جيمس جيفري
و مايكل نايتس**
في 12 آيار/ مايو، يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء البرلمان القادم، وبعد ذلك سيتفاوض المسؤولون على اختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة وقد شهدت البلاد رحلةً طويلة وشاقة منذ الانتخابات العامة الأخيرة في نيسان/ أبريل 2014 فقد استولى تنظيم «الدولة الإسلامية» على أراضٍ شاسعة تضمّ أكثر من ثلاثة ملايين شخص، واثنين وعشرين مدينة، والعديد من حقول النفط، وقد تمّ تحريرها جميعاً بمساعدة الميليشيات والقوّات العسكرية الدولية وقد انخفضت أسعار النفط بمقدار النصف، ولم يتم إنقاذ البلاد من الإفلاس سوى عن طريق اتخاذ إجراءات تقشف صارمة والحصول على مساعدات أجنبية وتعافي أسعار النفط جزئياً. كما اقتربت «حكومة إقليم كردستان» في الشمال من الاستقلال المالي وأجرت استفتاءً للانفصال عن العراق، مما دفع ببغداد إلى الاستيلاء على حقول النفط في كركوك في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. ومن ناحية أخرى، أبدت السعودية والإمارات وتركيا استعداداً جديداً للعمل مع الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة كوسيلة لموازنة النفوذ الإيراني.
وباختصار، عانى الناخبون العراقيون من صدمات كبيرة، وينضم إليهم حالياً ناخبون شباب لا يتذكرون حتى حقبة صدّام. وقد يتمتع هؤلاء الناخبون بأفكار حول مستقبل العراق أقوى من المرشحين أنفسهم.
وبرغم أن الحملات الانتخابية بدأت رسمياً خلال نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن معالم الانتخابات تتبلور بالفعل فقد حقق رئيس الوزراء حيدر العبادي أكثر مما توقّعه أي مراقب منطقي نظراً إلى الوضع المروع الذي ورثه في عام 2014، ويمكنه الإشارة إلى التعافي الاقتصادي والعسكري الضعيف كسبب كافٍ لانتخابه لولاية أخرى وإذ أنه يتوخى الحذر من المبالغة في المطالب من الناخبين، يبدو أنه تخلى في الوقت الحاضر عن خططه المهمة بل المؤلمة للإصلاح الاقتصادي. ومع ذلك، فما يزال يشير إلى إمكانيات جديدة للعراق.
وعلى وجه الخصوص، دعا العبادي إلى جعل البلاد أرضية محايدة في الصدام المتنامي الذي تشهده المنطقة بين المعسكرين المؤيد لإيران والمعارض لها. وبتشجيع من الجهات الفاعلة الدولية، أشار إلى أنه يريد أن يمثل جميع العراقيين، وليس العرب الشيعة فحسب وبالفعل، فإن قائمته الانتخابية هي الوحيدة التي تتنافس في كل محافظة، بما فيها «إقليم كردستان». وإذا تمكنت بغداد من تحقيق هذه الرؤية المتمثلة بدولة مستقلة ومستقرة تعيش في سلام مع مواطنيها، فستتماشى على وجه التحديد مع المصالح الاميركية.
المصلحة الأميركية في السيادة العراقية
في عام 2005، ساعدت الولايات المتحدة العراقيين على صياغة دستور جديد والمصادقة عليه لكي ينهض العراق من جديد. وفي عام 2009، أرسى الرئيس باراك أوباما أسس انسحاب القوّات الأميركية من خلال رسم معالم رؤية «عراق يتمتع بالسيادة والاستقرار والاعتماد على الذات». ثم تعهد «ببناء شراكة مع شعب العراق وحكومته تسهم في إرساء السلام والأمن في المنطقة».
وعلى النقيض من أهداف إيران التوسعية، يُعدّ هدف الولايات المتحدة في العراق دفاعياً، إذ يتمثل في منع الهيمنة الإيرانية ومنح بغداد مساحة كافية لاستعادة قوتها. وقد أخبر قادة عراقيون- حتى كبار السياسيين الشيعة – كاتِبَيْ هذه السطور أنهم يقدّرون الانخراط الأميركي المستمر لأنه يمنحهم القوة لموازنة النفوذ الإيراني. وهم يدركون جيداً أن توازن القوى هذا سيصبح مشوهاً بنحو كارثي إذا تنحت واشنطن جانباً.
لدى العراقيين الكثير من الأسباب الخاصة بهم للتصدي للنفوذ الإيراني. فبعد صراع دام خمسة عقود، لا يرغبون في أن يتمّ جرّهم إلى حروب طهران كما كان حال لبنان فالروابط الإيرانية قد تقيّد علاقاتهم مع السعودية ودول مجاورة أخرى، مما يحرمهم من استثمارات وشراكات تجارية مهمة كما أن إيران هي المنافس الطبيعي لهم في مجالات النفط والغاز والكهرباء وصادرات البتروكيماويات، وتثير هيمنة الواردات الإيرانية استياءَ في صفوف المزارعين والصناعيين والتجار العراقيين. وأخيراً وليس آخراً، تُعد الجمهورية الإسلامية منافساً دينياً للمعاهد الشيعية الكبرى ومواقع الحج في النجف وكربلاء، حيث قد تسعى إيران إلى زيادة نفوذها بعد وفاة آية الله علي السيستاني. وبالتالي، فإن المصالح الاستراتيجية العراقية (والأميركية) ستتحقق بنحو أفضل إذا كان وضع البلاد مماثلاً لوضع فنلندا خلال الحرب الباردة، مع الحفاظ على درجة من الاستقلالية عن طهران وكذلك عن واشنطن.
