حريق كيميروفو يطيح أحد أقدم حكام المقاطعات الروسية

وصف قراره الاستقالة بأنه «الخيار الوحيد الصحيح»
متابعة ـ الصباح الجديد:

أطاح الحريق الهائل في مركز تجاري ترفيهي في كيميروفو غرب سيبيريا واحداً من أقدم السياسيين الروس. ويبدو أن أمان تولييف الذي يحكم مقاطعة كيميروفو منذ نحو 21 سنة لم يستطع تقدير «اتجاه الموجة وحجمها» هذه المرة، فاضطر إلى تقديم استقالته بعد نحو أسبوع على الحريق الضخم الذي أودى بحياة 64 شخصاً بينهم 41 طفلاً.
تولييف وصف قراره الاستقالة بأنه «الخيار الوحيد الصحيح». وقال في تسجيل مصور أنه لا يستطيع الاستمرار في منصبه «مع مثل هذا الحمِل الثقيل»، ويجب ألا يستمر في منصبه «من ناحية أخلاقية».
وتأتي الاستقالة بعد أخطاء قاتلة لم تكن متوقعة من تولييف (73 سنة) المدعوم بأصوات أكثر من 90 في المئة من سكان المقاطعة المهمة في سيبيريا. و «أثارت» تصرفات تولييف مشاعر أهل سيبيريا المعتادة على البرد والصقيع، فالحاكم المحبوب لم يذهب إلى مكان الحادث بحجة أنه لم يرغب في تعطيل أعمال الإنقاذ، ولم يخرج إلى آلاف المتظاهرين ليطيّب خواطر الأهالي الناقمين بعد موت أبنائهم حرقاً، وذهب بعيداً عندما وصفهم بأنهم مجرد «مثيري مشكلات»، لأنهم رفعوا شعارات تطالب بمعرفة المذنب عن الحريق.
في المقابل قرر الاعتذار أمام الرئيس فلاديمير بوتين الذي قصد المدينة بعد ثاني أسوأ حريق في روسيا منذ بداية حكمه، إثر مطالبات المحتجين باستقالة تولييف وبوتين، وزاد أنه فقد إحدى قريباته في الحادث المأسوي.
وأتى الحريق الضخم على «حقبة تولييف» السياسي الذي حاز 45 في المئة من الأصوات في انتخابات الرئاسة في إقليمه عام 1991، و6.8 في المئة في عموم روسيا حين طرح برنامجاً انتخابياً يعارض نهج الإصلاحات الذي بدأه بوريس يلتسن.
وبعد انتخابه في مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي بات تولييف بدعم كتلته المتحالفة مع الشيوعيين حاكماً فعلياً لمقاطعة كيميروفو الغنية بمناجم الفحم، قبل أن ينتقل وزيرا إلى موسكو لنحو سنة، ليعود بعدها وينهي أكبر إضرابات شهدتها روسيا في عهد يلتسن، حينها تراجع إنتاج الفحم الحجري بنحو الثلث مقارنة بالحقبة السوفياتية، وعجزت الحكومة عن دفع رواتب عمال المناجم لأشهر طويلة، وتردت البنى التحتية. وبعد «عمل دؤوب ومفاوضات شاقة وصلت الليل بالنهار» استطاع تولييف وفق مذكراته أن ينهي الإضراب ويعيد فتح الطرق في ربيع 1998.
ورفض تولييف تقلّد وسام من يلتسن لجهوده في إنهاء موجة الاحتجاجات العارمة، وعزف على موجة بوتين بقبوله التكريم منه بعد أشهر من صعوده لينضم لاحقاً إلى حزبه «روسيا الموحدة».
وعلى رغم الانتقادات الحادة واتهام تولييف بأنه بات رمزاً للاستبداد المفرط بعد استتباب الأمور له، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تحسنت كثيراً. وتشير الأرقام إلى أن إنتاج الفحم الحجري في المقاطعة سجل العام الماضي أعلى مستوى، ووصل إلى 240 مليون طن مقارنة بنحو 160 مليوناً في الحقبة السوفياتية. واستطاع تولييف المحافظة على شعبيته، وامتصاص غضب السكان على رغم حادثين كبيرين في مناجم الفحم عامي 2007 و2010.
وأسس تولييف نظاماً فريداً في التعامل مع قطاع الأعمال والمستثمرين، وانطلق من مبدأ «دعنا نتفق»، لكنه لم يواجه أي اتهام بالفساد على غرار حكام الأقاليم الآخرين. وحض المستثمرين على الاضطلاع بمسؤوليات اجتماعية للمقاطعة مثل دعم الأطفال والمسنين وبناء مؤسسات خيرية مع الالتزام بدفع الضرائب بانتظام، في مقابل عدم تسهيل أعمالهم وعدم التعرض لهم.
ويعد تولييف رمزاً للاستقرار في المقاطعة، كما قدم تسهيلات ومنحاً باتت تعرف باسمه «مثل معاش تولييف التقاعدي»، وخفض ساعات العمل للنساء في أيام الجمعة، إضافة إلى خفض فواتير الماء والكهرباء والغاز لمحدودي الدخل.
وتطوي الاستقالة صفحة سياسي روسي مخضرم بدأت قبل نحو 40 سنة على نحو أسوأ من المتوقع، ليصبح أكبر «ضحية» في إطار سعي السلطات إلى منع «الغليان»، بعدما كشفت التحقيقات عدم وجود مخارج للإطفاء في المبنى الذي التهمه الحريق، وعدم صلاحيته كمركز تجاري وترفيهي، ما دفع المواطنين إلى عقد مقارنات بين القتل نتيجة الفساد أو بسبب الإرهاب، إضافة إلى رواج إشاعات عن خفض عدد الضحايا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة