سلام مكي
لكون الاقتصاد العراقي قائم على النفط كمصدر أساس وشبه وحيد لتمويل الموازنة العامة للدولة، كان لابد من إيجاد اطار قانوني لأهم مؤسسة تشرف على إدارة واستخراج هذه الثروة المهمة، فكان ان اصدر مجلس النواب مؤخرا قانون شركة النفط الوطنية العراقية، ليحل بديلا عن قانون تأسيس شركة النفط الوطنية الذي شرع في ستينيات القرن الماضي. وبرغم ان عدم إقرار قانون النفط والغاز لحد الآن، يمثل ثغرة كبيرة في إدارة الثروة النفطية بشكل سليم، الا ان المشرع، حاول بهذا القانون، ان ينظم عملية استخراج واستكشاف وتسويق الموارد النفطية. لاشك ان هذا القانون لا يمكنه تجاوز النص الدستوري الذي عد ان النفط والغاز ملك للشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات، وان المادة112 منحت الحكومات المحلية حق إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية بالاشتراك مع الحكومة الاتحادية، من دون ان تتطرق الى مصير النفط والغاز في الحقول غير الحالية، أي التي يتم استكشافها بعد نفاذ الدستور. وهذه مشكلة كبيرا بحد ذاتها، حتى لو نص عليها القانون نفسه، لما اعتبرت غير دستورية، لكن يمكن للمشرع تلافيها في هذا القانون بالنص على النفط المستخرج من الحقول التي سيتم استكشافها فيما بعد لكن للأسف لم يشر هذا القانون الى هذه المسألة. وبرغم ان المادة 4 نصت على ان من اهدف الشركة إدارة وتطوير الحقول المنتجة والمكتشفة وغير المطورة، ان الآلية التي يتم بموجبها إدارة تلك الحقول أي غير المطورة والمكتشفة ليست واضحة ولم يشر القانون اليها صراحة، وهو ما يساعد على عدم إيجاد حل لهذه المشكلة، ومعنى بقاء هذه المشكلة السماح للحكومات المحلية بأن تتولى إدارة تلك الحقول بعيدا عن الحكومة الاتحادية.
أرباح الشركة
نصت المادة 13 ثالثا على أرباح الشركة وكيفية توزيعها، حيث بينت ان هناك نسبة لا تتجاوز 90% تذهب الى خزينة الدولة. حيث ان النسبة لا تتجاوز ال90% لكن لم يتم تحديد الحد الأدنى. فكان يفترض ان يحدد النسبة التي لا يجوز ان تقل عنها تلك النسبة، حتى لا يترك الأمر للجانب الإداري الذي له الصلاحية في تحديد ما يشاء من النسبة التي تقل عن ال90%. نصت الفقرة ب من المادة ذاتها على توزيع نسبة من الأرباح على اسهم متساوية القيمة للمواطنين العراقيين المقيمين داخل العراق. اما الفقرة ج، فحرمت مواطني المحافظات المنتجة للنفط والتي تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز المنتج الى الشركة وتضاف تلك الاستحقاقات الي بقية الأسهم. وهذا النص مخالف للدستور وللقانون أيضا، حيث ان امتناع الحكومات المحلية هو قرار اداري تتحمله تلك الحكومات ولا يتحمله المواطن. فحبس الأرباح عن المواطنين يعد عقابا عن فعل لم يرتكبوه، في حين ان الجهة التي قامت بالفعل، لم ينص القانون على أي عقاب له. اذ كان الأولى بالمشرع، ان يضع عقوبات مالية وجزائية بحق الجهات التي تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز الى الشركة. وحتى عبارة: عائدات النفط والغاز، هي أيضا إشكالية، حيث انها تعني ان من حق تلك الحكومات ان تبيع النفط والغاز، بصورة منفردة ولكن عليها ان تقوم بتسليم عوائد تلك المبيعات الى الشركة لتتولى هي توزيعها وفقا للقانون.
