سمير خليل
بحكم عراقته، يعتز بلدنا بارثه الحضاري، لذلك يعد التراث من الثوابت التي قامت عليها ثقافات وعادات الشعب العراقي.
يمتلك تراثنا الشعبي عناوين عديدة لعل من ابرزها المقاهي الشعبية التي انتشرت في جميع المدن والقصبات، ولان العاصمة الحبيبة بغداد، قلب ورئة العراق، فلابد ان تمتلك الصورة الامثل للحضارة والتراث والفلكلور.
عند استعراض المقاهي البغدادية، فإن الحديث يطول ويتمدد بسبب اعدادها، والدور الذي لعبته في الحياة الاجتماعية البغدادية، فإضافة لكونها محطات للراحة، ولقاء الأصدقاء، وقضاء اوقات السمر، فإنها شكلت منتديات ثقافية وسياسية واجتماعية، وليس ادل من ذلك انها كانت مجلسا للسياسيين والاعيان والمفكرين والادباء والفنانين والرياضيين والتجار الذين كانوا من اكثر مرتادي المقاهي وزبائنها.
وبحسب باحثين ومتابعين لهذا الشأن مثل (شبكة اخبار العراق) فإن هذه المقاهي شكلت علامة مميزة في الحياة البغدادية، بداية من اول مقهى افتتح في بغداد منتصف القرن السادس عشر وسمي بمقهى (خان جغان) وكان مكانها قرب المدرسة المستنصرية في جانب الرصافة.
ان رحلتنا تبدأ من بدايات العقد الاربعيني من القرن الماضي، حين اخذت المقاهي بالانتشار والازدهار وتميزت بالتصميم والهوية التراثية البغدادية العريقة، واسهمت في المتغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدت تاريخ العراق.
هذه المقاهي كانت تفتح من صلاة الفجر، وتغلق في ساعة متأخرة من الليل، ومن مفرداتها التي تميزت بها (السماور)، و(الاوجاغ)، و(القوري)، و(الاستكانات)، وكانت تهتم بالنظافة وتضع جميل الاثاث والفرش(السجاد)، وتقدم المشروبات كالشاي والقهوة والحامض والدارسين وشاي الكوجرات والاراكيل، وتحوي العاب الدومينو والطاولي اضافة لدورها الكبير في احياء ليالي السمر خلال شهر رمضان الكريم من خلال اقامة لعبة ( المحيبس) والتي كانت تستمر حتى موعد الامساك فجرا، وتقدم الحلويات ك( الزلابية والبقلاوة).
ومن المقاهي الاخرى في بغداد، مقهى (الخفافين) في سوق الخفافين ومن اشهر مرتاديها قاريء القرآن الكريم عبد الستار الطيار، ويوسف عمر، ومعروف الرصافي، والملا عبود الكرخي، ويوسف العاني.
وضم شارع الرشيد الذي يتوسط مدينة بغداد مقاه مشهورة اولها مقهى (الزهاوي)، والتي كانت تعرف بمقهى أمين، ومن ابرز روادها الباشا نوري السعيد، والشاعر جميل صدقي الزهاوي الذي سميت باسمه، ثم مقهى (حسن عجمي)، والتي تقابل جامع الحيدرخانة، وكانت ايضا من اشهر مقاهي بغداد، ومن روادها الشاعر محمد مهدي الجواهري.
وقرب جامع الحيدرخانة كانت مقهى(عارف آغا)، واتخذها الشاعر معروف الرصافي والاعيان ياسين الهاشمي، وحكمت سليمان، مجلسا لهم، وقريبا منها وفي شارع المتنبي تحديدا تقع مقهى (الشابندر)، رمزا تراثيا، والتي تحولت من مطبعة الى مقهى بداية القرن الماضي، وبسبب موقعها فقد كانت ملتقى الادباء والساسة.
وعودة الى منطقة الميدان ومقهى (سبع) التي كانت تنظم حفلات فنية بمشاركة فنانين وفنانات، اما مقهى (ام كلثوم) في بداية شارع الرشيد فكانت ومازالت الى اليوم تمثل طابعا متميزا بين المقاهي البغدادية، فهذه المقهى تستضيف متذوقي اغاني السيدة ام كلثوم التي تصدح اغانيها في ارجاء المقهى، وتحتل صورها عرض الجدران.
وكذلك مقهى (عزاوي) في الباب المعظم التي كانت عنوانا لأغنية شهيرة (ياكهوتك عزاوي بيها المدلل زعلان) وهي من اشهر مقاهي بغداد وكانت تقدم مسرحيات خيال الظل (القرقوز)، كما كانت مسرحا لاشهر ممثل كوميدي فطري هو جعفر لقلق زادة، وغنت فيها المطربة عفيفة إسكندر.
هناك على جانب الرصافة مقهى(المميز) ويقع قرب جامع العادلية، والتي كانت تقدم برامج لحفلات غنائية واخرى للمقام العراقي، ومقهى البيروتي في جانب الكرخ، والتي هدمت وبنيت مرة أخرى.
ومع تقادم العقود والسنين برزت مقاه اخرى مع تطور الوعي الثقافي وتنامي الافكار مثل مقهى (البرازيلية)، والتي استعاضت عن الشاي بتقديم القهوة البرازيلية، ومقاهي (البرلمان)، و(البلدية)، وكذلك مقهى(المعقدين)، التي افتتحت في ستينيات القرن الماضي، ويرتادها مثقفون ممن يعدون انفسهم من النخبة في الفن والادب. وغيرها العديد من المقاهي التي تميز كل منها بتفضيلة ان صح التعبير وجزئية معينة.
المقاهي البغدادية.. شاهد عراقة وتاريخ وتراث
التعليقات مغلقة