الرجلُ ذو المعطفِ الأسودِ

روبرت بلاي
كاميران حرسان

وحده في الغاباتِ ليلاً
يشبهُ الجسدُ شجرة البتولا في نوفمبر،
شاخصةً قبالة القمرِ،
تَمْتَدُّ عبرَ السماواتِ الباردةِ
فعندَ الأشجارِ هنا ليسَ ثمةَ طموحٌ
أجسادٌ مُبَلَّلَةٌ، أوراقٌ، لا شيءَ سوى جذوعٍ عاريةٍ
متسلّقةٍ كألهبةٍ باردةٍ.
2
ها هو ذا آخرُ تجوالٍ لي بينَ الأشجارِ
عندَ الفجر ِعَليَّ العودةُ إلى الحقولِ المسوّرةِ
إلى الأرضِ المطيعةِ
فالأشجارُ ستسمق طوالَ الشتاءِ.
3
مبهجٌ أن تتجوّلَ في الغابةِ العارية
الأوراقُ الثقيلةُ لا تحجبُ شعاعَ القمرِ
هي في الأسفلِ هناكَ على الأرضِ الرطبةِ
تفوحُ منها الرائحةُ تلكَ
التي يعشقُها القطا.

اكتئاب
فجأةً في العاصفةِ ضوءٌ يُرى، ثلجٌ
يتهافتُ من كلِّ الجِّهاتِ، كنُدفِ
وسَنٍ, وأنا نفسي
في طريقي إلى مخزنِ المُؤنة المعتمِ,
منتصفَ الطريقِ، على مقربةٍ من كلبٍ أسود.
2
نورٌ ينهمرُ على شجرٍ.
شخصٌ عرفتهُ وأحببتُه.
حينما يتناهى إلى مسامعنا تاريخَ زفافهِ
وسنينَ تنقلاتِهِ
ينـزلقُ منَ النَعشِ إلى الأسفلِ
إكليلٌ لامعٌ من الغارِ وإبرٌ معتمةٌ من الصنوبرِ.
3
كاتدرائية:
أرى أناساً ساغبين، واهنين
رؤوسُهم متدلّيةٌ
على ركبِهم. لكنَّ الأجراسَ تُقرعُ على أيّةِ حالٍ
متأرجحةً، مرسلةً عبرَ الحقولِ المزروعة
خضرةً وأمواجَ صوتٍ بأوراقٍ طويلةٍ.
4
ثمّةَ جُرحٌ في الجذعِ
مَوضِع الغُصنِ المُنتزَع،
حيث اندفعت ريحٌ إلى الخارجِ،
تعلو وتَنتفخ،
تعصفُ على كلِّ كائنٍ حيٍّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصدر روبرت بلاي (1926) أكثرَ من أربعين مجموعةً شعريةً أشهرها مجموعتهُ المبكرة (الصمتُ في الحقولِ الثلجية – 1962) ، (مجدُ الصباح – 1969) ، (هذهِ الشجرةُ ستمكثُ هنا ألفَ عام – 1979) (يؤوب الرجل ذو المعطفِ الأسود – 1981) ، (عشق النساءِ في عالمين – 1985). كتبَ بسوية عالية في النقدِ والفلسفةِ والسياسة وترجمَ العديدَ من الأعمال الشعرية الأمريكية الجنوبية والأوربية. بعد رحلة الى بلاد ذويه، النرويج، اكتشف عدداً من الشعراء الذين لم يكونوا معروفين في الولايات المتحدة، وخصوصاً لشعراء السويد مثل الشاعر غونار إيكيلوف ، وهاري مارتينسون وتوماس ترانس ترومر لذي تربطهُ به صَداقةٌ حميمةٌ ويعرف عنه الاهتمام بـ «الشرق» ذي الصبغة الصوفية. كشفت له رحلته النرويجية، للغرابة، عالم «الشرق» الشعري من خلال أعلام مثل جلال الدين الرومي، وكبير، وحافظ، وترجم بعضها للإنكليزية في مجلة خصصها للشعر المترجم أصدراها في أميركا .
يُعتبر روبرت بلاي من أصفى الغدران الشعرية الأمريكية و أكثرها تلاحماً مع الطبيعة. فقد سعى بلاي من خلال تحديثه للشعر الأمريكي إلى انتشاله من الجفاف الأكاديمي مرتقياً به إلى الصفاء والنضارةٍ، فيه تتصالح مدارس شعرية مختلفة، متناغمةً في تيارٍ أدبي جديد يدمج بين تقنياتٍ أوروبيةٍ ومهاراتٍ أمريكية لاتينية وروحانية مشرقانيّة. كما يعد هذا الشاعر، المتوج بعدد كبير من الجوائز الشعرية والأدبية، أحد رواد قصيدة النثر الاميركية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة