مايكل يونغ
مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن
علا قادوم | حائزة على درجة الدكتوراه من جامعة وارويك، حيث تخصصت في قضايا الشتات وسياسات الشرق الأوسط
تجاوز هدف هذا المؤتمر مجرد جمع التمويل لعملية إعادة إعمار العراق. كما أن مبلغ الـ30 مليار دولار من القروض والائتمانات التي تمّ التعهّد بتقديمها، يُعتبر ضئيلاً إلى حد ما، نظراً إلى ما تحتاج إليه البلاد. بيد أن اللافت في الأمر هو أن الأموال قُدّمت إلى حد كبير من الدول المجاورة للعراق، التي كان تجمعها قبل بضع سنوات فقط علاقات مضطربة معه. وفي ضوء ذلك، يمكن لخطة إعادة الإعمار أن تشكّل فصلاً جديداً في المسار السياسي والاقتصادي للبلاد.
مع ذلك، لا معنى لهذه التطورات ما لم يتمكّن رئيس الوزراء حيدر العبادي من القضاء على الفساد والحفاظ في الوقت نفسه على استقرار البلاد. يتوجب على العبادي الإفادة، على وجه السرعة، من لحظة السلام النسبي هذه لتلبية الاحتياجات الأساسية المتعلقة بالإسكان والصرف الصحي والكهرباء في المدن التي دمرها تنظيم الدولة الإسلامية، والمساعدة على إعادة توطين 2.5 مليون نازح في داخل العراق. قد يؤدي ذلك إلى إجهاض انبعاث نسخ جديدة من الدولة الإسلامية، من خلال طمأنة السنّة، في المدن والبلدات التي لحقتها أفدح الأضرار، حيال موقف العبادي المناهض للطائفية. في المقابل، سيكون من شأن استقرار الوضع في العراق زيادة الاستثمارات واستحداث فرص عمل، ما يضع حداً للحوافز المالية التي تقدّمها المنظمات الإرهابية لجذب الانضمام إليها. الجدير ذكره أن مستقبل العراق لا يعتمد على المبلغ الضئيل الذي قدّمه المانحون، بل بالأحرى على الأولويات السياسية للعبادي.
حسين عبد الحسين | مدير مكتب جريدة «الراي» الكويتية في واشنطن
منذ إطاحة صدام حسين في العام 2003، نادراً ما عانى العراق الغني بالنفط من نقص في السيولة. بيد أن مشكلة بغداد كانت تتمثّل في سوء إدارة الأموال، في بلد يكاد يحتل الترتيب الأدنى ضمن مؤشر مدركات الفساد. واشتكى المسؤول الأميركي السابق بول بريمر، في معرض استعراض كحاكم تنفيذي في العراق، قائلاً إنه بعد أن قامت واشنطن بإرسال كميات كبيرة من الأموال إلى بغداد، كانت خزينة البلاد تفتقد إلى آلية لضخّها في الاقتصاد، ما أسفر في نهاية المطاف عن انتشار الفقر وتدهور حالة مرافق الدولة، وتفشّي الفساد، وسهلّ بالتالي استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في العام 2014.
في مؤتمر الكويت للجهات المانحة، طلب العراق مساعدات تتجاوز قيمتها 80 مليار دولار، لكنه تلقى تعهدات بقيمة 30 مليار دولار فقط. وحتى لو وفى المانحون بوعودهم، فإن هذا المبلغ (30 ملياراً) يتجاوز قدرة الوكالات الحكومية على الإنفاق. وبالتالي، ستمرّ هذه الأموال عبر شبكات المحسوبية، ما يسفر عن تعزيز مكانة الجهات الفاعلة غير الحكومية، ويترك الدولة وبنيتها التحتية في وضع يُرثى له.
بحسب الأمم المتحدة، يوجد في العراق 820,000 نازح داخلياً و775,000 نازح عائد، يتلقون جميعاً مساعدات تصل تكلفتها إلى 578 مليون دولار سنوياً. وحتى لو قمنا بمضاعفة أعداد النازحين والعائدين، ومن ثمّ تقسيم 30 مليار دولار عليهم على شكل مخصصات نقدية، سيحصل كل منهم على 10,000 دولار، ما يعادل ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في العراق. وفي حين قد تبدو المساعدات المباشرة جذابة، إلا أن قنوات الفساد الحكومية ستبذر الأموال. حين يتعلق الأمر بالتمويل في العراق، يكمن الفشل في بغداد أكثر منه في مؤتمرات المانحين.
فنار حدّاد | باحث أول في معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية
ثمة بُعدان اثنان ينبغي أخذهما في الاعتبار حول مؤتمر الكويت: إعادة الإعمار وإعادة الدمج. فعلى خلاف ما افترضه البعض، لم يكن هذا المؤتمر في الواقع مؤتمر مانحين يهدف إلى جمع حوالى 88 مليار دولار لإعادة إعمار العراق، وهو مبلغ قد تعجز البلاد عن استيعابه في مطلق الأحوال. فوفقاً للحكومة العراقية ولتقرير أعدّه البنك الدولي ووزارة التخطيط العراقية، يشير هذا الرقم إلى التكلفة المتوقعة لتنفيذ مشاريع إعادة إعمار العراق على مدى خمس سنوات. لكن، حسبما ذكر العديد من المراقبين، كان هدف المؤتمر جذب الاستثمارات الأجنبية في القطاعين العام والخاص. إذن، لم يرمِ المؤتمر إلى منح المال للعراق، بل إلى الاستثمار وإنشاء الأعمال التجارية فيه.
يرتبط هذا الأمر ارتباطاً وثيقاً بمسألة إعادة الدمج. فقد أتى المؤتمر تتويجاً للتحسّن الذي كلّل مؤخراً العلاقات بين العراق وجيرانه العرب. فبغضّ النظر عن الموقف المُلتبس لدول مجلس التعاون الخليجي وغيرها حيال التغيّرات السياسية منذ العام 2003، ثمة اليوم قبول خليجي أكبر للواقع العراقي، يترافق مع انفتاح حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على دول الخليج. هذا التطبيع للعلاقات الذي طال انتظاره بين عراق مابعد العام 2003 وبين جيرانه أساسيٌّ لاستقرار كلٍّ من العراق والمنطقة، ولا غنى عنه كي تتمكّن البلاد من خوض عملية إعادة إعمار مُستدامة على المدى البعيد.
إن الالتزام بإعادة إعمار العراق والاستثمار فيه، والذي تشتدّ الحاجة إليه، لن يكون شيكاً على بياض يستحيل التراجع عنه. فقد يتم تقويضه بسبب ثقافة الفساد المُتفشّية التي تنخر هياكل البلاد – وقد تطرّقت الإدارة العراقية الراهنة إلى هذه المسألة بشكلٍ صريح، على غير عادة. يُضاف إلى ذلك أن إيقاع الرمال السياسية المتحرّكة في العراق قد يثبط ذوبان جليد الجفوة في علاقة العراق مع دول مجلس التعاون الخليجي، ما قد يُضعف من قدرته على جذب المستثمرين الخليجيين، ويُقصي بالتالي شركاءه الناشئين.
مهنّد الحاج علي | مدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط،
طلب العراقيون 88 مليار دولار، إلا أن التعهّدات المالية بلغت حوالى 30 مليار دولار. ومع أن هذا الرقم لم يلبِّ تطلّعات بغداد، لا يُمكن الاستهانة به نظراً إلى الموارد المُتاحة في البلاد. تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا المسعى لإعادة إعمار العراق هو الثاني من نوعه خلال خمسة عشر عاماً، ويمكن استخلاص درسَين بارزَين من التجربة الأولى التي مُنيت بالفشل: أولاً، لاتزال معدّلات الفساد المُستشري في البلاد عقبة كأداء في وجه إعادة الإعمار. فمنذ العام 2003، بات فشل المشروع الرامي إلى إعادة تأمين الكهرباء في البلاد أشبه بسردية تحذيرية ومؤشّراً بارزاً على عجز مؤسسات الدولة عن تطبيق المشاريع التنموية على نحو فعّال.
أما الدرس الثاني فهو سياسي الطابع، إذ إن إعادة الإعمار تستوجب أيضاً أن ينتهج العراق سياسات شاملة للجميع وأن يوطّد دعائم مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش. ويتعيّن على الدولة أساساً إما حلّ الميليشيات جذرياً أو دمجها في هياكل الدولة. فتنظيم الدولة الإسلامية لم يكن صاعقة في سماء صافية في العراق، على عكس ما يزعم بعض السياسيين، بل تفشّى نتيجة الإحباطات والتظلّمات التي عانى منها السنّة المهمّشون في البلاد. لذلك، سيبقى الانتصار ضد الدولة الإسلامية منقوصاً وتبقى إعادة الإعمار مؤقّتة، مالم يتم التصدّي لهذه التظلّمات.
* ينشر هذا المقال بالاتفاق مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ٢٠١٤
لقراءة النص الأصلي٬ اتبع الرابط التالي: http://carnegieendowment.org/sada