(الحلقة السادسة)
د. قيس العزاوي:
أشكرك اخي نصير على هذه الأفكار الجميلة والعملية جداً وأصبح لدينا في هذه الأمسية أفكار جديرة بالعرض والتعميم على الرأي العام. بالنسبة للصالون الثقافي العربي هناك عدد من الخطط المستقبلية سوف نقوم بمناقشتها تفصيلاً وقد تفضل بعرض بعضها الأستاذ السيد يسين والدكتور مصطفى الفقي والدكتور خالد زيادة والدكتور صلاح فضل والفنان نصير شمة. أفكار جيدة ومهمة ويجب أن نعتني بها وضروري جداً أن نواصل الحديث حولها مرات أخرى في لقاءات أخرى.
د. حسن حنفي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. وأنا أستمع لكثير من الجلسات عن الفكر العربي المعاصر أجد أن الكل قد ذهب إلى الماضي.. أن الكل قد أصبح سلفياً. فالليبرالية التي كانت لدى طه حسين ربما ومن قبله الطهطاوي والإصلاحي محمد عبده والعلمي شبلي شميل لم أر تحليلاً لهذه التيارات الثلاثة في الحاضر وما الذي حدث لها والسبب ولم أر مستقبلاً لهذه التيارات بعد أن عاشت هذه التيارات مدة طويلة (قرنين). فالسلفية يبدو أنها طاغية على الجميع.. الليبرالي سلفي بطريقته والإصلاحي سلفي بطريقته والعلمي العلماني سلفي بطريقته.
ما الفرق بين الذي يميل دائماً إلى طه حسين والذي يميل دائماً إلى ابن تيمية والذي يميل دائماً إلى شبلي شميل وفرح أنطون وهذه ملاحظة بسيطة. لكن اسمحوا لي أن أقول التالي أن أهم القضايا أو الإشكالات في الفكر العربي المعاصر هي ليس الهجوم المستمر على الفكر الإسلامي، فالفكر الإسلامي ليس كله إرهابيا وليس كله محافظا وليس كله يذبح ولكنه فكر متنوع ويجب وضع هذه الظواهر في ظروفها. مثلاً سيد قطب انموذجاً وقد عرفته سنة 1951/1952 بدأ شاعراً ثم تحول إلى ناقد أدبي قدمه مهدي علام في كتاب «مهمة الشاعر في الحياة». ثم استمر في النقد الأدبي عن أصوله ومناهجه وتطبيق ذلك في مشاهد القيامة والتصوير الفني- مدرسة «أمين الخولي».. إلى آخره. وكان على علاقة بالعقاد وكان هو أول من قدم نجيب محفوظ.. لم يكن له شأن بما نسميه «الجماعة» وعندما سجن وعندما عذب كتب «معالم في الطريق». وأنا هنا ألخص ولا أفصل.. وبالتالي هناك ظروف هي التي خلقت هذا التيار فنحن كعلماء نحاول أن نضع كل التيارات في ظروفها الاجتماعية والسياسية، لم أسمع أحدا يقول أن كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» لطه حسين كتب لتبرير معاهدة 1936 وكتب ذلك في المقدمة.
لا أريد من المثقف العربي أن يصدر أحكاماً مزدوجة على المثقف العربي المعاصر.. قضية رئيسية في الفكر العربي المعاصر هي قضية (النص) قال الله- قال رسول الله – قال الرئيس- قال الأب- قال الوزير أن أبدأ بالنص وكأنك لديك مجموعة من المعارف المسبقة تعبر عنها ولا تفكر ماذا تفعل الثقافة إذا كنت تعرف مسبقاً ما تريد أن تبحث عنه، وبالتالي إلى أي حد نستطيع أن نتخلص من حجة القول سواء مباشرة أو غير مباشرة.. إلى أي حد نستطيع أن نفرق بين العلم والمعلومات. كثير منا يتصور أن الفكر هو نقل من فلان وفلان ومن الإنترنت ومن المترجمات ومن أكبر مشروع ترجمة.. إلى آخره ولكن الترجمة هي لنقل المعلومات وليست فكراً – هي وسيلة وأداة تساعد، لكن الفكر هو المستقل بعيداً عن حجة القول وحجة القول ليست برهاناً.
وأخيراً هناك سمة في الفكر العربي هي سمة التبرير. لا نفرق بين التفكير والتبرير.. عندما أسمع خطاباً للمثقف أجد أنه يعبر عن موقف سياسي وأن خطابه تبرير لهذا الموقف تحت غطاء الثقافة، لكن أين الفكر الناقد؟ أين الخطاب الناقد؟ عندما أتكلم في أي موضوع فلا أبرره ولكن أنقده حتى أطوره.
