلى 4.5 ملايين برميل يومياً , وذلك بالرغم من الخلافات مع الكرد والصراع مع تنظيم الدولة الإسلامية ) داعش (إذ تم تحقيق الأمن والزيادة المضطردة في الصادرات . وهناك خطط ومشاريع لزيادة الإنتاج إلى أكثر من 6 ملايين برميل يومياً .
ويعد العراق اليوم عضواً فاعلاً في منظمة الأقطار المصدرة للبترول ( أوبك ) إذ يحتل المرتبة الثانية في الإنتاج بعد المملكة العربية السعودية مباشرةً علماً بأن منظمة ( أوبك ) التي تأسست في بغداد عام 1960 تضم اليوم في عضويتها 14 دولة . وقد استفادت أوبك كثيراً من الإرتفاع الحالي للأسعار العالمية للنفط . بيد أن خلف النجاح المصطنع , هناك إحتكار للسلطة قد يضر بشكل كبير بالتقدم الجاري في الصناعة البترولية .
وقد أقر البرلمان العراقي في 5 آذار / مارس / عام 2018 قانون البترول الذي سيلقي بظلاله على العلاقة الناجحة التي تؤطر عمل الحكومة والشركات النفطية العاملة . وسيفضي القانون المذكور إلى خلق كيان أحادي يضطلع بالمسؤولية المطلقة لكل الجوانب المتعلقة بتطوير قطاع النفط والغاز في العراق برمته .
والشركة الجديدة , شركة النفط الوطنية العراقية , هي إعادة أحياء لشركة النفط الوطنية التي كانت جزءاً من وزارة النفط في ثمانينيات القرن الماضي .
وستضطلع الشركة الجديدة بـــ :
السيطرة على جميع إيرادات الصناعة الهيدروكربونية . كما ستحدد الشركة حجم الإيرادات التي يتم تحويلها في الخزينة الوطنية العامة .
سوف تمتلك الشركة كل مايتعلق بعمليات الإنتاج في المنبع والمصب , كما ستكون مسؤولة عن تسويق النفط والإشراف على عمليات التصدير عبر الناقلات إضافة ‘الى إدارتها لخطوط النقل والبنية التحتية المتعلقة بالصادرات .
ستصبح شركة النفط الوطنية السلطة الوحيدة المخولة بالتوقيع على العقود مع شركات النفط العالمية التي ستستثمر في قطاع النفط والغاز .
سيكون لها سلطة إنشاء « صندوق « توزع أرباحها على مواطني البلاد .
ستخلق الشركة الوطنية صندوق للثروة السيادية .
كما سيعهد إليها الإستثمار في المشاريع الإستراتيجية عبر البلاد في المناطق التي تعمل فيها , إضافة إلى الاستثمار في المشاريع الصناعية والزراعية في الأراضي التي تملكها .
وبناء عليه فإن الشركة المذكورة سيكون لها سلطة مطلقة في إدارة قطاع البترول .
إن هذه «الهيكلية « لشركة النفط الوطنية ستكون أكثر عرضة للفساد . ويحتل العراق اليوم المرتبة 169 في سلم الفساد من مجموع 180 دولة تتوفر لها بيانات وفقاً لمعيار الفساد التي تعده سنوياً منظمة الشفافية الدولية .
إن العائدات النفطية من الإنتاج والتي تمثل أكثر من 90% من الموازنة العامة للبلاد يمكن أن تتحول إلى جيوب الخاصة من المفسدين أسوةً بالمليارات من الدولارات التي ضختها الولايات المتحدة وآخرين لتحقيق الإستقرار في البلاد بعد سقوط نظام صدام حسين قبل عقد من الزمن .
إن الموارد الطبيعية والمهارات البشرية التي يتمتع بها العراق كانت كفيلة ان تجعله واحدة من أغنى البلدان في المنطقة . بيد أنه بعد 15 عاماً من الغزو الأميركي مايزال العراق يعاني من نقصاً في التجهيزات الأساسية كالكهرباء . ولاتوجد الرغبة حالياً لتدخلات خارجية لوضع الأمور في نصابها الصحيح . وبعد الفشل الذريع خلال العقود الثلاث الماضية فأن المزاج المتعلق بالشرق الأوسط يشوبه خيبة الأمل .
إن بإمكان صندوق النقد الدولي إبداء تحفظه بخصوص قانون البترول الجديد , بيد أن تأثير الصندوق يبقى محدوداً إذ بإمكانه على سبيل المثال تعليق القروض ليس إلا وعلى العراق أن يحل مشاكله بنفسه .
من الصعب أن يكون المرء متفائلاً . ولا ريب أن نجد تأييد أغلب الأحزاب لقانون البترول نظراً للوظائف التي يمكن خلقها والمغانم التي تنطوي عليه . أما المعارضين للوضع القائم فهم قلة لايتمتعون بنفوذ يذكر .
والأمل معقود حسب الأصدقاء العراقيين على فوز الدكتور حيدر العبادي بولاية ثانية رئيساً للوزراء , حيث يمكن للعبادي الإتيان بحكم أفضل بعد الإنتخابات البرلمانية المقررة يوم 12/ أيار / مايو الجاري / ومرد ذلك يعود إلى توجهه العام نحو محاربة الفساد ومواجهة المفسدين والعمل على تنويع القاعدة الإقتصادية بعيداً عن الإعتماد المطلق على النفط .
ومن ناحية المبدأ , فإن ذلك ممكن , إذ بالإمكان تقاسم السلطة وجعل المسؤولية أكثر شفافية وعرضة للمساءلة . إن ملكية الموارد والجانب العملي من التطوير يمكن جعلهما أكثر وضوحاً . إن المهمات مثل التسويق وإدارة البنية التحتية يمكن فصلهما .
إن العائدات النفطية يمكن توجيهها مباشرة للخزانة العامة . ويمكن إنشاء صندوق مستقل للثروة السيادية لإستثمار هذه العوائد للمستقبل . كما يمكن منح العقود للمستثمرين الأجانب من خلال إجراء منافسة مفتوحة للجميع .
إن ذلك لن يحل كل المشكلات التي يواجهها العراق . إذ ما يزال الصراع بين الحكومة الإتحادية في بغداد وإقليم كردستان الذي يتمتع بشبه حكم ذاتي ينتظر الحل . كما أن تنظيم الدولة الإسلامية , داعش , وإن كان قد تم تردهم من الموصل وإجزاء أخرى من البلاد , إلا أن التنظيم لم يتم إجتثاثه بالكامل .
إن قانون منصف للثروة البترولية قد يمثل علامة جيدة بأن البلاد يمكنها أن تسترد بعضاً من قوتها وعافيتها.
إن العراقيين في المهجر الذين أجبروا على مغادرة البلاد خلال الأربعين سنة الماضية خلال حكم صدام حسين أولاً , ولاحقاً إجراء الفوضى والإرهاب الذي عم البلاد بعد سقوط نظامه يمكنها أن تبدأ بالعودة .
بيد أن قانون النفط قد يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الفساد والمفسدين مما قد يقضي على الإيجابيات التي تحققت خلال 15 سنة الماضية وقد يعمل على طرد الاستثمارات الأجنبية الجادة والطويلة الأمد . على سبيل المثال , فإن فشل شركة أكسون موبيل العملاقة في الوصول إلى شروط عقد مناسبة في حقل غرب القرنة وفي حقول أخرى في مشروع الجنوب المتكامل إضافة إلى قرار شركة شل الهولندية التخلي عن مصالحها في حقل مجنون العملاق , ماهي إلا قشة في مهب الريح .
إن العراق وإن كانت أخباره لا تتصدر واجهة الأحداث في الوقت الحاضر بيد أن مشكلاته ماتزال قائمة.
*اقتصادي عراقي .