في احد مجالس الفاتحة جلست وسط (الجادر) المترامي بين رجلين احدهما افندي عن يميني والاخر صاحب عقال عن شمالي .. وما ان انتهى الرجلان من الترحم على روح المرحوم وقبل ان يكملا رد تحية (الله بالخير) للأخرين .. بادر الرجل صاحب العقال بتوجيه سؤال الى الافندي وكانت بينهما معرفة وطيدة .. وكان السؤال انتخابيا بحتا ..اذ سأله عن الشخص الذي سينتخبه ؟ اجاب الافندي تلميحا ولم يعلن اسم مرشحه !! .. الا ان صاحبي هذا تظاهر بعدم الفهم برغم قناعتي انه فهم المغزى .. فاعاد سؤاله من جديد فاجابه الاول تصريحا .. وهنا كانت المفاجأة .. فقد انتفض صاحب العقال مهاجما مستنكرا مقرعا وبدا لي ان الشرر بدأ يخرج من عينيه والدخان من اذنيه .. لذا كان لابد من فك الاشتباك وقطع الحوار بين الطرفين فتدخلت بينهما معلقا بان هذا الكلام لامبرر له لاننا في مجلس فاتحة .. ثم ان كل انسان هو حر في خياراته الانتخابية بحسب قناعاته لذا عليهما ان يحترما خيارات بعضهما بدلا من حرق كريات الدم لاسيما انهما قد بلغا من العمر عتيا .. انتهى الحوار بين الرجلين ولكن ليس على ود .. اما انا فقد قلت في نفسي ان الامر فعلا لايستحق هذا الشد وحرق الاعصاب .. فكل مواطن قد قرر ابتداء لمن سيعطي صوته في يوم الانتخابات .. وبالرغم من ان الجميع يدرك هذه الحقيقة الا ان القوائم الانتخابية الكثيرة والمرشحين الكثر قد اغرقوا العاصمة وسائر المحافظات بغابات كثيفة من الاعلانات التي حفلت باجمل الصور للمرشحين والمرشحات .. ولم يكتفوا بذلك ، اذ لجأ قسم آخر من المرشحين وهم من الذين (فضلهم) الله على بعضهم الى طرق اخرى يعتقدون انها اكثر تأثيرا في النفوس ..فقد حجزوا مساحات اعلانية في الفضائيات العراقية والعربية لبث الاغاني الحماسية !!.. اخرون سلكوا سبلا اخرى تمثلت بتوزيع المبالغ البسيطة على الناس مع وجبة طعام مقابل التعهد بالتصويت له ، ، واعتقد ان المفوضية بقرارها المتضمن منع ادخال الهواتف الى المراكز الانتخابية قد احرقت هذه الورقة وحررت الناخب من ضغط المرشح !!.. صنف اخر من المرشحين اهتم باقامة الولائم الباذخة للناخبين ، فقد شاهدت مقطعا فيديويا حقيقيا وليس مفبركاً ، تظهر فيه اكثر من ٣٠٠ ذبيحة من الخراف التي صُفت بطريقة توحي للناظر انه امام مجزرة حقيقية ، وواضح ان مثل هذه المجازر الخرافية ستتواصل لغاية يوم الصمت الانتخابي !! … .. وصنف آخر انتهج سياسة تسقيط الاخر وقد بنى كل برنامجه الانتخابي على اساس سياسة التسقيط باسلوب التهريج الفج البعيد عن الاخلاق واحترام ذائقة الجمهور ..وبالمقابل فان هناك الكثير من المرشحين ربما لم نشاهد لهم سوى صورة واحدة في احدى الساحات لانهم يؤمنون بالبرنامج الانتخابي اكثر من ايمانهم بتشابك الصور وبث الاغاني عبر الفضائيات الواسعة الانتشار ..وهؤلاء هم الاجدر بالانتخاب فهم لايبحثون عن الماء والكلأ كما الاصناف التي تحدثنا عنها انما همهم خدمة البلاد والعباد ..
ولكن وفي ظل هذه الاجواء وهذا التناحر الانتخابي بين المرشحين اين سيجد الناخب نفسه والى اين سيتجه ..بالتأكيد ان الكثير من الناخبين يضحكون ملء الاشداق وهم يشاركون بقوة في الولائم الفاخرة ، فالكثير منهم قد حدد خياراته سلفا ، لذا فان كل ما يقوم به المرشحون من انفاق مفرط للاموال من اجل استمالة الناس انما كمن يرمي فلوسه في نهري دجلة والفرات .. في حين كان بالامكان الاستفادة من هذه الاموال الطائلة في بناء مجمع سكني للفقراء او مستشفى عملاق او دار للايتام والعجزة ، او فتح مشاغل للعاطلين والارامل وغير ذلك من المشاريع التي يمكن ان تترك اثرا في نفوس الناس ، بصرف النظر عن فوز صاحبها او خسارته، ومثل هذه المشاريع الانسانية ينبغي ان ترافقها برامج انتخابية واقعية يمكن ترجمتها فيما بعد الى واقع إيجابي يغير حياة الناس ، وليس مجرد حشو
عبدالزهرة محمد الهنداوي
غابت البرامج .. وحضرت الولائم..!!
التعليقات مغلقة