* حقوق المرأة فطرية. لا تُستلب ولا تُنتزع
* القراءات في بداية تكوّني جعلتني أحبّ “الإنسان” مهما اختلف عني
* الأدب هو الأدب، كتبه رجلٌ أو امرأة أو جِنيٌّ في فانوس
حاورها احمد جبار غرب
هي إنسانة متحررة عقلياً تمقتُ الجمودَ الفكري. تحبُّ الحرية والعدالة الاجتماعية وقيم الجمال. درست هندسة العمارة، بعدما كادت تدرس الطب. لكنها غيرت رأيها بعد أن شاهدت رأسًا مفصولا عن الجسد عندما ذهبت مع شقيقها الطبيب الى المشرحة وفزعت. من هنا بدأت ثيمة حياتها في كراهية الدم والانتصار للحياة بكل ألوانها ودافعت بضراوة عن حق الحياة لجميع الكائنات الحية من الإنسان والحيوان، لأنها أرواح خلقها الله، وهو وحده له حق استرداد ما خلق.
مثقفة وأديبة تمتاز بسرعة البديهة واللباقة وسرعة رد الفعل الايجابي. جسورٌ لا تخشى التعبير عن آرائها. لها حتى الآن ٢٦ كتابا ما بين الكتب الفكرية والمجموعات الشعرية والترجمات الأدبية في الرواية والشعر والمجموعات القصصية. أثارت جدلا واسعاً في الإعلام المصري والعالمي عندما كتبت تغريدة في صفحتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول طريقة ذبح الأضاحي بطرق بشعة مما يؤدي إلى تعذيبها بعيداً عما أوصى به الإسلام؛ مما اعده البعضُ ازدراء للأديان. وحُكم عليها بثلاث سنوات سجن، خُففت إلى ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ. إنها الكاتبة الصحفية والأديبة والمهندسة فاطمة ناعوت. حاولتُ التوغل في أعماقها واكتشاف مجاهلها وتقديم الوجه الآخر لشخصيتها للقارئ الكريم؛ فكانت رحلة معرفية جمالية ممتعة هي حصيلة حواري معها.
هل تأثرت بفلسفات معينة خلقت لديك امتدادًا فكريًّا ترسّخ في شخصيتك الادبية؟
نعم. في بدايات تكوّن وعيي وتفتّح مداركي على الحياة، بدأت بقراءة الفلسفات الإغريقية والميثولوجيات اليونانية والمصرية القديمة. ثم عرّجت على قراءة الفلسفات الوضعية أو الأديان الوضعية مثل البوذية والكونفوشيوسية والطاوية والزرادشتية وغيرها من فلسفات الشرق الأقصى. وبالطبع كنتُ قد أتممتُ قراءة الديانات السماوية الثلاث. كل هذا صنع مني عقلا تعدديًّا، غير إقصائيّ. عقل منفتحٌ على الآخر. يقبل الجميع ولا يُقصي أحدًا. عقل يدرك أن الاختلاف والتنوّع ثراءٌ وليس عداءً. تلك القراءات في بداية تكوّني جعلتني أحبّ «الإنسان» مهما اختلف عني عِرقًا ولغةً وعقيدةً وفكرًا. جعلتني أؤمن بمقولة ماو تسي تونج: “دع ألفَ زهرة تتفتح». الحديقة ذات الزهر الواحد، حديقة فقيرة. والسجادة ذات اللون الواحد تعيسة. الثراءُ والجمال في التنوع والتباين.
الأديبة والصحفية لديها رسالة وهدف تريد توصيلهما للقارئ هل تكتبين بلغة مبسطة حتى يفهمها الجميع؟ أم أنك تكتبين للنخب فقط؟ وأعرف أنك تدبجين مقالاتك بشكل أدبي بعيداً عن الاشكال التقليدية في الكتابة؟
في بداية دخولي حقل الكتابة الصحفية، خاف على قلمي الأدبيّ أساتذتي الكتّاب والنقاد الكبار مثل .أ رجاء النقّاش، أ. محمود أمين العالم، وغيرهما. حذّرني أساتذتي أن «الصحافة» تقتل «الأدب». وأن قلمي إن اعتاد الكتابة الصحفية السهلة في الصحف السيّارة، سوف يفقد بريقَه الأدبي مع الوقت. من وقتها وضعتُ نصب عيني أن أعلو بالمقال الصحفي إلى خانة المقال الأدبي الصحفي، لا أن أهبط بقلمي الأدبي إلى بساطة المقال الصحفي السيّار. وأعتقدُ أنني إلى حد كبير نجحت في هذا. كل شيء في الدنيا بوسعك أن تكتبه بصيغة أدبية جميلة جَزلة. فلماذا لا نفعل هذا من أجل متعة القارئ وفي الوقت نفسه من أجل الحفاظ على الصوغ الأدبي الرفيع والنهوض باللغة من كبوتها!؟ المحكّ في الأمر هو وصول الرسالة. وأظن أن رسالتي تصل عبر المقال الصحفي/الأدبي لكل شرائح المجتمع. بدليل أن جمهوري يندرج من أساتذة الجامعة إلى العمال والفلاحين مرورًا بالطلاب في شتى مراحل التعليم.
