«المرأة الباريسية»: انتقاد المنظومة السياسية الأميركية

ابتسام عازم

تقدم مسرحية «المرأة الباريسية»، التي تعرض على أحد مسارح برودواي الشهير في نيويورك، نظرة نقدية لاذعة وساخرة من عوالم الطبقة السياسية الأميركية وتقديمها لمصالحها الشخصية فوق كل اعتبار للجري نحو السلطة. ولا ترحم المسرحية أيا من التيارين السياسيين الأميركيين سواء أكانوا من الديمقراطيين أم الجمهوريين وتقدم أغلبيتهم الساحقة كانتهازيين جائعين للحصول على السلطة بأي ثمن. وعلى الرغم من تناولها وانتقادها لرئاسة ترامب، إلا أنها لا تتمحور فقط حول إدارته أو السياسيين في عهده، بل تنتقد المنظومة السياسية الأميركية عموما. وتقوم بدور البطولة الممثلة الشهيرة أوما ثورمان والتي سطع نجمها في هوليوود وهذا عملها المسرحي الثاني، وإن كان عملها الأول قبل حوالي 20 عاما.
تدور أحداث المسرحية حول زوجين غنيين، لهما علاقات نافذة في عالم المال والسياسة، يعيشان في واشنطن ويطمحان إلى أن يشغل الزوج، وهو محامي ضرائب، منصبا سياسيا دون أن يكون بالضرورة كفؤا لذلك أو له خبرة في المجال. ويعلل الزوجان ذلك «بأن الأوقات التي نعيشها (في عهد ترامب) أثبتت أنه لا حاجة للكفاءة بالضرورة لشغل منصب سياسي». وعلى الرغم من ميولهما سياسيا إلى الحزب الديمقراطي إلا أنهما يحاولان التقرب والتأثير بكل الطرق الممكنة على سياسيين في إدارة ترمب لاختيار الزوج لمنصب سياسي رفيع المستوى. ويعلل الزوجان هذا التقرب وكل الخطوات غير الأخلاقية التي يتم اتخاذها للوصول إلى الهدف، بمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة».
كتب المسرحية، الكاتب الأميركي، بيو ويليمون، والذي ذاع صيته في الولايات المتحدة بسبب الدراما التلفزيونية الناجحة «هاوس أوف كاردس» والتي لعب كيفين سبيسي دور البطولة فيها ودارت أحداثها كذلك حول عالم السياسيين في واشنطن والفساد والانتهازية التي تحكم علاقاتهم وقراراتهم. اقتبست مسرحية «المرأة الباريسية» عن عمل مسرحي فرنسي لهنري بوكي، عام 1885، حمل نفس العنوان وتحول إلى فيلم سينمائي في الخمسينيات من القرن الماضي.
كانت بداية المسرحية متعثرة قليلا فيها الكثير من التلميح والسخرية من الحياة السياسية تحت حكم ترامب، دون أن تكون قفلة بعض المشاهد أو الحوارات مفاجئة. ولكن سرعان ما أخذت المسرحية منحى دراميا أكثر عمقا وفيه العديد من المفاجآت المحبوكة جيدا والمثيرة. ولا تغيب أوما ثورمان عن المسرح خلال الساعة ونصف الساعة التي تدور فيها أحداث المسرحية التي تتمحور حول شخصية، كلوي، كامرأة عصرية ذكية وجذابة تكرس كل طموحها للحصول مع زوجها على نفوذ سياسي وسلطة. لكن كلوي ليست المرأة الوحيدة المستعدة للتضحية بكل مبادئها وبأي شخص قد يقف أمامها وأمام زوجها للحصول على منصبهم. فجميع الشخصيات التي ترتبط بعلاقات مركبة مستعدة للمساومة بطريقة أو بأخرى من أجل السلطة والنفوذ.
لقيت المسرحية إقبالا واستحسانا من قبل الجمهور النيويوركي على مسارح برودواي على الرغم من الانتقادات التي وجهت لها من قبل نقاد صحافيين في العديد من الصحف الأميركية الرئيسية. حيث رأى الكثير من هؤلاء أن أداء ثورمان المسرحي لم يكن بالمستوى المطلوب وأن المسرحية اعتمدت أكثر من اللازم على نجوميتها. كما أن العديد منهم لم ير أن المسرحية نجحت بتقديم كوميديا سياسية دخلت بالعمق في انتقاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته الحالية أو إعطاء صورة مركبة عن الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة. ولا شك أن جزءا من الانتقادات فيها بعض من الصحة، إلا أنها انشغلت فيما لم تدع المسرحية أنها تقدمه.
فالوصف لتلك المسرحية يتحدث عن خليط من الكوميديا الساخرة والدراما دون وصفها بمسرحية كوميدية. وذهب بعض النقاد إلى حد تأويله للتصفيق الحار والوقوف من قبل الجمهور على أنه جاء من أجل أن يقنع الجمهور نفسه بأن تذاكر مسارح برودواي الغالية كانت تستحق هذا العناء! وتبدو هذه الإرهاصات للنقاد الصحافيين غير مدركة أن إخفاق عمل ما عند النقاد الصحافيين لا يترجم دائما بإحجامم الجمهور عنه. وعلى الرغم من بعض الكبوات، بما فيها تحديث المسرحية للتناسب مع عهد ترامب وتركيزها على ذلك، وكان من الأفضل ربما لو ركزت على فساد واشنطن، الذي لا يمكن حصره بحقبة ترامب لأن الرجل لم يأت من فراغ، إلا أنها تستحق المشاهدة دون شك حتى إذا شابتها بعض نقاط الضعف.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة