سمية العبيدي
شهقت.. عجباً وجه مَن يتلبّد في مرآتي؟ يستوطنها، يجلس على عرش الماء فيها ويحدّق فيَّ بعينين ماؤهما الغضب وشعاعهما الاستغراب، ورموشهما خناجر مشهرة في سوق النزال .
وجه حفرت فيه السنون بمعاولها الزرقاء أخاديداً وحفرا غميقة وأغدقت عليه الليالي من ذوائبها مسحة داكنة تحت العينين الكالحتين المتعبتين، اللتين هربتا من عنف الأحداث الى بئري المحجرين تختبئان فيهما .
أهو وجه قريبة لها كانت تزورهم آونة الحصاد؟، أم وجه جدة من جداتها اللواتي قبعن في بيوتهن حتى وافاهن الأمل أقصد الأجل؟.
لا تدري ولكنها في الحق تتعرّف على بعض معالم هذا الوجه . هو ليس نكرة تامة، بل هو نكرة موصوفة، الغريب انها لا تستطيع الآن أن تعثرَ على الصفحة التي قرأتها فيها، فضلا ً عن السطر، ناهيك عن الزمان والمكان . رفعت رأسها لتمسح بمنديلها الورقيّ وجه المرآة التي ظنت لوهلة انها تضللها بهذا الوجه أو تداعبها أو ربما تسخر منها، لم يتغيّر شيء فالوجه هو هو، لم يهرب ولم يتغيرولم يغض . ألعله وجهها هي؟!. ذاك الذي بدا لها في عمق المرآة ؟ .
أمالت رأسها قليلا ًالى الوراء فبدا لها عنق بخطوط عرض لا طول انحسر عنها الثوب ذو الياقة الفضفاضة شيئا ما، فنظرت الى ثوبها … نعم نفس اللون ونفس القماش، لكن من فيه ليست هي … بدليل ذلك الوجه الغريب الذي يقبع فوق الياقة الفضفاضة . قدّرت فرق عمر المرأة عن عمرها بمائة عام من العزلة . رفعت عينيها الى الشعر الأشيب المنسرح يؤطر الوجه الغريب كشبه جزيرة ضائعة في بحر لجيّ كان يُدعى بحر الظلمات، هذا الشعر ايضاً لا ينتمي لها فهي جعدة نوعاً ما وفي شعرها تموج طبيعي لطيف تفتقده هنا في عمق هذه المرآة المخادعة .
من ألبَّ مرآتها عليها؟؟
من شققَّ وجهها هكذا؟؟
من فرد شعرها المتموّج؟؟
ألف من انطلقت من رأسها بلا صوت .. رحل الشباب … نعم هي تعلم ان شبابها رحل … أترحل معه الملامح والسمات التي وُلد بها الجسد؟!
أنفت من شكلها المرسوم في مرآتها لا لأنها تظنه قبيحاً وهي أجمل من ذلك . بل لأنها لم تألف هذا الشكل فهو غريب غريب عنها تماما ً، أو ربّما تعرفت عليه في زمن غابر بطريقة غامضة مرتجلة في لا وعيها . فكأنما خُلع عنها وجهها الذي تعرفه كما تُخلع الملابس ثمَّ كُسيت ثوبا آخرمستعاراً اُلقي على جسدها ووجهها، ربّما اُستلف من سابع جارة في حيّهم المترامي الشاسع، أو استورد من بلد بعيد . شعرت انها لابدَّ أن تشكوَ أمر هذا الوجه الذي اِغتصب مرآتها، وتموضع فيها . لكنها لم تعرف الى من تتوجه بشكواها مدعية ان احداً ما سرق وجهها في وضح النهار، أو ربما ان وجهها فقد منها في زحام افترعته، لعلها تؤجر صبيا يجوب شوارع البلدة التي تقطن باحثاً عن وجهها ومنادياً بمكافأة مجزية لمن يجده .أو ربّما تقدم شكوى الى احدى الدوائرالمختصة ليبحثوا عن وجهها بمعرفتهم . وان سألوها عند التحقيق معها أتتهم أحدا أو تشك بأحد؟؟ ستقول :
أظنّه الزمن .