إدواردو نيلسون
نائب مدير تنسيق الطعام والتغذية في وزارة الصحة البرازيلية.
تمثل التغذية البشرية أهمية متزايدة للعِلم. وبطبيعة الحال، ساعدت قرون من البحث العلمي في ضمان إنتاج القدر الكافي من الغذاء لإطعام أعداد متزايدة من السكان. ولكن مع ارتفاع معدلات السِمنة والأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي، وتأثير الجوع وسوء التغذية على أعداد من الناس أكبر من أي وقت مضى، يركز العلماء ليس فقط على كيفية إطعام الكوكب، بل وأيضا على تحديد أي الأطعمة يجب توفيرها له.
وبصفتي عالِم أحياء، فأنا أرى الأطعمة والأنظمة الغذائية من منظور تطوري. لكن الأطعمة تتطور ببساطة بما ينسجم مع الكائنات التي تستهلكها. ولنتأمل هنا التفاحة المتواضعة. لا يُعَد فركتوز الفاكهة صحيا في حد ذاته، وفي حال تناوله بكميات كبيرة فإنه يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري، وأمراض القلب، وغير ذلك من الأمراض غير المعدية. ولكن عندما تُهضَم سكريات الفاكهة مع أليافها، يتباطأ امتصاص الفركتوز في الجسم، وتصبح الفاكهة أكثر صحية في ما يتصل بالتمثيل الغذائي. ومن خلال هذه الآلية، تُصبِح التفاحة ــ مثلها كمثل أغلب الفواكه والخضراوات ــ غذاءً أكثر كمالا.
ينطبق نفس المنطق على أنظمتنا الغذائية. فعلى مدار التاريخ، كانت الأطعمة تُصنَع وتتبدل من خلال الجمع بين النكهات، والألوان، والقيم الغذائية المختلفة، في حين نضجت الأنظمة الغذائية على نحو مختلف في إطار الأسر، والثقافات، والمجتمعات. ولكن في أغلب الأمر، كان أسلافنا يختارون الأطعمة لنتائجها الصحية. وكانت الأنظمة الغذائية غير الصحية تدوم لفترات قصيرة في عموم الأمر بسبب نتائجها السيئة.
بيد أن الأنظمة الغذائية السيئة تبدو اليوم أكثر قدرة على الاستمرار. والآن يُستَعاض عن الأغذية الطبيعية والخام بوجبات جاهزة وأغذية معالجة. وقد أدى هذا الاتجاه نحو الأطعمة المعبأة مسبقا التي يمكن إنضاجها في أفران الميكرويف إلى تآكل الأنظمة الغذائية المحددة إقليميا، كما خَلَق قائمة متجانسة معولمة ــ وغير صحية ــ وترتبط بوضوح بالبدانة، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، وتراجع متوسط العمر المتوقع للبشر.
الواقع أن جزءا من هذا التحول لا يمكن تجنبه؛ إذ تتأثر بشكل كبير طريقة إنتاج وشراء واستهلاك الأطعمة بالكيفية التي نمارس بها حياتنا وأين نعيش. في العديد من البلدان، تسببت التركيبة التي تتألف من اتساع مساحة المناطق الحضرية وتزايد كثافتها السكانية والشيخوخة السكانية السريعة في إحداث تغييرات في أنظمة تصنيع المواد الغذائية وتوزيعها. ومن المؤسف أن العديد من هذه التعديلات خلفت تأثيرا سلبيا على نوعية الغذاء وجودته.
