(الشاعر الذي تتحدث اللغة عبره) حوار مع الشاعر اللبناني عباس بيضون

عباس ثائر

ولد في لبنان عام (1945) لعائلة مولعة بالادب والثقافة، تربى بين الكتب والمكتبات صغيرًا، كبر وعيًا فتعاطى أوقاته الموجعة وأحس بآلامها أصدر أولى مجموعاته الشعرية عام (1983) « الوقت بجرعات كبيرة « تلتها مجموعات جعلت من قصيدته انعطافة واضحة عن قصيدة النثر العربية. عباس بيضون شاعر وروائي وصحفي لبناني كان من ابرز شعراء الثمانينيات العرب ، تُرجمت اعماله لعدة لغات: الانكليزية والاسبانية والفرنسية والالمانية والايطالية. حاز كتابه « الموت يأخذ مقاساتنا « على جائزة المتوسط عن فئة الشعر وحاز كتابه «خريف البراءة» جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الرواية. كان لـ» الصباح» معه هذا الحوار

• عصافيرٌ برأسي لا تتوقف عن الزقزقة من كتابك ( الموت يأخذ مقاساتنا) هل كان الموت يأخذ مقاسات تلك العصافير الآملة والمتأملة ايضًا؟ وهل وضعت مقاسًا للموت؟
– أولًا أشكرك لأنك تستعيد عبارة من كتاب لي نسيتها أنا ولم تعد في ذاكرتي. اما عنوان « الموت يأخذ مقاساتنا « فالعنوان ليس لي؛ انه من قصيدة لتوماس ترانسترومر الشاعر السويدي الحائز على جائزة نوبل لسنة 2011 ، هذا الشاعر سبق لي ان التقيته حينما زار بيروت، وأجريت حديثًا صحفيًا معه، كان سبق لي ان تعرفت عليه شاعرًا بفضل صديقة سويدية، هذا الشاعر أصيب بجلطة ولم يكن يحسن حتى الكلام، هذا الشاعر أدهشني لأنه كان خارج كل تصوراتي عن الشعر كان شاعرًا خاصًا جدًا. بحسب نص ترانسترومر «الموت يأخذ مقاساتنا» يعني ان الموت هو الذي يحدد كل شيء اخر الأمر، وهو الحكم الأخير، هذا البيت لترانسترومر أدهشني وانا لي معه خاصة في هذه اللحظة التي أعلنت ان صديقًا لي معه صداقة يومية توفي، هذا الصديق هو الشاعر عصام العبدالله.
قلت: (وداعًا ايتها الصداقات؛ الحياة تبدأ بعدنا)

• هل توقف الشعر عند عباس بيضون وجيله الأدبي؟
– لا أظن ان الشعر يتوقف عند أحد؛ لأن الإنسان الذي اخترع الشعر اخترع أيضًا الحياة والموت والوجود، وأكاد أخشى ان يكون كل ذاك وهميًا وان تكون الحياة نفسها كذبة

• الشيخوخة ، التقدم في العمر، موضوعة جديدة في ديوانك الاخير ( ميتافيزيقيا الثعلب) أهو استسلام لها ام ان الشعر يتجدد من مرحلة لاخرى ونهر الشعر لا ينضب؟
– أنا في بداية السبعينيات وصلت الى هذا السن ولا أكاد أصدق اني وصلت، لا أكاد اصدق ان الموت شيء حقيقي وان الإنسان الذي بنى حياته على خلودٍ وهمي يُفاجأ أخيرًا به ويكون كل شيء عند ذلك بلا معنى. أظن ان الشعر فن شبابي وفن مراهق؛ لأن الإنسان يكون مراهقًا في المراهقة، والشاعر قد يبقى مراهقًا، المراهقة هي جنون الخيال وهي جنون الذاكرة. اما عن الشيخوخة، اي كان الأمر حيث اتكلم عن الشيخوخة لان شعري أقرب الى ان يكون سيرة ذاتية خاصة فمن قصيدة» سور» مثلًا الى مجموعتي الأخيرة هناك مذكرات ويوميات حتى حين لا يبدو ذلك واضحًا أنا أجمع شعري من دقائق حياتي ورغم ان هذا الشعر لايبدو كذلك لأنه يُخفيه ولأن اللغة تبقى دائمًا ستارًا او برقعًا، أنا استمد شعري من ما أصادفه بحياتي.
• رأي صرحت به: الشعر والرواية عمل داخلي، اي عمل دور الارادة فيه قليل وخاصة في الشعر معدوم. كيف هذا والاثنان يصدران من اللاوعي؟ هل هو تحيز للشعر؟
– الشعر يحتاج الى ما يتعدى الإرادة والوعي كانوا يقولون ان الشعر وحي والشعر في الحقيقة يتخطى الشاعر ويتجاوزه كأن شخصًا اخر كتبه او كأن اللغة تكتب نفسها، قال هايدغر: (ان اللغة هي التي تتكلم عبر الشاعر) وأنا مع هذا الكلام، فالشاعر أقل بكثير من قصيدته؛ وذلك ان اللغة بكل تراثها وبكل محمولها تتحدث عبره. الشعر بالنسبة لي هو درجة من احتمال الحقيقة او أقل، انه ما تحت الحقيقة، والكلام الشعري هو في كل الأحوال ما تحت الكلام. الشعر هو درجة من الإيماء بلا كلام يختفي وراءه، اي انه إشارة الى افتراضٍ غير
مرئي.