وأخيراً مازلنا تحت همّ الحقيقة الواحدة «الفرقة الناجية» وأنني وحدي أملك الحقيقة وأن غيري خاطئ وهذا يمنع الحوار.. الحقيقة ليست واحدة الحقيقة وجهة نظر وكل منا له وجهة نظر وحواره وحديثه وجهات نظر ولكن لا شعورياً كلنا مازلنا كما نرى في السياسة والاجتماع وفي التربية تحت أثر الفرقة الناجية.
إذن هناك جذر في الثقافة العربية.. هناك داء في الثقافة العربية.. داء مازال مغروساً من القدماء حتى الآن ما يسمى بالأشعرية أو المحافظة الدينية، عندما أتصور العالم رأسياً وليس أفقياً.. عندما أتصور العالم يديره عائلة واحدة.. عندما أرى أن مستقبل هذا البلد سيكون بعد موته.. إذن كيف أستطيع أن أغوص في جذور الثقافة العربية وأنزع هذه المحافظة حتى نستطيع أن نفكر دورنا يجب أن يكون عالماً بما يبحث عنه من قبل.
الأستاذ سمير مرقص:
فكرتي بسيطة وأستمدها من حديث الدكتور مصطفى الفقي وأنه قد آن الآوان لتغيير وتحديد علاقة الثقافة بالسلطة.. وبالتالي المثقف بالسلطة وأعتقد أن جزءا منها يتعلق بتركيبة الدولة المصرية منذ محمد علي، فهي نشأت بشكل فوقي بمعني بناء الدولة الحديثة بدأ من أعلى وصناعة الثقافة والمثقف بدأت من خلال الحاكم من خلال الطهطاوي ومن خلال البعثات وغيره.. قد يكون ذلك مفيداً في وقته لكن أظن ويبدو لي أن بعض التشوهات في بناء الدولة الحديثة استمرت هكذا حتى في ظل الفترة الليبرالية بشكل أو بآخر.. أغلب المثقفين هم أبناء العائلات الكبيرة وهي العائلات التي ملكت أراضي من قبل السلطة الحاكمة.. أريد أن أقول حتى في الفترة الناصرية كانت هناك هندسة ما لوضع المثقفين.. وأذكر في كتاب أحمد سيد أحمد «إنه الموت» كاتب في مطلع الثمانينيات في الحياة الحزبية في مصر كتب قصة ظريفة جداً أن عبد الناصر جاء بالمثقفين عندما تأسست مجلة الطليعة والأحرار جاء بلطفي الخولي وبعدما غادر الشيوعيون السجون في عام 1964 وقال لهم أنتم تلعبون دور «سان بيتر» تبشرون فقط ليس أكثر من التبشير هذا هو دوركم الأساسي. وبالفعل كانت مجلة الطليعة في ذاك الوقت.. أكتب كيفما شئت ولكن تناضل أو تتعامل مع الجماهير لأ .. كانت هناك هندسة فيما أظن خلال هذه الفترة.
وفي الفترة الساداتية وفيما بعدها كلنا يتذكر تعبير السادات عن المثقفين الأفندية حيث عبر عن فكرة فيها خصومة معهم، والسلطة في حالة خصومة بشكل أو بآخر مع المثقفين.
على أية حال أظن في مرحلة لاحقة حاول الدكتور سعد الدين إبراهيم تحقيق فكرة تقليل الفجوة التي تتواجد بين المثقف والسلطة (تجسير الفجوة بين المثقف والسلطة) ولكنها فكرة فشلت أيضاً. نحن نحتاج إلى إعادة النظر في العلاقة بين السلطة والمثقف بشكل يتلاءم مع دور الدولة الحديثة، وقد آن الآوان لتأكيد فكرة أن المثقف شريك وليس متطفلاً وأن أي بناء أو تقدم غير ممكن إلا بوجود المثقف والثقافة بطبيعة الحال.
من دون تحيز مسبق ومن دون تصورات مسبقة فإن الوطن فيه حاجة للمثقف تاريخياً إذا استطعنا تحقيق هذه الفكرة وقد آن الآوان أن نضع الثقافة في إطار مشروع وطني لخدمة الدولة. وأنا بشكل شخصي لمست هذا ورأيت المثقف الذي سقط بالبراشوت في الجهاز المحلي أو الإداري لم أكن أصدقها إلا عندما رأيتها بنفسي من الداخل.. فقد آن الآوان لإعادة الإعتبار لمنظومة الثقافة بالمفهوم الواسع وللمثقف بوصفه شريكا في بناء الوطن وهو ما يفتح أفاقا كبيرة للحديث.