مي عاشور
صغيرتي
وصلتني رسالتكِ التي تشبه الفلفل الأحمر الحار؛ فكوتني حزنًا. لن ألومكِ، ولن أقول حذار! وأنكِ لست على حق! ولكنني سأقول أنكِ غير منصفة وحسب!…… فأنتِ على حق. ولكنني سجين، وثائر، وأنتِ بعيدة عني، وأنا بعيد عن أحبائي. فلا تغضبي مني، وإياكِ أن تظني أنني أريد أن أكرر مجدداً ما سبق ودمرته في سطرين. إن كنت كسرتكِ، فأنا متأكد أنكِ ستغفرين لي خطئي، حينما تفكرين بي، وتتخيلين شكل قدمي العرجاء، وخيالي الضخم أشعث الشعر، وعيني اللتين تتطلعان دومًا إلى عينيكِ من دون أن تشبعا منهما.
يرفّه السجناء عن أنفسهم في الردهة، بينما أخطُّ لكِ هذه الرسالة…. قبل قليل خرجت وألقيت نظرة عليهم، فوجدتهم مقرفصين بأبدانهم على الجدران من الناحيتين…. وهناك مزمار ناشز، و41 دفاً، وفي المنتصف أناس شاحبو الوجوه يرقصون(1) التشيفتتلي مع إيقاع الموسيقى العنيف.
ها أنا في الداخل بمفردي، ذهب الشباب لمشاهدة الرقص أيضًا. مشغول فكري بكِ، لو تعرفين كم أفكر أنكِ جميلة ورائعة!….
«الحب شيء رائع يا فتى!»
***
ليس واضحًا متى ستبدأ جلستنا؛ فلم تصل بعد مذكرات الاتهام، بل يبدو أن التحقيقات لم تنته بعد.
هل ترين نادية وحميدة هانم؟ لو تكتبين لي باختصار عن أخبارهم.
والآن انظري! ربما أكتب لك مجددًا شيئاً يثير غضبك. ماذا أفعل؟ لن أخفي عنكِ ما يخطر ببالي…!
تقولين: يكتب كل منا صفحة. حسنًا، لكن انظري إلى صغر كتاباتي.
إياكِ أن تغضبي يا جميلتي.
أتوسل إليكِ لا تغضبي.
عندما أكتب لكِ جوابًا، أكون تمامًا كطفل حساس؛ أريد أن أتدلل وأشكو باستمرار!
****
بسبب عدم معرفتي تمامًا بعنوان أورهان، أضع الجواب الذي كتبته له في نفس مظروفك. أرسليه له بسرعة بالبريد أو سلميه له شخصيًا يا غزالتي.
لم يبقَ عليّ أي دين لكمال نجاتي. هذا هراء.
أرجو من وداد أن يتحدث مع(3) محسن؟ أكتب أوبريت، فهل يريدها إلى دار البداية (2)؟، كان هناك مال متبق من (4)»صاري زيبك»، اجعليه يسأله عن هذا أيضًا…
وإلى أن ألقاكِ، أقبّل عيون وداد وفيفي وسلمى، ويدي والدتكِ، وأحضن محمد.
(1) نوع من الرقص الشعبي التركي، يعتمد على تحريك اليدين والساقين، يمكن تشبيهها بالدبكة.
(2) دار البداية: أول مسرح في إسطنبول، افتتح عام 1914
(3) محسن أرطغرل (1892 -1979): مخرج وممثل مسرحي تركي شهير ، جمعته صداقة وعلاقة عمل بناظم حكمت.
(4) «صاري زيبك»: في الأصل صاري تعني أصفر، زيبك تعني جسور أو مقدام، وهو لقب يطلق على أتاتورك، ولكنه هنا اسم أوبريت.
استعيد شبابي بالتفكير فيكِ
5 تموز 1933
خطيبتي!
كتبتُ رسالتي الأولى. وفي نفس اللحظة التي كنت أغلق فيها الظرف، جاءت رسالتك الثالثة…. لذلك أكتب ردًا منفصلًا.
اجتزتني بمراحل. يكمن في داخلي خجل ممزوج بالفخر، والابتهاج والامتنان، ولكنني فقط عَجِبٌ بعض الشيء من عدم تلقيك رسائل مني هذه الأيام. ربما تتلقينها بعدما كتبت لي رسالتكِ الثالثة. على أي حال لا بد أن تكتبي لي، إذا كانت قد وصلتكِ أي رسالة مني قبل هذا الجواب أم لا، وبعدما كتبت ثلاث رسائل. قال عرفان أمين: «ليس هناك أهمية من كون القاضي في عطلة. وأن المحكمة المناوبة ستبت في أمرك، وربما يكون هذا أفضل بالنسبة لنا».
خطيبتي، لما تزل هناك المزيد من الأماكن التي سنذهب إليها، سنتأمل سويًا النجوم، ووجوه الأصدقاء، عيني محمد ابننا، والأيام الجميلة….. ما زالت أمامنا حياة مفعمة بالحيوية، وقوية، وممتلئة وذات معنى. فلا تدعي فؤادك يشيخ يا خطيبتي. انظري، فجسدي ذو القدم العرجاء والذي يشبه شجرة دلب شائخة، يحمل بداخله قلبًا ملتمعًا، متقداً بنارك باستمرار، لم يتآكل، وكذلك قويًا ونضرًا. حينما أفكر بكِ أستعيد شبابي، ويتوقف وخز ساقي. وأنتِ أيضًا كوني شابة، وقوية حينما تفكرين بي.
أقبل يديك،
سأتذكرك يا خطيبتي.