سلام مكي
كاتب عراقي
لو كانت الجهة نفسها هي التي تحقق، استنادا للمادة 10 من قانون انضباط موظفي الدولة، لكان الأمر افضل بكثير، حيث ان الجهة التي تحقق بنفسها ستكون على دراية تامة بالأعمال التي يمارسها الموظف وطبيعة تلك الأعمال، مما يساهم الى حد كبير بسلامة الإجراءات الإدارية سواء بالإحالة الى القضاء او بغلق التحقيق، وفي كل الأحوال، فإن قرار اللجنة التحقيقية، ليس نهائيا، بل يخضع لمصادقة الجهات العليا في الدائرة المعنية. لكن مجرد طلب اجراء تحقيق اداري، فهذا يعني مفاتحة المفتش العام، في حين الأولى مفاتحة الجهة التي ينتمي اليها الموظف. وهنا يعني ان هنالك أربعة جهات ستشترك بالتحقيق وهي: المفتش العام، هيأة النزاهة، القضاء، دائرة الموظف المحال. فالمفتش العام، يحيل الموظف الى النزاهة التي بدورها تحيله الى القضاء. دور الجهة التي ينتمي اليها الموظف تتمثل بطلب تدوين اقوال الممثل القانوني لتلك الجهة لغرض طلب الشكوى من عدمه، وغالبا ما يلتزم الممثل القانوني بتوصيات اللجنة التحقيقية، برغم عدم قناعته او قناعة دائرته بها، فهو يبين للقاضي طبيعة عمل الموظف، وان ما ذهب اليه التحقيق الإداري ليس صحيحا بالضرورة، وبعدها يطلب الشكوى او لا يطلبها، حسب طبيعة القضية، وفي بعض الأحيان، يصل التحقيق الإداري خاليا من تحديد مقدار الضرر الذي أصاب المال العام، فيطلب الممثل القانوني، مفاتحة المفتش العام، لتحديد مقدار ذلك الضرر، على اعتبار ان المفتش العام هو الجهة التي قامت بالتحقيق وليس الدائرة التي ينتمي اليها الموظف المحال. مما يتطلب وقتا طويلا لغرض ارسال الإجابة، خصوصا وان الأوليات موجودة لدى الدائرة التي قد لا تؤيد ما ذهبت اليه اللجنة التحقيقية، او يتم إخفاء بعض الأوليات في بعض الأحيان، مما يعني تأخيرا في حسم القضية، في حين كان يمكن تلافي كل هذا، لو تم التحقيق من قبل الجهة التي ينتمي اليها الموظف وليس المفتش العام. ومؤخرا، أصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى توجيها الى القضاة المختصين بقضايا النزاهة، الى عدم تعليق حسم قضايا النزاهة على التحقيق الإداري، وان مدى الحاجة اليه، امر يقدره القاضي وليس وجوده ضروريا ولازما لحسم الدعوى في السابق، وهو أمر مهم وجيد، على اعتبار ان الاعتماد على التحقيق الإداري يؤدي الى تأخير حسم تلك الدعاوى، إضافة الى انه ليس لازما في كل القضايا، اذ ان تحقيقات المحكمة كافية ولازمة لمنح القاضي قناعة كاملة عن الإحالة او الغلق.
ماذا لو الغيت مكاتب المفتشين العموميين؟
سؤال يطرح نفسه بقوة، في ظل تقديم مقترح قانون الغاء مكاتب المفتشين العموميين، الإجابة عنه تتطلب سؤالا آخر: هل سيترك غياب المفتش العام، فراغا إداريا وقانونيا؟ بمعنى هل ان عدم وجوده سيؤدي الى ازدياد الفساد واطلاق يد الموظف؟ هل ان صلاحيات المفتش العام، غير موجودة في قانون آخر ولا يمكن لأي سلطة أخرى ممارستها؟ لا حاجة لإعادة نص المادة 10 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام، فهي جدا واضحة وما تعطيه من صلاحية اجراء التحقيق الإداري للجهة التي ينتمي اليها الموظف لا تختلف كثيرا عن الصلاحية الممنوحة للمفتش العام. كما ان قانون ديوان الرقابة المالية رقم 31 لسنة 2011 نص في المادة 4 على ان من مهام الديوان هو الحفاظ على المال العام من الهدر أو التبذير أو سوء التصرف وضمان كفاءة استخدامه. والمادة 6 تنص: يقوم الديوان بمهمة:
رقابة وتدقيق حسابات ونشاطات الجهات الخاضعة للرقابة والتحقق من سلامة التصرف في الأموال العامة وفاعلية تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات على ان يشمل ذلك:
فحص وتدقيق معاملات الأنفاق العام للتأكد من سلامتها وعدم تجاوزها الاعتمادات المقررة لها في الموازنة واستخدام الأموال العامة في الأغراض المخصصة لها وعدم حصول هدر او تبذير او سوء تصرف فيها وتقويم مردوداتها. فالديوان يقوم هو الآخر بالتدقيق في سجلات الدوائر ومن ثم يقدم توصياته الى الجهات العليا. وتقارير الديوان التي يكتشف فيها تلاعبا في السجلات او مخالفة للقوانين والأنظمة، يتم احالتها الى القضاء عبر النزاهة، ليتم التحقيق فيها. ناهيك عن هيأة النزاهة نفسها التي تتولى التحقيق والتدقيق واتخاذ كافة الإجراءات التي يقوم بها المفتش العام والرقابة المالية.
نظرة حول دور مكاتب المفتشين العموميين )2 – 2 (
التعليقات مغلقة