صدر حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر الفلسطيني راسم المدهون، حملت عنوان: «أغنية للذُّبول». لا يتأخر الشاعر راسم المدهون في التعريف بنفسهِ، من خلال أولى قصائد الديوان الأربع عشرة، ماسكاً حبل الاعتراف من وسطِه، متوارياً خلف اللغة الناضجة كخبير مناجم يعرفُ أين يكمنُ المعدن النفيس، وأحياناً كطفلٍ يُغني لحنه الخاص، في الحب، والحياة، وتأويلات الحلم، والمحاولات الحثيثة للإمساك بمعنى الوطن. في قصيدته «ربّما» نقرأ: «أنا الكلامُ الذي فاضَ من مناماتِ العشّاق/ والخائبين». قبل أن تتحوَّل الأغنية لاحقاً إلى فصلٍ آخر من «الذبول الجميل»، حيث يقف الشاعر على عتبات الحبّ، مستعيداً الصيف في آخر الكتاب.
وفي البحث عن إيثاكاه الأخرى، يغامر راسم المدهون بكلِّ شيء في حياته، في عالمٍ يائس بلا معنى:
أنا شاعرُ الطُّيُورِ المُهاجرة
والنوارسِ القَلِقَة
رأيتُ كوكبَ الأرضِ مُزدحماً بالأسى
وأغاني الغياب
قلتُ أُؤلِّف بحراً
وأجعلُهُ شاهداً
سأقولُ هناكَ جزيرتي التي تحتلُّها الصُّخُور
ويلعب بها الهواء
في الانتظار يتفاقم الفراغ، حتى يتحوّل مجيئها إلى امتلاء، ومع تروبادور المرايا نحمل سلّة أقمار ونمضي، ويُمسي ظلُّها أخضر والكلمات والأشياء والتفاصيل خضراء، يراودنا الشك في أنّها إيفانا الرهيبة، قبل أن يحضر محمود درويش بكاملِ أناقته في قصيدةٍ طويلة جاء عنوانها باسم الشاعر الراحل:
…
بل إنَّ فتاةً رأتْكَ مرَّةً تقرأُ شعراً في رام الله
تحلفُ لصديقتِها
أنَّها رأتْكَ اليومَ واقفاً قربَ مقهى في المدينة
تبتسمُ لها
فتشبّ الغيرةُ في وجنتي صديقتها
وتسألها
هل كان نحيلاً
كزهر اللوز
هل ماتَ لأن غلطة خفية
تفجَّرتْ في شرايين قصيدتِه؟
في أغنيته هذه، يكتب راسم المدهون الجسدَ في لحظةِ انتشاء، ولا يهمّ إن كانت لحظةَ تذكّر أو ترقّب، فالحب المدسوس بين أسطر القصائد لا يحتاج إلى غواية لغوية ليمتزج النعاس بالكسل اللذيذ، ويمسي السرير الحريريّ حصاناً بريّا. ليؤنس السهر امرأة وحيدة، وبدل الأرق الماثل على امتداد الساعات، يسأل الشاعر حبيبته: «قولي لعينَيْكِ أن تنعسا قليلاً في ضواحي فمي/ فأنا مهرجان الفصول البعيدة».
«أغنية للذّبول» مجموعة شعرية جديدة للشاعر الفلسطيني راسم المدهون، صدرت في 96 صفحة من القطع الوسط، ضمن مجموعة «براءات» التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
راسم المدهون، شاعر فلسطيني، مواليد 1948 فلسطين. صدرت له المجموعات الشعرية التالية: «عصافير من الورد» 1983. «دفتر البحر» 1985. «ما لم تقله الذاكرة» 1989. «حيث الظهيرة في برجها» 2002. عمل في الصحافة الفلسطينية، وكاتب دائم في جريدة الحياة منذ عام 1989. له عدة مقالات نقدية وأدبية في ملاحق ثقافية وصحف عربية.
أغنية للذُّبول لراسم مرهون
التعليقات مغلقة