السلطنة والسلطة

حسن البطل
ينشر بالاتفاق مع جريدة الايام الفلسطينية
بالطبع، يمكن قراءة العنوان: عُمان وفلسطين. الأولى سلطنة على أطراف العالم العربي، والثانية سلطة في القلب الملتهب لهذا العالم.
في الجغرافية الفلكية ـ السياسية، قد نقول إن عُمان مثل كوكب عطارد، أقصى كواكب المجموعة الشمسية، الذي أخرجوه منها، ثم أعادوه إليها.
يبدو حياد سلطنة عُمان في السياسة المحضة العربية العكرة حالياً، خصوصاً كما لو أنها سويسرا الشرق سياسياً، من حيث سياسة عدم الانحياز، إن في سياستها الخليجية، أو في سياستها العربية والإقليمية والدولية.
كانوا، في الجغرافية الطبيعية، يقولون عن لبنان إنه سويسرا الشرق، من حيث المشهد الطبيعي، وربما، أيضاً، في حياده السياسي الإيجابي في السياسات العربية، باعتبار سويسرا نجت من مطحنة الحرب العالمية الثانية بحيادها السلبي.
الآن، يحاول لبنان اتباع سياسة النأي عن الخلافات والمحاور العربية والإقليمية كما يدعو رئيس الوزراء، سعد الحريري، دون كبير جدوى.
عُمان، الأشبه بجزيرة «برية» ليست منحازة لأطراف الخلاف في سداسية دول مجلس التعاون الخليجي، فهي تمارس حياداً سلبياً، بينما تمارس الكويت حياداً إيجابياً.
عُمان، أيضاً، ليست طرفاً في السياسة الأميركية والإسرائيلية الداعية إلى محور عربي سني ضد إيران الشيعية، ليس، بالذات، لأن «الأباضية» مجرد فرقة في المذهب الشيعي.
لكن «زيارة دولة» أداها وفد وزاري عُماني إلى رام الله وأريحا والقدس، كانت في بعض مراسيمها ومدنها زيارة نادرة عربية لمسؤول عربي إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، حيث أهدى الوفد العُماني للمسجد والكنيسة بخوراً عمانية تشتهر بها هذه السلطنة لعلها «عود الند»!
تمارس عُمان سياسة اللاانحياز السلبي العلني في النزاعات الخليجية والإقليمية، وتتبع الدبلوماسية الهادئة السرية، لكن سياسة الانحياز الإيجابي إزاء فلسطين وحدها، كما أفصح عنها في تصريحاته وزير الخارجية العُماني ورئيس الوفد خلال الزيارة، يوسف بن علوي!
تتحدث أميركا وإسرائيل عن صنع وإرساء حلف عربي خليجي سني ضد إيران الشيعية وامتداداتها العربية، وعُمان ذات العلاقة المتوازنة بين إيران والعالم العربي تبدو بعيدة عن الانخراط في هذا التحالف، رغم أن معظم سكانها على المذهب الأباضي ـ الشيعي، كما تبدو المغرب بعيدة عنه، رغم مذهبها الفاطمي ـ الشيعي، في الأقل مذهب العائلة الملكية هناك. بالطبع فلسطين بعيدة عن الصراعات الدينية ـ المذهبية العربية.
وسائل الإعلام الفلسطينية غطت الزيارة ومراسيمها، بما في ذلك مديح الزوار لمدينة «روابي»، وبالذات أن دولة فلسطينية بكامل أركانها تشكل الاستراتيجية السليمة والناجحة لمكافحة الإرهاب في المنطقة والعالم.
صدرت عن وزير الخارجية العُماني، بعد لقائه رئيس السلطة تصريحات لافتة، منها أن خطاب أبو مازن الوشيك أمام مجلس الأمن سيحدد المسار الفلسطيني السياسي.
البعض لا يستبعد أن تكون الزيارة العُمانية لفلسطين، جزءاً من دبلوماسية هادئة وسرية للوساطة بين فلسطين والإدارة الترامبية الأميركية، عشية قرب الإعلان، الشهر المقبل، عن بنودها، كما لمح وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون خلال جولته في المنطقة، التي لم تشمل فلسطين وإسرائيل.
عُمان ذات علاقة حسنة مع أميركا، وأيضاً مع إيران، لكن ذات علاقة جيدة مع فلسطين، وهناك من لا يستبعد دور عُمان في دور وسيط أيام إدارة أوباما بين إيران وأميركا، حيث قَبِلَ الجانبان اقتراحها بفكرة عقد مؤتمر فيينا والدول الخمس زائد ألمانيا مع إيران.
فلسطين تطالب بدور مظلة دولية متعددة الأطراف على غرار مؤتمر فيينا، وهذا ما بحثه رئيس السلطة في زيارته إلى موسكو مؤخراً، وقبل ذلك خلال زيارة لباريس، بعد إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ما لا تريده فلسطين من أميركا هو دورها الاحتكاري لعملية الوساطة مع إسرائيل، وطاقمها الثلاثي المنحاز إلى يهودية إسرائيل (كوشنير، وغرينبلات وسفيرها فريدمان).
زيارة الوفد العُماني لفلسطين جاءت بعد زيارة رئيس الوزراء الهندي، وكلتا الزيارتين كانت مستقلة عن زيارة إسرائيل، للدلالة على أن فلسطين ليست ملحقاً بالمجال السياسي والدبلوماسي لزيارة فلسطين وإسرائيل. سيزور نتنياهو واشنطن مطلع الشهر المقبل، وبعدها من المتوقع أن يعلن ترامب تفاصيل خطة الصفقة، التي يجب أن تكون متوازنة في حدّها الأدنى حتى تقبل بها السلطة الفلسطينية، لأن ترامب لمح إلى صحيفة «إسرائيل هايوم» أنه ليس متأكداً من موافقة إسرائيل عليها، لكن هو متأكد من رفض فلسطين لمقدماتها المعلنة.
قلّد رئيس السلطة الوزير العُماني بن علوي وسام النجمة الكبرى للقدس، ومنح الوزير المفوض في الوزارة، عامر الشنفري، وسام الفارس، علماً أنه كان فدائياً في حركة فتح خلال عقد السبعينيات، كما كان أمير كويتي راحل مقاتلاً في الحركة.
فلسطين السياسية مضطرة إلى ممارسة دبلوماسية علنية نشيطة بحكم موقعها العربي والدولي الحساس، لكن عُمان تمارس سياسة دبلوماسية هادئة وسرية، وكلتا السياستين بعيدة عن الاستقطاب والانحياز للتحالفات العربية والإقليمية والدولية.
قال الوزير بن علوي: «من يريد أن يساهم في التخلص من بقايا الحروب عليه مساندة الرئيس عباس وحكومته (..) وهو مناضل نعتز به ونعرفه معرفة أخوية صادقة، ونحن موجودون في كل وقت مع هذا البلد الشقيق».. فلسطين.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة