د. أسعد كاظم شبيب*
حدث آخر تثيره الولايات المتحدة الأميركية من ضمن الأحداث العديدة والمتسارعة على الساحة السورية بعد الهجوم الثلاثي (الأميركي، البريطاني، والفرنسي)، والضربات الإسرائيلية المتكررة على منشآت سورية، والتواجد التركي في عفرين، لتعود مسألة إرسال قوات عربية بدعم من الولايات المتحدة من جديد، فقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها مفاده: «إن واشنطن تسعى لتشكيل قوة عسكرية عربية لتحل محل القوات الأميركية في سوريا»، الخبر الذي لم ينفيه الجانب الأميركي سواء البنتاغون أم نائب وزير الدفاع الأميركي، في الوقت ذاته أشارت الرؤية الرسمية الأميركية من أن غاية الولايات المتحدة من إشراك الحلفاء العرب في سوريا يأتي لتأمين مناطق شمال شرق سوريا بعد دحر تنظيم داعش منها. وبالتأكيد فأن كلمة إشراك تنطوي على أكثر من دلالة منها من يتعلق بإرسال قوات عربية فعلية من الدول المعادية لإيران والنظام السوري وبإشراف مباشر من إدارة الرئيس دونالد ترامب، وقد يكون هذا التواجد العربي خطوة أساسية تحسبا لأي إنسحاب أميركي، ولا أضن اميركا تخطو هكذا خطوة إذا قررت إرسال قوات عربية إلى سوريا؛ لأنها تدرك خطورة ترك هذه القوات في ساحة ملتهبة مثل سوريا. كما أن البعد الآخر من وجود قوات عسكرية من عدد من الدول العربية في سوريا قد لا يكون هدف بحد ذاته وإنما هو وسيلة لتحصيل مزيد من الأموال من الدول العربية الغنية بالنفط كالسعودية والإمارات لسد نفقات التواجد الاميركي في سوريا، وإيجاد المزيد من الوظائف في الولايات المتحدة. هذا التهديد بإرسال قوات عربية إلى سوريا يرفضه النظام السوري جملة وتفصيلاً، إذ قالت المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان، في لقاء تلفزيوني: «إن التسريبات الإعلامية عن أن ترامب دعا لاستبدال القوات الاميركية هناك بتحالف عربي أمر غاية في الغرابة»، مضيفةً: «في حال صحة التسريبات فإنه أمر غريب جداً أن تقوم دولة إحتلال غير شرعي بتوجيه دعوات لأطراف أخرى كي تأتي وتحتل البلد أيضا»، مؤكدةً «إن هذا الأمر سيكون سابقة في العلاقات الدولية». وكما يعتقد بعض المراقبين بأن هناك أهداف غير معلنة من دعوة الولايات المتحدة لحلفائها العرب من إرسال جيوشها العسكرية إلى شمال شرق سوريا تتمثل هذه الأهداف بالتالي:
1 – هدف سياسي أكثر منه عسكري
يتضح الهدف السياسي من الدعوة للدول العربية في هذا التوقيت لإرسال قوات عسكرية إلى شمال شرق سوريا بعد أن تحررت أغلب مناطق ما يعرف منطقة حوض الفرات من المجموعات الإرهابية، والتي تضم مدينة الرقة معقل تنظيم داعش السابق، والحسكه، والقامشلي، ومنطقة آلبو كمال، ودير الزور الواقعة بالقرب من الحدود العراقية.
2 – قطع خط الامتداد الاستراتيجي
تريد من خلاله الولايات المتحدة وبدعم كبير من دول السعودية، والإمارات، والبحرين، عزل سوريا عن العراق، وقطع خط الوصل للجانب الإيراني، إذ أن منطقة شمال شرق سوريا ترتبط مباشرة مع الحدود العراقية من الجهة الشرقية، وتمثل خط استراتيجي يمتد من إيران عبر العراق إلى سوريا ومن ثم لبنان حيث بات يعرف بمحور الممانعة والمقاومة ضد إسرائيل الجار المباشر لسوريا ولبنان.
3 – توازن قوى إقليمي جديد
ينظر حلفاء الولايات المتحدة من العرب والإسرائيليين إلى أن هناك دول حليفة للنظام السوري تصنفها الدول المذكورة بالمعادية في إشارة إلى إيران وحزب الله تسيطر على سوريا، فإرسال قوات عربية إلى مناطق شمال شرق سوريا هو بمثابة توازن للقوى الإقليمية في سوريا وبدعم مباشر من الولايات المتحدة في قبالة مناطق أخرى من سوريا يسيطر عليها الروس، وإيران وحلفائها من جانب، وتركيا من جانب آخر.
