التوظيف السياسي للدين والقانون في مشروع محمد علي

صدرت دراسة نجلاء مكاوي (التوظيف السياسي للدين والقانون في مشروع محمد علي) حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (103 صفحات بالقطع الصغير، موثقة ومفهرسة)، تناقش فيها محوريَّة الدين في علاقة محمد علي باشا بالدولة العثمانية، وكيف أضحى الدين مركز المعضلة التي واجهته عندما قرر التمرد على هذه الدولة، وكان من أدوات الطرفين في صراعهما.
كما تبين مكاوي في هذه الدراسة استخدام القانون في الصراع بين محمد علي والسلطان العثماني، باعتباره وسيلة فاعلة اعتمدها محمد علي في بناء مشروعه داخليًّا، ولدعم الاستقلال والخصوصية في مواجهة السلطان، وكيف حاول هذا الأخير تحجيمه بها.
ألفت مكاوي دراستها هذه في أربعة فصول. عرضت في الفصل الأول، ضرورات الحفاظ على الطابع الإسلامي للحكم، لكل ما يتعلق بتمسك محمد علي باشا بالطابع الإسلامي للحكم، بوصف ذلك أحد مقتضيات وصوله إلى السلطة واستقرار الأمر فيها له، ومدى إدراكه ذلك، بما انعكس في كيفية مواجهته العقبات التي كان الدين ركيزتها، وحالت دون تنفيذه برنامج تغييري يمكنه من السيطرة على البلاد، ومحاولته توظيف الدين في صناعة أيديولوجيا رسمية لدولته «الحديثة» في مصر.
في الفصل الثاني، القانون باعتباره تقنية سيطرة غير منضبطة، تناولت مكاوي القانون بوصفه تقنية سيطرة غير منضبطة اعتمد عليها محمد علي. فعلى الرغم من أنه كان قد مضى في تطبيق مفاهيم حداثية للسلطة تمثلت في إقامة أبنية ومؤسسات، واتباع أساليب تنظيمية جديدة، وبناء الجيش، فإن تصوره للسلطة قام على الغلبة؛ الغلبة في إمكانية السيطرة الكاملة على البلاد ومَن فيها، وعلى تثبيت تلك السيطرة، فلم يغادر حالة العنف والعشوائية التي ميزت سلطة الحكام والولاة (حكام السياسة) العقابية بمقتضى الشريعة، فكانت طرائق العقاب وأشكاله قروسطية مقتصرة على صيغ مفرطة في العنف والإذلال والانتقام، ومجسدة لعلو سلطته فوق كل سلطة، وخاضعة لإرادته وتقويمه.
في الفصل الثالث، تطور التشريع الجنائي وعلاقته بمشروع الحكم، وقفت مكاوي على الأسباب التي دفعت محمد علي إلى تحديث القوانين الجنائية، وهو ما يعد أهم تجليات التحديث الذي قام به، ويتناوله البعض بصفته عملية انتقال كاملة من منظومة عقابية قديمة إلى أخرى استرشدت بالمنظومة العقابية الأوروبية الحديثة، لجهة الترشيد والعقلانية واختلاف وظيفة العقوبة ونمطها، أي بناء نظام قانوني أكثر انضباطًا قوامه الهيئات القائمة على وضع القانون وتنفيذه، وسن النصوص القانونية الحديثة التي تضمن له فاعلية أكثر في السيطرة. كان ذلك تحديثًا كاملاً يخضع لأسس نقد الدولة الحديثة وموقع القانون فيها ووظيفته، سواء باعتباره انتهج أساليبها في الإخضاع والاستغلال، أو مثّل انقلابًا على القديم القائم على محورية الشريعة الإسلامية.
يقدم الفصل الرابع، الدين والقانون في الإطار العثماني، قراءة واسعة ومعمقة لأداتية الدين والقانون في مشروع محمد علي وموقعهما في الإطار العثماني، إذ تناقش مكاوي محورية الدين في علاقة محمد علي بالدولة العثمانية، وكيف أضحى مركز المعضلة التي واجهته عندما قرر التمرد على الدولة، وكان أداة الطرفين.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة