جرائم فضائية

لم يمر وقت طويل على إبرام ميثاق شرف بين غالبية الأطراف المهمة المشاركة في الانتخابات المقبلة برعاية ممثل الأمم المتحدة، حتى شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الحملات لتشويه وتسقيط الشخصيات المشاركة فيها، وقد نالت المرشحات من شريحة النساء القسط الأكبر من هذه الحملات، ويبدو أن الجهات التي تقف خلف الحملات الأخيرة، قد تجاوزت كل الخطوط والقيم والمعايير، من دون أن تخشى من عاقبة ما تقترفه من أعمال وممارسات غاية في الدونية والانحطاط. بالنسبة لي شخصياً لا يمكن ان أوجّه عتبي على من خطط وبث وروّج لمثل تلك الأفلام المنحطة، فهذه الأعمال لا يجرؤ على القيام بها إلا من انعدمت لديه كل قيم المروءة والشهامة والشرف، وهم معروفون زمن النظام المباد وبعده، لكن العتب على ذلك الجيش العرمرم من أجهزة الأمن والرقابة والمكلفون بحراسة أمن وكرامة أهل هذا الوطن المنكوب، الذين تحولوا الى “حائط نصيص” بفعل كل هذا الانفلات والتهاون والتواطؤ في أداء ما أوكل اليهم من مسؤوليات وواجبات. لقد أشرنا مراراً وتكراراً الى حاجتنا الماسة لكوادر وملاكات لا تتقن استعمال الأسلحة وحسب بل تمتلك وعياً حضارياً ومعرفياً بحاجات ومتطلبات مرحلة التحول صوب الديمقراطية وأهمية بناء مؤسساتها الحديثة، بعيداً عن سطوة الكيانات التقليدية والمتخلفة، وهذا ما لم يحصل بعد، لذلك ستمر مثل هذه الأحداث والأعمال الممنهجة لسحق وهتك سمعة العراقيين (أفراداً وجماعات) من دون رادع جدي لها.
إن استمرار مثل هذه المناخات والأوضاع التي تتيح لمرتكبي شتى أنواع الجرائم بحق العراقيين، بالبقاء لا خارج القضبان وحسب بل غير القليل منهم على سنام مواقع رسمية وشعبية مرموقة، يعني أننا مقبلون على صنوف أبشع وأقبح من الانتهاكات والجرائم. لقد تم التعاطي مع ملف الإجرام والانحطاط والمسخ الممنهج بشكل بعيد عن المسؤولية الوطنية والحضارية، لا سيما عندما حولت بعض الكتل والجماعات المحظوظة بعد “الفتح الديمقراطي المبين” ذلك الملف الى مجرد قضية عقائدية وآيديولوجية وثأرية ضيقة، مضيعة بذلك دروساً وعبراً وقيماً أخلاقية وحضارية لا تقدر بثمن. ومع استمرار مثل تلك التوجهات المثقلة بضيق الأفق العقائدي والانتهازية السياسية، سيستمر خلط الأوراق واللبس والغموض وما يرافقه من أجواء مشجعة لمزيد من الاستهتار والجرأة على انتهاك تفصيلات حياة الناس أنّى ومتى شاءوا. البعض من أعضاء مجلس النوّاب الحالي اتهم دول إقليمية بوقوفها خلف مثل تلك الأفلام المفبركة للنيل من “الشرف العراقي” على حد قول أحدهم، وهي تهم ينبغي على الأجهزة المعنية متابعتها وتقصي مدى صحتها، لا أن تلتحق مثل تلك الجرائم والانتهاكات الى سابقاتها من الأرشيف الضخم في هذا المجال المسكوت عنه. إننا على أبواب انتخاب أعضاء جدد لأعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلد (مجلس النوّاب) والذي ستنبثق عنه بقية السلطات والتوجهات التي سترسم ملامح مرحلة يفترض أنها مكرسة لـ (الإعمار وإعادة البناء) إلا أن الوقائع على الأرض تشير الى غير ذلك، وكل الحديث عن مواجهة قوى الجريمة والفساد ما زال في أفضل أحواله متعثراً ومتردداً وخجولاً، وفي أغلب أحواله خاضعاً للحسابات والمصالح الضيقة والعابرة للجماعات والكتل المتنفذة وغيلانها، لذلك ستبقى الانتهاكات والجرائم في هذا الوطن المنحوس؛ من تخصص الشياطين والأشباح من شتى الأحجام والوظائف والأشكال…!
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة