ثقة مفرطة بالنفس.. أم غطرسة؟

صرنا نسمع ونقرأ تصريحات لسياسيين ووكلاء لهم، انهم سيكتسحون مقاعد برلمان 2018 وان على الاخرين الاسراع بأخذ مكانهم في القطار المندفع الى خط النهاية، فائزا، ومكللا بالورود والزغاريد، فيما يفيض من لغة هذه الثقة المفرطة غطرسة نشبت اظفارها في سلوك زعماء اللعبة، عدا عن السؤال التفصيلي عن دلالات الانخراط في دعاية انتخابية مبكرة وانفعالية، لا تعني إلا شيئا واحدا هو انعدام الثقة بالنفس، وغطرسة فاقعة.
الى ذلك فان الغطرسة السياسية، عندما تتحكم بالامور، تبدو كما لو انها عقوبة للامم التي لم تتعظ من دروس التاريخ.
في الحياة العامة، تظهر الغطرسة على شكل سلوك طاووسي: الخيلاء الفارغة. الزهو بالمظهر. الاستعراضية. الانفة. تصغير الاخرين، وإذا ما أمكن قهرهم، وتحفظ الذاكرة الشعبية الفلوكلورية روايات كثيرة عن الفجائع والمفارقات والمعارك المسرحية او الكارثية التي ترتبط بمتغطرسين.
الغطرسة في بعض انحرافاتها خوفٌ دفين، فليس غير الخائف من يحتاج الى الزعم بانه قوة لاتقهر، ولاتُكسر، ولاتبارى. الفارس يتحدث الاخرون والتاريخ عن مآثره وشجاعته وانتصاراته.
والغطرسة لاتعرف التواضع، ولا الاعتراف بقوة الآخر، ولا حتى بخذلانات صاحبها. انها، في بعض ممارساتها، ذرائعية مقيتة، ولاتتورع عن تسمية الاشياء بنقائضها. الهزيمة انتصارا، مثلا، وحين يُمرغ انف المتغطرس بالتراب، لايشعر بالعار. انها، من زاوية معينة، قناع يتوسل به ضعاف النفوس لاخفاء هوانهم واضطرابهم النفسي.
خارج السياسة تترك الغطرسة اثارا مؤذية محدودة قد تقتصر على صاحبها، او على دائرة من المضللين والاتباع، لكنها في السياسة قد تلحق الاذى بدائرة اوسع. اوطان كثيرة وامم دفعت ثمن غطرسة قادتها، فالسياسي المتغطرس عدو للحسابات الواقعية للامور والقوى والحجوم. عدو للنصيحة والتبصير والاستشارة. عدو للحكمة ودروس الاخرين وخبرتهم.
السياسي المتغطرس يضيق بحكم التغيرات وتقلبات الاقدار واتجاهات الرياح فينزل منزلة «دون كيشوت» في مقارعة الانواء بسيف من خشب، ويخوض معاركه حتى نهايتها على الرغم من انها خاسرة.
والسياسي المتغطرس مولع بالخطابات والتصريحات. انها توحي له بالقوة الاسطورية الماحقة لـ”العدو” واكثر ما يعنيه من ذلك ان يسمع مديحا لما يقول، ثم يتوهم ان ما يقوله يتحول الى نص ساحر، مقدس، سرعان ما يدخل افئدة الملايين فتذعن له.
اعداء السياسي المتغطرس هم (كما يعرضهم) مجرد نشارة خشب، لا قيمة لهم، وهو بخطاب واحد، كما يتوهم، سيجعل كل واحد منهم تحت نجمة.. والنجوم بين يديه.
**********
افلاطون
« من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لاتكلفه شيئا فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى سعر«
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة