أحلام يوسف:
ظاهرة التحرّش التي أصبحت اليوم حديث الفضائيات والأخبار في كل العالم، ليست وليدة الظرف الحالي الذي نعيشه بفوضاه وعشوائيته التي طالت العديد من زوايا حياتنا، ليس في العراق فحسب بل في غالبية الدول العربية حتى المحافظة منها وكذلك العالم.
هناك العديد من الأسباب التي أدت الى استفحال هذه الظاهرة وقد يكون تبرير جريمة التحرش أحد أهم أسبابها، لأن مرتكب الجريمة بغض النظر عن حجمها إن لم يؤنّبه ضميره على فعلته، فبالضرورة سيكرر فعلته ثانية وثالثة، فكيف اذا كان الموضوع لا يتعلق بضمير نائم بل بمجتمع حرّف الأفكار والعادات والقيم، بإيجاد مبررات لقيامه بالتحرش بالمرأة كأن يكون لباسها او طريقة مشيها او حتى المكان الذي تواجدت فيه ساعة وقوع فعل التحرش.
ولسنا بحاجة الى إطالة، فما دام التحرش فعلا يستوجب تأنيب الضمير وتنبيه المجتمع، سيعني الامر ان هنالك ضحية..من الجاني اذن؟..هل الضحية ارتكبت الجناية، ام الجاني من تسبب بان تكون الضحية؟
يقول الباحث الاجتماعي حسن الجبوري: تتسم مجتمعاتنا بالذكورية، ولا يعني ذلك ان الرجل حر بالمعنى الحرفي للمفردة، لكنه حر بطريقة تعامله مع المرأة، الحلقة الأضعف سواء كانت اخته او زوجته او ابنته وحتى امه. انها حلقة مترابطة وممسكة ببعضها البعض.. المرأة.. الرجل.. المجتمع. المرأة التي تربي ابنها على انه الأقوى، وانه الحامي لنساء بيته والعنصر الذي يجب ان يكون قلبه صوان لا يضعف امام أي موقف او حالة لتكتمل رجولته حسب اعتقادها. لا تدري انها تربي مشروع عنف، والعنف يولد عدة حالات منها التحرش الذي يصل بعض الأحيان الى حدود الجريمة، فلا رادع له من ضمير او اهل او مجتمع.
الملاحظ في كل جريمة تحرش ان المرأة هي الملامة بالدرجة الأساس حتى بات الكثير منهن يتحاشين الحديث عن الموضوع او الكشف عن تعرضها لهذا الفعل خوفا من ان تتحول بنظر المجتمع الى جانية وليست مجني عليها، هذا ما تحدثت به الناشطة المدنية نبيلة الطاهر التي قالت: وكأنها محاولة التبرير لجريمة التحرش سببه ان مرتكبها هو الرجل “الحلقة الأقوى” والضحية المرأة “الحلقة الأضعف” فهل نحتكم بقراراتنا أيضا الى قانون الغاب. والغلبة تكون دائما الى الأقوى؟
ووجد يوسف جمال العبيدي ان الموضوع لا يمكن ان نحكم عليه بنحو مطلق، فلكل حالة ظرفها الخاص واسبابها الخاصة، أحيانا تكون المرأة هي المتسبب بفعل التحرش، لذلك فليست كل النساء يتعرضن لهذا الأمر، وبعض الأحيان يكون السبب هو الاخلاق المتدنية للرجل.
التحرش جريمة مثله مثل الاغتصاب والقتل فان تبرر للمتحرش جريمته فيمكنك حينها ان تبرر للقاتل جريمته سواء بحالة الغضب او رد فعل لفعل عظيم، وللمغتصب أيضا بان الضحية اجبرته على فعل الجريمة بسبب ما ترتديه. الجريمة جريمة..لا مبرر لها. فان اردنا ان نعيش وسط مجتمع سوي لنبدأ بتقييم الأفعال وتفسير الحالات بصورتها الصحيحة والمنطقية، لا ان نسمح بترهل الواقع الذي بات يستدعي الحد من تفشي اللامعقول.
التحرّش.. من الجاني ومن المجني عليه؟
التعليقات مغلقة