أنتِ مناصرة قوية لحقوق المرأة، ,برأيك هل حقوق المرأة تنتزع انتزاعا أم تقر عبر قوانين ينتجها مجتمع ذكوري ونحن نعلم أن المرأة في مجتمعاتنا العربية مستلبة الحقوق وينظر اليها نظرة دونية ؟
حقوق المرأة فطرية. لا تُستلب ولا تُنتزع. حق المرأة هو حق الإنسان. هو حق الكائن الحي في التنفس. حين نمنع الهواء عن كائن حي، ثم نسنُّ قانونًا لنُعيد له النفس، لا نقول بأن قانونًا طيباً سُنّ لكي يتنفس الإنسان. ولا نقول إننا انتزعنا حق الإنسان في التنفس. بل نقول إنه حق!ٌ فطري طبيعي من العيب أن يغيب، ومن الطبيعي أن يكون موجوداً. حقوق المرأة المنقوصة في المجتمعات العربية جريمة ارتكبها ذكورٌ وأمّنت عليها نساءٌ. بكل أسف.
عدم نهوض مجتمعاتنا العربية واللحاق بالركب الحضاري المتسارع لمن تعزيه للجهل أم للهيمنة الذكورية أم للاستبداد والتسلط السياسي؟
الجهل. الجهلُ جذر كل موبقات العالم. وفي مجتمعاتنا العربية أميل إلى تسميته «التجهيل العمدي». الجهل هو جالبٌ الفقر، وجالبٌ المرض، وجالبٌ الاستبداد، وجالب الهيمنة والعنصرية والإقصائية والتطرف والإرهاب ومعاداة الفكر والفن.
هل تؤمنين بتجنيس الأدب وتشطيره إلى أدب نسوي وأدب رجالي؟ أم أن الأدب هو فعل إبداعي إانساني بعيداً عن الجندر؟
أقسّم الأدبَ إلى أدب جميل وأدب رديء. والأخير لا نُطلق عليه «أدبًا». وبهذا نعود إلى عدم تقسيم الأدب أو تصنيفه ليعود قسمًا واحدًا اسمه «الأدب». تصنيف الأدب تبعاً للقلم الكاتب إن كان لامرأة أو لرجل، يستوجب أن نُصنّف أيضًا الموسيقى والغناء والعمارة والنحت والمسرح وهلم جرّا من صنوف الفنون إلى نسوي وذكوري. وهو أمر خارج العقل. وحتى بهذا التصنيف غير المقبول، هل نطلق على قصائد نزار قباني عن المرأة قصائد نسوية، وقد كتب على لسان المرأة ما لم تسطع امرأة كتابته؟ الأدب هو الأدب، كتبه رجلٌ أو امرأة أو جِنيٌّ في فانوس.
كيف حال الثقافة المصرية الآن من حيث حراكها وتأثيرها داخل المجتمع المصري؟
هناك مثقفون مصريون. ولكن لا يوجد حراك ثقافي بالنحو الُمرضي. كل مثقف، من أسف، يعمل في جزيرة منفصلة فلم نستطع تكوين جبهة ثقافية صلدة؛ كما كان في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. لهذا يخترق جبهتَنا المتطرفون ويتصيدوننا واحدًا إثر واحد. أن سبق ونبّهتُ كثيراً وكثراً إلى تلك الثغرة وذاك الخطر في عديد المقالات واللقاءات التليفزيونية. ولا مُجيب ولا مُنصِت!