• في الاونة الاخيرة كثر التشابه بين قصائد الشعراء والتأثر بنصوص قد تكون سابقة لجيلهم او معاصرة – لا سيما الشعراء الشباب- حتى كدنا لا نفرق بين هذا الشاعر او ذاك، كيف يمكن للمتأثر ان ينسلخ من المؤثر؟ و هذا التشابه حالة صحية ام مرضية؟
– أريد ان اقول ان هذا الحكم الذي سمعته غير مرة من عدد من القراء والنقاد غير صحيح؛ في الواقع ان الجيل الجديد جديد وان المجموعات التي اقرؤها لشبان هي غالبًا خاصة بلغتها ومقاربتها ولا اظن ان الشعراء الجدد يقلدون ما قبلهم، في طبيعة الحال كان هناك غالبًا شعراء أكثر تأثيرًا، لكني أظن ان هناك اليوم وعيا لتبدل الحياة وتبدل موضوعاتها وتبدل تفاصيلها وان هذا الوعي موجود بقوة لدى الكتاب الشبان، وبالطبع هناك دائمًا تأثر وتأثير وهناك دائمًا كتاب متوسطون واقل من المتوسطين كما هي الحال دائمًا، فالكتاب الجيدون هم باستمرار قلة، لانني أسمع هذا الكلام لكني لا تأكيد فيه، لكن هذا التشابه او التواصل بين اجيال متقاربة طبيعي وغير مُدان او مُتهم، لكنني اظن ان الاجيال الجديدة في الكتابة واعية لزمنها ولظرفها، وهي واعية لتبدل الحياة من كل النواحي ومثلي على ذلك الادب السياسي، الادب السياسي لم يعد ما كان من قبل.

• ما رأيك اذا ما كان النص الشعري يحمل الفكرة الفلسفية، ولماذا؟
– الشعر نوع من الفكر لا يمكننا ان نفصل الشعر عن الفكر وانْ يكن بأدواته الخاصة، الفكر في الشعر هو غير الفكر في الفلسفة ،الفكر هو ما يمكننا ان نسميه ما تحت الفكر هو تململ الفكر الذي لا ينتهي الى حَسن ولكنه يبقى معلقًا، في الشعر
في الشعر فلسفة هي للشعر وحده، اي ان فلسفة الشعر هي للشعر وحده وهذه الفلسفة هي بصيغ الشعر وأدواته، هناك شعر في الختام فكر، لكن هذا الفكر يخص الشعر انها طريقته او طرائقه في التفكير اي ان الفكرة لا تُقال بتسلسلها المنطقي وانما في لمحها وفي تجليها الايمائي او في الايماء، ولا شك ان ليس هناك من شعرٍ كبير ليس بالدرجة نفسها فكرًا كبيرًا.

• ما اوجه الاختلاف والتشابه بين كتابة الرواية والشعر لدى عباس بيضون؟ متى يشعر ان ما يكتب شعرًا وليست رواية او العكس؟
– الفرق بين الشعر والرواية لدى عباس بيضون هو الفرق بين الشعر والرواية عند اي كاتب اخر، فالرواية تتطلب مزيجًا من كتابة آلية وحيويّة، الرواية في جانب منها تقنية فما يمكن قوله في الرواية هو فوق كونه واسعًا جدًا؛ يملك في جانب منه ميزة احصائية، ما تقول في الرواية هو كل شيء، تقول الاشياء وما وراءها وما ينتج عنها. الشعر ليس كذلك؛ فأنت لا تقول فيه كل شيء انما تقول رؤوس الاشياء وإيماءاتها وما تقوله تقوله بدرجة من التركيز والحسم بحيث يبدو وكأنه احتمال حقيقة، انت تقول الكلام الأخير ولا تذكر ما وراءه ولا ما أمامه، أنت لا تقول الأسباب ولا النتائج، الشعر هو الخلاصة، والخلاصة الناضجة القابلة لتكون حكمًا.

• قلت ذات مرة: العراق حاضر في ذاكرتي، واللهجة العراقية مألوفة لدي ما السبب من حضور العراق في ذاكرتك؟
-هناك أكثر من سبب ومن بين هذه الاسباب هو انا سليل جدة عراقية ولي عدد من الاصدقاء العراقيين وككل العرب تربيت جزئيًا على الأدب العراقي فالعراق حاضر في حياتي وعلاقاتي..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة