ترجمة حسين نهابة
واخيراً وصلت المكسيك.. بصبارها وافاعيها. المكسيك المُزهرة والشائكة، الجافة والعاصفة، بركان من الصور والالوان جذبتني بضوئها وشفافيتها.
تجولت فيها شبراً فشبراً من سوق الى سوق آخر، لان المكسيك الحقيقة في الاسواق وليست في الاغاني والافلام ولا في الصورة المزيفة للشارب والمسدس. المكسيك هي ارض المناديل ذات اللون القرمزي والفيروزي الفسفوري، بلد الاواني والاباريق والثمار الغافية تحت حشد من الحشرات.. حقل لا حدود له من الصبار المخصب بالفولاذ الازرق.
كل هذا تمنحك اياه اجمل اسواق العالم. الثمر والصوف، الآنية الفخارية والمنول، تبرهن على السلطان المدهش للأصابع المكسيكية.
همت على وجهي في كل شبر من ارض المكسيك بدءاً بسواحلها وانتهاءً بجروفها الصخرية… آخر البلدان الفاتنة بعراقتها وتأريخها، بموسيقاها وجغرافيتها. وديان شديدة الوعورة تقطعها جدران صخرية هائلة ، وبين الحين والحين الآخر تفاجئك تلال مرتفعة بمستوى واحد وكأنها مقطوعة بسكين. غابات استوائية شاسعة مليئة بالأعشاب والافاعي، بالطيور والاساطير.
لا اعتقد ان هناك بلداً في اميركا اللاتينية، وربما في الكون، يملك عمقاً انسانياً كبيراً مثل المكسيك ورجالها. ولا اخال اني بقادر على المقارنة يحضرني صيادوها، المراكز المنجية الاتجاهات التي تتدفق فيها المعابد الكاثوليكية كأنها صبار عملاق، الاسواق الغنية بالألوان والاذواق تصل الى حدها الاقصى.
تعد «اليوقطان» مهد اعرق السلالات في العالم، اذا لا بحر هناك ولا جداول ولا انهار سوى المياه التي تختبئ بجريانها في باطن الارض ثم تنبجس على حين غرة مُحدثة آباراً هائلة ومتوحشة. وقد وجد شعب «المايا» في هذه الآبار الارضية آلهة خصبة للعبادة، فقدسوها بشعائر غربية. اذ تصطف على حافات هذه الآبار آلاف الصبايا مُزينات بالذهب والفضة، ويرمين انفسهن، محملات بالحلي، من الأعالي الى الأعماق، بعد ان يقمن بالطقوس العرسية. ثم تطفو الزهور وتيجانهن على السطح، فيها تبقى العذراوات في الأعماق مشدودات السلاسل الذهب.
وقد استرجعت في الآونة الاخيرة كمية صغيرة من الجواهر بعدما ظلت قابعة تحت المياه آلاف السنين. وهي الآن معروضة في متاحف المكسيك واميركا اللاتينية.