امتيازات الشركة
منح هذا القانون امتيازات للشركة وللعاملين فيها، حيث نصت المادة 18 على ان للشركة تملك العقارات والأراضي بدون بدل للقيام بأغراضها، أي انها غير ملزمة بأن تدفع بدلات عن العقارات التي تتملكها، بشرط ان تكون تلك العقارات مملوكة للدولة بشكل كامل، وليس عليها حقوق للغير. حيث ان الأموال الخاصة لا يمكن تملكها من دون تعويض مناسب. كما منح القانون موظفي الشركة الحوافز المالية استثناءً من قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام. والمادة19 سمحت للشركة بأن تتملك العقارات على وفق نظام خاص تضعها هي لغرض توزيع الأراضي على موظفيها. وهي محاولة من المشرع لتمكين الشركة من تقديم جميع التسهيلات المطلوبة للقيام بأعمالها، وتوفير رواتب وحوافز مالية للموظفين، تتناسب مع طبيعة الشركة وعملها.
الهيكل التنظيمي للشركة
نصت المادة6 من القانون على تشكيل مجلس الإدارة الذي يتكون من:
أولا: رئيس الشركة رئيسا.ً
ثانياً : نائب الرئيس الأول المدير التنفيذي للشركة ونائبا للرئيس.
ثالثا: نائب الرئيس الثاني نائبا للرئيس.
رابعا: وكيل وزارة النفط لشؤون الاستخراج عضوا.
خامسا: وكيل وزارة الثروات الطبيعية بالإقليم عضوا.
سادسا: رؤساء مجالس إدارات الشركات المملوكة 3 أعضاء.
سابعا: ثلاثة خبراء متخصصين أعضاء.
المـادة -7- أولاً :- يرأس الشركة موظف بدرجة خاصة حاصل على شهادة جامعية أولية في الأقل من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال عمله وله نائب بدرجة مدير عام حاصل على شهادة جامعية أولية في الأقل من ذوي الخبرة والاختصاص. نلاحظ ان القانون لم يضع الآلية التي يتم من خلالها اختيار رئيس الشركة، ولا حتى بقية الأعضاء، عدا النائب الأول والثاني، يكون عن طريق ترشيح من الرئيس وموافقة مجلس الوزراء. هذا القانون، رغم أهميته الا انه لم يتضمن حلولا واقعية لجميع الجوانب التي تخص قطاع النفط، فمثلا نلاحظ ان الصناعة النفطية ليست متطورة، وان الإنتاج الحالي من النفط ليس الإنتاج المقرر في الأوبك، بسبب عدم قدرة البلد على انتاج كامل حصته بسبب عدم وجود منشآت نفطية متطورة، اما بخصوص انتاج الغاز المصاحب للنفط، فهو أيضا ليس بالمستوى المطلوب، حيث ان الغاز ثروة كبيرة، لم يحسن العراق استغلالها مما تسبب له بخسائر كبيرة، نتيجة احتراق الغاز المصاحب للنفط. بمعنى ان هذا القانون لم يضع جدولا زمنيا للشركة كي تطور الصناعة النفطية ولم يلزمها بمسايرة التطور الحاصل في هذه الصناعة، كما انه لم يشر الى مصير بقية المعادن، كالنحاس والفوسفات وغيرها، خصوصا وان البلد غني بتلك الثروات. ان هذه الشركة يمتد عملها الى جميع انحاء العراق، بما فيه كردستان، ومن المعروف ان المنشآت النفطية هناك، ليست خاضعة بالكامل الى الحكومة المركزية، حتى ان هنالك قضية مرفوعة امام المحكمة الاتحادية ضد وزير الثروات الطبيعية في الإقليم، بسبب قيامه بتصدير النفط الى الخارج من دون إيداع العوائد في الخزينة العامة للدولة. ومن المتوقع استمرار هذا الأمر حتى بعد العمل بقانون شركة النفط الوطنية العراقية. مادام القانون لم يضع الآليات المناسبة التي يمكنه من بسط نفوذه على حقول كردستان، من خلال وضع العقوبات المالية في الأقل على الإقليم والمسؤولين الذين يمتنعون عن تطبيق هذا القانون. ان تطبيق أي قانون، كفيل بأن يكشف ثغراته ومكامن الخلل فيه، لذا، علينا ان ننتظر المباشرة بالقانون من خلال ولادة شركة النفط العراقية ومباشرتها لعملها بغيه تشخيصه تشخيصا دقيقا، بما يسهم في محاولة ردم تلك الثغرات وصولا الى قانون متكامل يسهم بتحقيق الغاية التي شرع من اجلها.