بغداد – رامي التميمي:
فتح العراق منذ أحد عشر عاماً حدوده أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة في صناعة النفط والغاز للمرة الأولى منذ العام 1972. وقد أُتيحت الفرص لشركات النفط الكبرى في العالم مثل “شل” و”بي بي” و”اكسون موبيل” للمشاركة في دعم قطاع النفط في الدولة، لتحصل هذه الشركات على عقود لتطوير حقول منطقة الرميلة¹.
وكانت هذه أولى الخطوات الكبرى في مسيرة الدولة نحو بناء اقتصاد متنوع ومستقر. اليوم وبعد مرور أربعين عاماً، ومع استمرار الاضطرابات السياسية والنزاعات، والعجز في إمدادات الطاقة، وانتشار ثقافة عدم الثقة في أوساط المستثمرين الأجانب؛ فإن الاستثمارات من الشركات العملاقة في قطاع النفط والغاز أقل بكثير من مستوياتها في أي مكان آخر. وقد تؤدي هذه الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تحويل القطاع إلى محرّك للنمو الاقتصادي، هذا في ضوء الإمكانات الهائلة للعراق من المصادر الطبيعية.
يعتمد النمو والتنمية والاستقرار الاقتصادي على قطاع كهرباء نشط وصناعة قوية للنفط والغاز، لكن لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا، فتسريع وتيرة نمو هذه الصناعة يتطلّب دعماً من الشركات الأجنبية التي تجلب معها خبراتها ومعرفتها ذات المستويات العالمية. ومن أجل مساعدتنا في خلق قطاع مستدام، سوف تحتاج هذه التعاقدات إلى خلق وظائف محلية وأن تشتمل على مكوناً تدريبياً قوياً بهدف نقل المعرفة إلى القوى العاملة القادرة والموهوبة في وطننا. ولطالما اعتبرت الأيدى العاملة دائماً أحد أقوى مواردنا الوطنية.
ومع ذلك، فإن جذب المستثمرين الأجانب وتشجيعهم على البقاء والاستمرار وزيادة الاستثمارات يتطلّب الكثير من العمل. وتحتاج حكومتنا إلى خلق بيئة من القوانين والأنظمة والثقافة تقود إلى أداء الأعمال وفق معايير عالمية، ولابد من القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، ولا ينبغي أن نسمح لما يحدث في وطننا أن يضعنا في حالة من الشلل وعدم اتخاذ أية اجراءات والعودة بنا من جديد إلى عصور الظلام التي كنا قد بدأنا بشق الأنفس في تجاوزها.
استثمرت شركات مثل “شل” الملايين في العراق ولعبت دوراً كبيراً في دعم تطوير صناعة النفط والغاز في الدولة من خلال نقل المعرفة التقنية إلى العراق وتدريب مهندسينا ودعم تطوير الأعمال التجارية المحلية. ومن الأمور الحيوية الاحتفاظ بهؤلاء وغيرهم من المستثمرين مثل “بي بي” و”اكسون موبيل” والعمل على استقطاب شركات أخرى مثلها في كافة القطاعات ذات الصلة لتحقيق والحفاظ على استقرار قطاع الطاقة، والتي تعادل في بلد غني بالنفط مثل العراق الاستقرار الاقتصادي.
لقد طالعنا كثيراً كيف أعاقت الحروب والعقوبات تطوير حقول النفط والغاز في بلادنا، وقد تسببت إعادة الهيكلة الحكومية والإجراءات التنفيذية في سوء إدارة القطاع. وبالرغم كل هذا إضافة إلى الوضع السياسي، واصلت شركات مثل “شل” عملها في ظل هذه الظروف الصعبة للمساهمة في التنمية الاقتصادية للعراق. واليوم ومع الأحداث الراهنة التي تجتاح البلاد، لا نملك إلا التمسّك بالأمل في ألا يتعرض إنتاج النفط والغاز لمزيد من المعاناة.
إلى جانب ذلك، ستساعدنا الزيادة في معدلات إنتاج النفط والغاز في تلبية احتياجاتنا من الطاقة الكهربائية وتجنّب الانقطاع المعتاد للتيار الكهربائي في فصل الصيف. ومما لا شك فيه، فإننا سننعم بحياة أفضل نستحقها إن استطعنا إنتاج ما يلبي متطلباتنا من الكهرباء.
عانى قطاع الكهرباء في العراق منذ الأزمة عام 2003 وواجه العديد من التحديات لتزويد كل من المواطنين وقطاع الصناعة بالطاقة. وبالرغم من الإنفاق الحكومي الضخم، إلا أن فصل الأحمال والخسائر الكبيرة أثناء النقل والتوزيع، وذلك بسبب البنية التحتية المتهالكة، والنقص في الموارد والطاقة الكافية لتشغيل محطات توليد الكهرباء الى جانب الطلب المتزايد إضافة إلى العجز المالي الخانق، تسببوا جميعاً في إعاقة قدرة الدولة على توفير الحاجة المطلوبة من الكهرباء² إلى حدٍ كبير.
يرتبط مستقبل الاقتصاد في العراق بشكل وثيق جداً بقطاع الطاقة في الدولة، حيث ستؤدي الزيادات واسعة النطاق في إنتاج النفط الغاز إلى زيادات هائلة في توليد وإمداد الكهرباء ولكن بعد تهيئة البنية التحتية المتهالكة لقطاع الكهرباء وموأمتها لتوليد الكهرباء باستعمال الغاز الطبيعي بدل من الوقود السائل.
لذلك فإن العراق في حاجة مُلحة لمواصلة جذب والاحتفاظ بالاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ستعزز الخبرات المحلية وتوفر التمويل اللازم لتحقيق مستوى انتاج النفط و الغاز لدفع عجلة نمو اقتصادنا.
ومن ثم فإن هذه تعد مسؤوليتنا للقيام بما نستطيع به بهدف جذب والاحتفاظ بالاستثمارات الهائلة للشركات الأجنبية في كافة القطاعات، وتأمين مستقبلنا الذي نمتلكه ويتمثل في مواردنا التي تنساب تحت أقدامنا.