ولكن ما يدعو إلى التفاؤل أن جهودا عالمية تجري الآن لمساعدة البشرية في تناول طعام أفضل. فقد أعلنت الأمم المتحدة الفترة من 2016 إلى 2025 «عقد العمل على التغذية»، كما تشجع أهداف التنمية المستدامة التي أعلنتها الأمم المتحدة على تبني استراتيجيات شاملة لتحسين الصحة والقضاء على الجوع وتعزيز الزراعة المستدامة. وتأتي هذه الحملات الدولية وسط إدراك متزايد في القطاع الخاص لحقيقة مفادها أن معالجة أوجه النقص في مجالات التغذية من الممكن أن تفيد الأعمال. على سبيل المثال، من خلال تعاونيات المزارعين المحليين وشبكات الغذاء الإقليمية، يسعى المبدعون من أصحاب الحيازات الصغيرة إلى استعادة التنوع والاختلاف للكيفية التي نتناول بها الغذاء.
لكن مؤتمرات القمة العالمية والالتزامات الإقليمية ليست سوى جزء من الحل. وإذا كان لنا أن ننجح في تصحيح تراجع جودة الأنظمة الغذائية على مستوى العالَم، فنحن في احتياج شديد إلى ثلاثة تدابير إضافية على الأقل.
فأولا، يتعين على الناس وصناع السياسات أن يعكفوا على تحديد معنى «التغذية» على النحو الصحيح. في كثير من الأحيان، يخلط الناس بين دراسة «التغذية» والبحوث التي تجرى على «المغذيات». لكن هذا الفهم الخاطئ من الممكن أن يدفع المستهلكين نحو اتجاهات غذائية غير مرغوبة، مثل الأنظمة الغذائية التي تستعيض عن الأغذية الطبيعية بالمكملات أو المساحيق أو غير ذلك من المنتجات شبه الغذائية. غير أن تحسين التغذية يعني شيئا مختلفا تماما: إيجاد التوازن بين المستهلك من الغذاء الجيد واحتياجات الجسم البشري.
ثانيا، يتعين علينا معالجة التحيز في أبحاث علوم الأغذية. الواقع أن المصالح الاقتصادية التي تحبذ الإنتاج الغذائي الضخم على الإنتاج المحلي تؤدي إلى انحراف الأجندة البحثية. واستعادة الاستقلال لعِلم التغذية أمر بالغ الأهمية لمساعدة المستهلكين وصانعي السياسيات على اتخاذ اختيارات غذائية أفضل.
وأخيرا، يتطلب تحسين التغذية تغيير السلوكيات والسياسات والمواقف إزاء الغذاء. وربما يبدو هذا واضحا، لكن الناس نسوا إلى حد كبير العلاقة بين صحتهم وما يتناولون من أطعمة. والأمن الغذائي الحديث ليس مسألة إنتاج الغذاء بوفرة؛ فالعالم يعرف كيف يفعل ذلك. بل يتلخص التحدي اليوم في إيجاد التوازن بين ما هو صحي وما هو مألوف. ولابد من إعادة تنظيم أنظمة المستقبل الغذائية، مثل الاستهلاك في الماضي، بحيث تتوافق مع المصادر الطبيعية. وهذا يعني تعزيز، أو حتى إعادة اختراع، أنظمة توزيع الغذاء بحيث يتمكن المنتجون والموردون من خدمة المستهلكين بطرق أكثر صحية.
خلال هذه الحقبة من التغذية الصناعية، انحرف الناس بعيدا عن مائدة عشاء أجدادهم. وتتلخص رؤيتي لعالَم أفضل ذوقا وأكثر صحة في استعادة الغذاء باعتباره غراءً اجتماعيا؛ والتروي في إنتاج أغذية أعلى جودة؛ والاختيار الحكيم لمكونات الوجبات التي نطهوها؛ والتمتع بالطعام في صحبة آخرين. والأمر الأكثر أهمية، التفكير في الغذاء طوال الوقت ــ حتى عندما لا نكون جائعين. الحق أن تكريس أنفسنا لتغذية أفضل ــ واستهلاك كميات أكبر من الأطعمة الطبيعية الخاضعة لأدنى قدر ممكن من المعالجة ــ هو أقل ما تستحقه أجسامنا.
إعادة التغذية إلى القائمة
التعليقات مغلقة