وفي ضوء نوع الصراع وطبيعة العلاقة ما بين الدول الإقليمية في الشرق الأوسط تتباين مواقف الدول العربية المنظوية بـ(التحالف العربي الإسلامي – السني بقيادة السعودية) من رغبة الإدارة الاميركية في واشنطن بإرسال قوات عسكرية إلى شمال شرق سوريا، ففي الوقت الذي نشر فيه الخبر رفضت روسيا وإيران إرسال أي قوات عربية معادية للنظام السوري تحت أي ذريعة كانت، ولاحظنا بعد يوم واحد من إعلان رغبة الولايات المتحدة إرسال قوات عسكرية زار وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي بغداد لتنسيق الجهود الأمنية ما بين الدولتين، وفي الجانب الثاني من القوى المنظوية مع المحور الاميركي هناك تحمس كبير من بعض الدول لإرسال قواتها إلى سوريا، إذ بعد ساعات قليلة من نشر صحيفة وول ستريت جورنال الخبر رحبت المملكة العربية السعودية وعلى لسان وزير خارجيتها عادل الجبير قائلا: «نجري نقاشا مع الولايات المتحدة بشأن إرسال قوات إلى سورية»، موضحا «نفعل هذا منذ بداية الأزمة السورية» في إشارة إلى تقديم مقترح إرسال قوات عربية إلى سوريا في عهد الرئيس الاميركي السابق اوباما لكنه رفض الاقتراح بالمرة. ويعتقد أن الإمارات والبحرين ترغبان أيضا في المشاركة مع السعودية في سوريا كونهما يجتمعان في تحالف عسكري (التحالف العربي السني) في اليمن، أما الدول الأخرى التي من المفترض أن تشارك فيها فهي السعودية ومصر والسودان والمغرب والأردن. فيما يخص مصر، فموقفها من النظام السوري قد يحول دون موافقتها على هكذا إقتراح، وكذلك تجربتها التاريخية بإرسال قوات خارج الحدود سجلت بفشلها الذريع في اليمن، لكن قد يكون لها دور لوجستي وتقديم المشورة وتدريب المقاتلين، أما السودان فقد يكون لها موقف مغاير عن ذلك الذي إتخذته في مشاركة السعودية في اليمن وهذا متوقف على الموقف التركي من إرسال قوات عربية كون العلاقة التركية ــ السودانية تمر بمستويات متقدمة، ويبدو أن تركيا ضد إرسال قوات عربية إلى سوريا، على الرغم من تحالفها مع الولايات المتحدة لكن لدورها الإقليمي لا ترغب بأن يكون للأنظمة العربية التقليدية دور مباشر في سوريا خاصة تلك التي تعادي دولة قطر، وجماعة الإخوان المسلمين، كالإمارات، والسعودية، ومصر، في حين أن المغرب لم يعلن عن أي موقف فيما يخص مشاركتها في قوات عسكرية في سوريا، أما الأردن فهي وأن كانت ناشطة مخابراتياً، وتستضيف معسكرات لتدريب المعارضة السورية لكنها لم تتخذ موقف بعد، وأتسم موقف العراق المنتصر على تنظيم داعش قريبا بالرفض، إذ قال مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض في حديث لقناة الميادين: «موقف بغداد الرسمي سيكون ضد إرسال قوات عربية إلى سوريا»، معربا عن إعتقاده بأن «هذه الدول لا تملك قدرات لإرسال قوات إلى الساحة السورية الملتهبة»، ولفت الفياض إلى أن «التوجه للقتال في سوريا ليس نزهة وهناك دول أنفقت أموالا طائلة في الصراع على الساحة السورية»، واصفا الهجوم الصاروخي على سوريا بأنه «محدود وأقرب إلى مهمة يجب القيام بها».
عموماً، مهما كانت الدواعي التي يقدمها المؤيدون أو الرافضون تبقى هناك تساؤلات جوهرية منها السياسي والعسكري، فما دام النظام السوري وحلفائه يرفضون أي وجود لأي قوة عربية في سوريا مناهضة للنظام، فأنه سيتعامل مع هذه القوات على أنها «قوات إحتلال» وبالتالي إحتمال الصدام العسكري وارد جدا، وهناك تساؤل قانوني، على أي أساس ستذهب هذه القوات العربية؟، إذ سوف تعارض روسيا، والصين أي قرار اميركي يصدر من مجلس الأمن الدولي بإرسال قوات عسكرية إلى سوريا.
* مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية / 2001 – 2018