هل تأثرت بكاتبات أو كتاب مصريين ألهموك في مسارك الثقافي (الأدبي والصحفي) أم أنك خلقت لك بصمة خاصة بك من خلال فهمك الإيجابي للحياة والتعبير عنها برؤيتك الخاصة؟
لي آباءٌ كثيرون من أدباء وفلاسفة ومفكري العالم، في مصر وخارجها، ومن كل العصور. طه حسين أبي، وجبران أبي، وعلي بن أبي طالب أبي، والمتنبي أبي، وغاندي أبي، وكونفوشيوس أبي، وابن رشد أبي، وشكسبير وفرجينيا وولف وجون دون وجوته وهوميروس وأحمد شوقي آبائي. كل من قرأت له أو عنه وأحببته، هو أبٌ لي بالعماد. لكنني أقرأ الكثير والكثير ولا أكتب إلا نفسي أنا.
هل اختراق التابوات (المسكوت عنه) في الدين والسياسة والجنس يعد مدخلاً لحل إشكالية مجتمعاتنا العربية في التحرر والنهوض وتجنب الخوف من تلك المفاهيم وفهمها بوعي ونضج؟ أم ترين ذلك خطا احمر لتدني منظومتنا التربوية والتعليمية ازاء أفكار من هذا النوع؟
الصحيح هو النهوض بالعقل العربي وبالوعي العربي تعليميًّا وتربويًا وتثقيفيًّا وأخلاقيا، ووقتها سوف تسقط التابوهات من تلقاء ذاتها ولا يكون ثمة مدعاة للخوف على النشء لأنه آنذاك سوف يكون ناضجًا واعيًا؛ مُحصّنًا بالعلم والأخلاق.
ماهي اهتماماتك الاخرى ونشاطاتك وهواياتك؟
عدا القراءة وسماع الموسيقى، أهوى مراقبة عصافير السماء واليمامات وهي تحطُّ على أسوار شُرفتي لتأكل مما أضع لها من حبٍّ وشعير وماء ومن رزق الله، وكثير من الحُب. وبالطبع هناك «ليزا» كلبتي يورك شاير وصديقتي.
هل تعانين من العزلة (عزلة فكرية ) بسبب افكارك التي تؤمنين بها وتدركين عدم نضج الآخر في استيعابها واحتوائها فيحصل الكبت في داخلك ألا ان يحصل تفجير لهذا الكبت تعبرين عنه بكتاباتك بالخروج عن السياق العام أو المألوف فيثير زوبعة ما؟
بشكل عام، كل كاتب تنويري في مجتمع رجعي هو «لا منتمي». ولكنني لا أستسلم لهذا الهاجس. دائمًا أراهن على أن «الآخر» مثقفٌ وواع ويروم التنوير مثلما أرومُه. ومن لا يفهمني اليوم ويخاصمني، سرعان ما يقرأ كتبي ويكتشفني ويُصالحني غدًا؛ بعدما كان يلعنني بالأمس. كل يوم تقريبًا تصلني رسائل اعتذار من أشخاص كانوا يرونني شيطانًا رجيمًا ثم بعد بعض التأمل والقراءة الهادئة، لي أنا وليس لما يُكتب عني من خزعبلات، سرعان ما يعرفون أنهم ظلموني فيراسلونني ويعتذرون. حتى الذي رفع ضدي القضية الشهيرة اعتذر لي على الملأ على صفحتي وشكرني على تحضري، ونشرتُ رسالته في مقال بعنوان «معايدة العيد من ألد خصومي»، بعمودي بجريدة المصري اليوم. كان هذا الشخص يراني كافرة زنديقة ويصرُّ على سجني، وبعدما تأمل الأمر وقرأني عاد واعتذر.
ماذا أضافت لك تجربتك في القضية التي اتهمت من خلالها بازدراء الأديان إلى رصيدك الانساني والشخصي ؟
أضافت لي جبلا هائلا ضخمًا من الأصدقاء والداعمين، هم ثروتي وكنزي الثريّ. وعلّمتني أن قول الحق ونُصرة المظلوم له ثمن باهظ علينا دفعه بنفس راضية.
هل من كلمة اخيرة ؟
أُحييك على هذا الحوار الذكي الثريّ. وأقول مع درويش: «كُن عراقيًّا تكن شاعرًا.” تحية لك وللعراق الحبيب. وكلي سعادة أن أشارك هذا العام في مهرجان المربد العالمي بالعراق الحبيب. دمتَ ودام العراق.