سوق الأسهم الأغلى سعرا في العالم

روبرت شيلر
أستاذ الاقتصاد في جامعة ييل
يعرف مستوى أسواق الأسهم المالية اختلافا كبيرا بين البلدان. وفي الوقت الحالي، تعد سوق الأسهم الأمريكية «الأغلى سعراً» في العالم. لكن الجميع يريد أن يعرف ما إذا كان المستوى الحالي لسوق الأسهم له ما يبرره – وما السبب.
يمكننا الحصول على قياس بديهي وبسيط من الاختلافات بين البلدان من خلال النظر في نسب السعر إلى الأرباح. لقد اعتمدتُ منذ فترة طويلة مقياس تقييم نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة دوريا (CAPE)، الذي قمت أنا وجون كامبل (أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد) باكتشافه قبل 30 عاما.
تُعتبر نسبة كيب سعر الأسهم الواقعي (المعدل حسب التضخم) بمتوسط الأرباح الحقيقية على مدى عشر سنوات. يجمع بنك باركليز البريطاني نسب كيب من 26 بلدا (كما أقدم الاستشارة لبنك باركليز على منتجاته المتعلقة بنسبة كيب). واعتبارا من 29 ديسمبر / كانون الأول، أصبحت نسبة كيب الأعلى في الولايات المتحدة.
دعونا نرى ما تعنيه هذه النسب. تمثل ملكية الأسهم مطالبة طويلة الأجل بأرباح الشركة، والتي تدفعها الشركة لأصحاب الأسهم كأرباح أو تُعيد استثمارها لتزويد المساهمين بأرباح أكثر في المستقبل. إن ملكية الأسهم في شركة معينة لا تعني مجرد مطالبة بالأرباح السنوية. تستمر الشركات الناجحة لعقود، بل لقرون.
من أجل الوصول إلى تقييم لسوق الأوراق المالية في البلاد، نحن بحاجة إلى التنبؤ بمعدل نمو الأرباح لفترة فاصلة أطول بكثير من سنة. كما نرغب في معرفة ما ستحققه هذه الأرباح على مدى السنوات العشر أو العشرين المقبلة. لكن كيف يمكن للمرء أن يكون واثقا من التنبؤات الطويلة الأمد لنمو الأرباح عبر البلدان؟
وفي تسعير سوق الأسواق المالية، لا يعتمد الناس على أي توقعات جيدة لأرباح السنوات العشر القادمة. بل يفكرون في السنوات العشر الماضية، التي ولت بالفعل، لكنها حقيقية.
عندما بحثت أنا وكامبل عن نمو الأرباح في الولايات المتحدة مع بيانات تاريخية طويلة، وجدنا أنه لم يكن هذا النمو قابلا للإسقاط. ومنذ عام 1881، كانت علاقة نمو الأرباح الحقيقي في العقد الماضي بنسبة السعر بالأرباح إيجابية ب 0.32 نقطة. لكن ليست هناك أية علاقة بين نسبة كيب ونمو الأرباح الحقيقي في السنوات العشر القادمة. وقد ارتبط نمو الأرباح الحقيقي للسهم بالنسبة لمؤشر أسعار الأسهم المركب خلال السنوات العشر السابقة ارتباطا سلبيا (17-٪ منذ 1881) بنمو حقيقي في الأرباح على مدى السنوات العشر اللاحقة. هذا هو عكس الارتفاع. وذلك يعني أن الأخبار الجيدة عن نمو الأرباح على مدى العقد الماضي تعد أخبارا سيئة عن نمو الأرباح في المستقبل.
وقد حدثت نفس الظاهرة مع التضخم وسوق السندات الأمريكية. قد يعتقد المرء أن أسعار الفائدة الطويلة الأجل ترتفع عندما يكون هناك دليل على تضخم أعلى على مدى فترة السندات، وذلك لتعويض المستثمرين عن الانخفاض المتوقع في القوة الشرائية للدولار. باستخدام البيانات منذ عام 1913، عندما بدأ مكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل بحساب مؤشر أسعار المستهلك، اكتشفنا عدم وجود أي علاقة بين أسعار الفائدة على المدى الطويل ومعدلات التضخم لمدة عشر سنوات على مدى العقود المقبلة. وعلى الرغم من أن الترابط بين معدل التضخم الإجمالي لعقد واحد والتضخم الإجمالي للعقد القادم كان ايجابيا، لكنه لم يتجاوز 2٪.
تعتقد أسواق السندات أن التضخم يمكن استقراءه أو إسقاطه. وقد كانت أسعار الفائدة على المدى الطويل مرتفعة عندما كان معدل التضخم في العقد الماضي مرتفعا. وترتبط عائدات السندات الأمريكية الطويلة الأمد، مثل عائد سندات الخزينة لعشر سنوات، ارتباطا إيجابيا للغاية (70٪ منذ عام 1913) بالتضخم في السنوات العشر السابقة. لكن نسبة العلاقة بين عائد سندات الخزانة ومعدل التضخم على مدى السنوات العشر المقبلة بلغت 28٪ فقط.
كيف يمكننا التحكم في سلوك المستثمرين مع أنه من الصعب التغلب على السوق؟ لماذا لم تكن الثقة المتزايدة في تحليلات البيانات والتداول الشرس تعني أنه رغم زيادة كفاءة الأسواق بمرور الوقت، سيتم استيعاب كل الفرص المتبقية لتأمين أرباح خيالية؟
تُقدم النظرية الاقتصادية، كما أثبت أندريه شليفر من جامعة هارفارد وروبرت فيشني من جامعة شيكاغو، سببا كافيا لتوقع أن فرص الاستثمار على المدى الطويل لن يتم القضاء عليها من قبل الأسواق، حتى مع وجود الكثير من التجار الأذكياء.
هذا يعيدنا إلى السر الذي يجعل سوق الأسهم الأمريكية الأقوى. السبب ليس «تأثير ترامب»، ولا تأثير التخفيض الأخير في معدل ضريبة الشركات الأمريكية. على أي حال، كانت لدى الولايات المتحدة أعلى نسبة كيب في العالم منذ أن بدأت ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية في عام 2013. كما لا يُعتبر الاستقراء حول نمو الأرباح السريع عاملا هاما، حيث أن آخر ربح حقيقي للسهم في أسعار الأسهم المركب هو أعلى بنسبة 6٪ فقط من ذروته في السنوات العشر الماضية، قبل اندلاع الأزمة المالية في عام 2008.
قد يرجع جزء من سبب ارتفاع نسبة كيب في الولايات المتحدة إلى ارتفاع معدل إعادة شراء الأسهم، على الرغم من أن إعادة شراء الأسهم أصبحت ظاهرة عالمية. وقد تعكس نسب كيب المرتفعة في الولايات المتحدة أيضا الخوف الكبير من استبدال الوظائف من قبل الآلات. ويكمن الجانب الآخر من هذا الخوف، كما أشرت في الطبعة الثالثة من كتابي الذي يحمل عنوان «الوفرة الغير منطقية»، في رغبة أقوى في امتلاك رأس المال في بلد السوق الحرة بالتعاون مع أجهزة الكمبيوتر.
والحقيقة هي أنه من المستحيل تحديد السبب الكامل لارتفاع سعر سوق الأسهم الأمريكية. إن غياب أي مبرر واضح لنسبة كيب المرتفعة يجب أن يذكِّر جميع المستثمرين بأهمية التنويع، كما لا ينبغي أن يُعطى لسوق الأسهم في الولايات المتحدة وزنا ضخما.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة