كه يلان مُحَمَد
كاتب عراقي
أخذت أشكال أنظمة الحكم بإهتمام الباحثين في الحقل السياسي حيث توقفوا متدبرين ما ساد من أنماط مُختلفة لتركيبة الكيانات السياسية في المُجتمعات، وإنَّ الهدف وراء هذا المجهود الفكري والتأمل الفلسفي هو معرفة المُحددات التي تسهمُ في ظهور نوع معين من منظومة سياسية في بيئة من دون غيرها، بالطبع فإن تطور المُجتمع على المستوى الإقتصادي والفكري يغذي وعياً جديداً الأمر الذي سيكون له تبديات على الصعيد السياسي لاسيما فيما يتعلقُ بآلية العلاقة بين السلطة والشعب، ودور الأخير في رسم شكل جهاز الحكُم، وهذا ما يعكس أهمية النظام السياسي بوصفه عاملاً لترتيب مفاصل المُجتمع،وتحديد وظيفة السلطات ،من المَعلوم أنَّ الديموقراطية هي الصيغة التي توجت كل المحاولات في مضمار الفكر السياسي لإيجاد مايُخفف على المُجتمع مثالب شطحات السلطة والجنوح نحو الإستبداد وإنفراد حفنة بإدارة مصائر العباد والبلاد، وأنَّ ما يعطي الأفضلية للديموقراطية من بين الأنظمة السياسية الأخرى هو مرونة المفهوم الديموقراطي إذ لايتوقف في طور مُعين بل هو في تطور دائم وتقبل إضافات جديدة تدعم أسسها،فلك أن تتأمل ما كانت عليه الديموقراطية في بداياتها وما وصلت إليه في الوقت الراهن،إذ تدرجت في التطور إلى أن أصبحَ الفضاءُ مُتاحاً لمشاركة الجميع في عملية الإنتخابات كما أن النساءَ وصلن إلى قمة السلطة علماً أن المرأة لم يكن لها حق للتصويت في السابق،هنا ينبغي أن نفرق بين الجانب الإجرائي والفعلي في الديمواقراطية، من دون هذا التفريق سيكون الوعي بمفهوم الديموقراطية ناقصاً، بل قد نقع في مطب التضليل،إذا ساد الإعتقادُ بأنَّ الديموقراطية تختزلُ في مجموعة الإجراءات الشكلية، وغاب عن الإدراك بأن الديموقراطية هي نتيجة وليست سبباً كما يقولُ المفكر السوري (جورج طرابيشي)،أي لابُدَّ من وجود دعائم أساسية مُتمثلةً في تطور الإقتصاد والوعي ونشوء مفهوم المواطنة مايتطلبُ قيام مؤسساتٍ تحدُ من سلطة الحاكمِ وتتابعُ آلية صناعة القرار، وهذا مايعنى أنَّ الحاكمَ في النظام الديموقراطي لايمتلك سلطة مُطلقة بمجرد فوزه في الإنتخابات وحصوله على الأغلبية الساحقة،ولايتخذُ قرارات إلا بعد سلسلة من المداولات على مستويات مُختلفة لإقناع الرأي العام بما يراه في مصلحة البلد ويخدمُ المواطن،إذ قد يستقيلُ الحاكم من منصبه مع أنَّه وصل إلى السلطة بأصوات الناخبين حالما يدركُ بأنَّ بقاءهُ في تلك الوظيفة يُؤَزمُ الأوضاع في بلده، وآخر من فضل الإنسحاب من السلطة بعد فشل مشروعه هو رئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون) ، على ضوء ماذكر سلفاً يمكنُ مقاربة رهانات الديموقراطية في عراق مابعد سقوط النظام وفهم المناخ السياسي السائد في هذا البلد مع الأخذ بنظر الإعتبار تلك الظروف الإستثنائية التي مر بها العراقُ على الصعيد الأمني والنزاعات الطائفية ومن ثُم وقوع مساحات واسعة من الأراضي العراقية تحت سيطرة تنظيم داعش ماحدا بالمراقبين إلى إعلان نهاية العراق ودار الحديث إعادة رسم إرثه على شكل كانتونات مُستقلة، كل ذلك كان نتيجةً لتراكم الأخطاء المترتبة من سوء إدارة الحكم ونظام المُحاصصة الذي يناقض جوهر الديموقراطية،ويرسخُ الفساد في منظومة الحكم كما يوفر حصانة منيعة للمفسدين، بعد هذه المرحلة أعلن رئيس الوزراء العراقي الإنتصار على تنظيم داعش وتمكن الجيشُ من إستعادة المدن والبلدات التي كانت واقعة تحت إمرة مايُسمى بدولة الخلافة،ويشهدُ سوق التحالفات بين الأحزاب والكيانات السياسية تسابقاً محموماً إستعداداً لموسم الإنتخابات المُقبلة يفرضُ السؤال نفسه حول مستقبل العملية السياسية في العراق ومايتغيرُ في المشهدِ السياسي، هل ستتحول الإنتخابات الى لحظة فارقة يتخلصُ فيها العراقُ من العقلية التي قادته إلى حالة التصادم بين مكوناته وراهنت على الخطاب الطائفي والثارات التاريخية؟،أم أن العملية الإنتخابية ليست أكثر من خدعة لإعادة توزيع الغنيمة بين من شكلوا طبقة سياسية يصعبُ إختراقها وهم يظهرون في مواقع حساسة بِمُسميات مُختلفة بالنظر إلى ما أسفر عنه نتيجة الإنتخابات السابقة في كل مناطق العراق حيثُ تربعَ عدد من السياسيين على مناصب سيادية وألقموا غيرهم بما تبقى من كعكة السلطة، يتناقصُ منسوب التفاؤل لكن ما يصحُ الرهان عليه هو إدراك المواطن لماحل بالعراق من الكوارث جراء هيمنة العقليات الرثة التي أخذت بتلابيب الحكم على مدار خمس عشرة سنة وبلورة الوعي لديه بأن بلده لايقوم من كبواته الإقتصادية والإدارية من دون إقصاء من كان متورطاً في الفساد وَسوق لمشروعه الوهمي بإسم القومية أو الدين أو الطائفية.نعتقدُ بأن مكمن الداء في العملية السياسية العراقية هو نظام المحاصصة ولا أمل بالخروج من نفق الأزمات المُستعصية من دون تجاوز هذه الصيغة الخادعة، يقالُ بأن الداء الذي لايقتلك يقويك،هل إكتسب العراق مناعةً ويصبحُ معافياً من الطائفية والعقليات الضيقة بعد سنوات عجاف عاشها المواطنون في ظل ثالوث الإرهاب والطائفية والفساد؟، العراق اليوم في مُفترق الطرق و لايفصلنا إلا أشهر قليلة عن نتيجة الإنتخابات القادمة حيث سيتضحُ هل العراق يخطو نحو طريق الديموقراطية أم سيبقى يراوح في مربع إعتبارات القومية والطائفية؟.