دور الولايات المتحدة خلال الانتخابات وبعدها
ليس من شأن أي دولة أجنبية أن تحاول اختيار الفائز في الانتخابات العراقية، وأن أي تدخّل مباشر في عملية بناء الائتلاف التالي قد يؤدي إلى نتائج عكسية وعوضاً عن ذلك، تتمثل المقاربة الفضلى بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في تحديد قيمة العرض بوضوح إذا قرر السياسيون العراقيون اعتماد حكومة شاملة، وسياسات أمنية ذكية، وإصلاحات اقتصادية، وحيادية في المسائل الإقليمية. إنها القضايا ذاتها التي دعمها العراقيون أنفسهم بأغلبية ساحقة في استطلاعات رأي محترمة ويجب أن يكون العرض الذي رسمته واشنطن- ومن الناحية المثالية، شركاؤها الآخرون في التحالف أيضاً – صفقةً متكاملة من الدعم الأمني وغير الأمني، ويتوقف ذلك على [قيام] حكومة عراقية صديقة ترغب في معالجة هذه القضايا.
وأحد العناصر المهمة في هذا العرض هو توافر تدريب عسكري أميركي على مدى السنوات القليلة المقبلة، لأغراض أمنية لمنع بروز تنظيم «الدولة الإسلامية» مجدداً وكرمز سياسي على حد سواء. وحتى في ظل البهجة القومية بعد «هزيمة» التنظيم، يدرك جزء كبير من الجسم السياسي العراقي مدى أهمية التعاون الأمني الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وقد تزامن انسحاب الجنود الاميركيين عام 2011 مع إعادة نمو تنظيم «الدولة الإسلامية»، في وقت شاركت فيه القوات التي تقودها الولايات المتحدة في جميع الانتصارات التي حققها العراق منذ عام 2014. وليس هناك خطوة واحدة من شأنها أن تؤكد علاقة بغداد مع واشنطن وانفتاحها على الدول العربية المجاورة وتركيا أكثر من السماح لقوات التحالف بالبقاء [في العراق].
ولا ينبغي النظر إلى الوجود العسكري المستمر على أنه واجب أو حق أميركي، بل كترتيب يعود بالفائدة على الطرفين ويسترشد بالمبادئ البسيطة نفسها التي رسمت أطر »عملية الحل المتأصل«، وبنحو خاص:
*ضمان تنفيذ العمليات القتالية «من قِبل ومع ومن خلال» قوات الأمن العراقية.
*تجنب أي قواعد أميركية غير مصرّحة أو أي عمليات أحادية الجانب.
*إقامة تحالف مع مجموعة كبيرة من الشركاء الدوليين قدر المستطاع.
*إبقاء حجم المهمة وأنشطتها قابلة للتكيّف وفقاً لمتطلبات العراق.
قبول واقع أن السلطات القانونية العراقية القائمة كافية لضمان التواجد العسكري.
إضافة إلى ذلك، يتعين على واشنطن ربط التعاون الأمني بنحو سري بتنفيذ أوسع لـ»اتفاقية الإطار الاستراتيجي» لعام 2008، التي تتخطى العلاقات العسكرية وتشكّل أساس التعاون في مجالات الاقتصاد والسياسة والطاقة. على المسؤولين الاميركيين تذكير بغداد بفوائد مصادقة اميركا، بما فيها: المساعدة في الحصول على دعم «صندوق النقد الدولي» و»البنك الدولي» وحشد مجتمع المانحين الدولي، كما حصل في شباط/فبراير من هذا العام عندما استضافت الكويت «المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق»، إضافة إلى الدعم الدبلوماسي في الانخراط مع دول مثل السعودية، والدعم الفني والمساعدة في إدارة البرامج الخاصة بمشاريع البنية التحتية والاقتصادية المهمة، لاسيما إعادة تأهيل سد الموصل، ومجموعة من المزايا الخاصة التي تتحقق عندما يستفيد القادة من «المساعي الاميركية الحميدة».
وأخيراً، يتعين على واشنطن التعاون مع تركيا في إطار مقاربة مشتركة إزاء «حكومة إقليم كردستان»، كضمانة بنحو أساسي إذا فشلت جهود الحفاظ على الحياد النسبي في العراق. ومن شأن مثل هذا التعاون في شؤون الدفاع والطاقة والدبلوماسية الخاصة بالأكراد أن يشير إلى وجود خيارات أمام الولايات المتحدة إذا ما حصلت إيران على اليد العليا في بغداد يوماً ما. ولإبقاء هذا الخيار متاحاً، تحتاج واشنطن إلى مواصلة العمل كوسيط عادل بين الحكومة المركزية وأربيل بشأن تقاسم العائدات والمناطق المتنازع عليها والتعاون الأمني. وفيما يتعلق بالمسألة الأخيرة، قد يؤدي استمرار الوجود العسكري للولايات المتحدة والتحالف في العراق و«إقليم كردستان» إلى طمأنة الأكراد بأن لدى واشنطن مصلحة قوية في منع اندلاع أي نزاع في المستقبل بينهم وبين بغداد.
*جيمس جيفري : زميل متميز في زمالة «فيليب سولوندز» في معهد واشنطن وسفير الولايات المتحدة السابق في العراق وتركيا.
*مايكل نايتس : زميل «ليفر» في المعهد، وكان قد عمل في جميع محافظات العراق وقام بتغطية جميع انتخاباتها منذ عام 2005.