سايمون هندرسون
لم تمضِ فترة وجيزة على تعيين وزير الخارجية الاميركي الجديد مايك بومبيو وحلفه اليمين الدستورية حتى أوضح أن موقفه من الخلاف الخليجي الذي هو أحد أكبر متاعبه، والذي يشارف على إنهاء عامه الأول، مشابهٌ، خلافاً التوقعات، لموقف سلفه ريكس تيليرسون الذي أُعفي من منصبه ولم يلقَ رحيله أسفاً يُذكر.
وقد أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» وغيرها من وسائل الإعلام التي كانت متواجدة على متن طائرة بومبيو، في طريقه من اجتماع لـ «حلف شمال الأطلسي» في بروكسل إلى الشرق الأوسط أن الخلاف الحاصل بين قطر من جهة وأربع دول عربية برئاسة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى لا بد أن ينتهي. وكانت الرسالة البسيطة التي أطلعها [للصحفيين] «مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الاميركية لم يصرح بالكشف عن اسمه»، «لقد طفح الكيل.. أوقفوا حصار قطر».
ويبدو أن هذه الرسالة نفسها نُقلت إلى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي استقبل بومبيو في المطار، وإلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود، خلال مأدبة عشاء أقيمت مساء السبت، وإلى الملك سلمان صباح الأحد قبل أن يغادر بومبيو إلى إسرائيل. (ومن غير المستغرب عدم ظهور كلمة «قطر» في تقرير «وكالة الأنباء السعودية» عن المؤتمر الصحفي الذي عُقد في نهاية الزيارة، برغم أن بومبيو تحدث عن ضرورة وحدة الخليج).
في غضون ذلك، كانت صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية تنشر خبر الخطيئة التي اتهمت بها قطر مؤخراً، وهي دفع «ما لا يقل عن 275 مليون دولار» لتأمين الإفراج عن تسعة أفراد من العائلة الملكية و16 مواطناً قطرياً آخر كانوا قد اختُطفوا خلال رحلة صيد جنوبي العراق. وفي النهاية تم الإفراج عنهم في نيسان/أبريل من العام الماضي.
إنها قصة كانت قد ذكرَتْها سابقاً بشكل متعمق صحيفتي «فاينانشيال تايمز» و»نيويورك تايمز»، لكن الزاوية الجديدة كانت تدعم الأدلة من المكالمات الهاتفية التي تم اعتراضها، والنصوص ورسائل البريد الإلكتروني، «التي وفرتها حكومة أجنبية» بشرط ألا يتم الكشف عن هويتها. ويتردد المرء في أن يكون غليظاً حول شعار «الديمقراطية تموت في الظلام»، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يحتاجون إلى القليل من ضوء النهار، فإن الدليل هو «فكِّرْ في دولة الإمارات».
إن خبر اختراق الإمارات لوكالة الأنباء القطرية في أيار/مايو الماضي، الذي نشرته في الأصل صحيفة «واشنطن بوست» نفسها، هو الذي أطلق شرارة الخلاف الخليجي – المعروف باسم «الحصار» – من قبل السعودية، ودولة الإمارات وحليفتيها في التحالف، البحرين ومصر. (هناك قصة مفصلة لا يستهان بها أيضاً).
أما قرار بومبيو بتبنّي وجهة نظر تيليرسون حول أزمة الخليج فناتجٌ على الأرجح عن إدراكه ببساطة أن هناك قضية أكثر أهمية يجب التركيز عليها – وبالتحديد إيران. ونظرياً، يدور النزاع حول سلسلة من الإخفاقات القطرية في تمويل الإرهاب ، والتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، وأسلوب البث الاستفزازي لمحطة «الجزيرة» التلفزيونية في قطر.
وفي حزيران/يونيو الماضي، اشترط الائتلاف المناهض لقطر على حكومة الدوحة تنفيذ قائمة تضمنت 13 مطلباً لتسوية الخلاف. وقد تم التشكيك في جدّية المطالب – على سبيل المثال، يتعين على قطر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، على الرغم من أن الإمارات ما تزال تملك مثل هذه العلاقات الرسمية مع طهران. وما قلّل من شأن القائمة المذكورة هو الاعتقاد السائد في الأوساط المُطّلعة بأن القائمة صدرت عن مؤسسة فكرية محلية كلّفتها وزارة الخارجية الإماراتية بإعداد بعض نقاط الحوار على وجه السرعة. يا ليت كان بالإمكان استراق السمع إلى الحديث الذي دار بين بومبيو والأمير محمد بن سلمان خلال مأدبة العشاء، والوقوف إلى جانب وزير الخارجية الاميركي حين قرأ الخبر الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست». ولكن يبدو أن الأمر الأكثر تشويقاً هو أفعال وحوافز القائد الفعلي لدولة الإمارات، أي ولي عهد إمارة أبوظبي الأمير محمد بن زايد آل نهيان. فقد بدا أنّ الأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد قد أقنعا الرئيس ترامب العام الماضي بصحّة موقفهما، وبذنب قطر وزعيمها الشاب الأمير تميم بن حمد آل ثاني. لكن الرئيس الاميركي غيّر موقفه منذ ذلك الحين، معلناً أنه يريد تسوية الخلاف ودعا كلّاً من الأمراء محمد بن سلمان وتميم ومحمد بن زايد لإجراء محادثات منفردة.
غير أن الأمير محمد بن زايد اتخذ موقفاً متشدداً تجاه قطر ورفض الذهاب إلى واشنطن، في ما شكّل على الأرجح ضرباً من الحماقة. ومن هنا جاءت زيارة بومبيو إلى المنطقة، والكلمات التي صدرت عن مسؤول رفيع المستوى تم التحفظ على هويته، وغياب أبوظبي عن جدول الرحلة. وكأنّما يريد بومبيو التشديد على النقطة الأخيرة، فهو يزمع زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الحليف المقرب للولايات المتحدة، إلّا أنّ بعض أفراد النخبة الحاكمة في الخليج لا يعدوه أهلاً للمهمة.
وفي الواقع من الصعب إيجاد الكلمة المناسبة لوصف الخلاف الخليجي، ولكنني سمعت كلمة «تفاهة». فإذا صحّ هذا التعبير، سيكون من الصعب تقدير الوقت اللازم لإيجاد حل لهذا الخلاف والظروف التي ستحصل فيها التسوية حتى يصبح بالإمكان تركيز الاهتمام على الخطر الأكبر، أي إيران.
وفي غضون ذلك، تعيد هذه المسألة التذكير بأن استخبارات الإشارات لم تعد حكراً على القوى العظمى، بل أصبحت في متناول الدول الصغرى، التي تستطيع اللجوء إلى متعاقدين تجاريين لإنجاز المهمة إذا لزم الأمر. (فقد أفاد أحد المصادر من الجانب الإماراتي في الخلاف الخليجي أن بريده الإلكتروني تعرّض لمحاولة قرصنة من قبل شركة في مومباي). في أيامنا هذه، يقرأ السادة المحترمون بريد بعضهم البعض، بخلاف ما كان يُفضله أحد أسلاف بومبيو هنري ستيمسون عام 1929 . (إما ذلك، أم أن السادة المحترمين لم يَعُد لهم وجود).
والمَوْعِظة الأخرى التي يجدر تذكرها هي أنّ «من كان بيته من زجاج، لا يرمي الناس بالحجر». فحذارِ من المفاجأة التالية التي ستصدر عمّا يعد مجرد تشتيت انتباه في السياسة الخارجية.
*سايمون هندرسون زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.