هل ستدعو تركيا إلى إجراء انتخابات مبكرة؟

سونرچاغاپتاي

من غير المقرر رسمياً إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المقبلة قبل تشرين الثاني/نوفمبر 2019. ولكن في 8 كانون الثاني/يناير، أعلن زعيم «حزب الحركة القومية» دولت بهتشلي أن معسكره المعارض سيدعم رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة دون أي قيد أو شرط. ويأتي ذلك التعهد المهم في الوقت الذي تشير فيه نتائج الانتخابات الأخيرة إلى أن «حزب العدالة والتنمية» الذي يترأسه أردوغان غير قادر على الفوز بـ 50 في المائة من الأصوات في الانتخابات الوطنية وما زال يحتاج إلى حزب ثانٍ لتأمين حصوله على أغلبية برلمانية حقيقية. وإلى جانب التطورات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية الأخرى، يشير توقيت إعلان بهتشلي، الذي يبدو أنه سابق لأوانه، إلى أن قرار إجراء الانتخابات المفاجئة [العاجلة] قد يلوح في الأفق.
وإذا كان الأمر كذلك، من المرجح أن يسرع أردوغان إلى توطيد سلطته في الداخل، مما يعرض الديمقراطية التركية لخطر أكبر. ويمكن لواشنطن أيضاً أن تتوقع منه أن يتشبث بالسياسات الكردية قبل التصويت في الوقت الذي يتحالف فيه مع «حزب الحركة القومية» التركي، مما قد يؤثر على الشراكة بين الولايات المتحدة و«وحدات حماية الشعب» الكردية السورية في المستقبل القريب. لكن فور انتهاء الانتخابات العاجلة، من المفترض أن يتمتع بحرية أكبر للمناورة بشأن هذا الموضوع وغيره من القضايا القومية الساخنة.

لماذا يحث أردوغان على إجراء انتخابات مبكرة؟
من المقرر إجراء الانتخابات المحلية المقبلة في آذار/مارس 2019، أي قبل ثمانية أشهر من الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة. وعند التصويت في الانتخابات المحلية، يميل الأتراك إلى إيلاء قدر أكبر من الاهتمام إلى الشخصيات المحلية بدلاً من المنابر الحزبية الوطنية، لذلك غالباً ما يكون أداء الأحزاب الحاكمة ضعيفاً مقارنةً بأدائها في الانتخابات البرلمانية. فعلى سبيل المثال، حصل «حزب العدالة والتنمية» على 38.3 في المائة من الأصوات في الانتخابات المحلية عام 2009، مقابل 49.8 في المائة في الانتخابات البرلمانية عام 2011. لذلك قد يرغب أردوغان في إنقاذ حزبه من نكسة مماثلة في الجولة المقبلة.
وتتمثل إحدى الوسائل لتحقيق ذلك في إجراء الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية معاً في الشهر نفسه من العام المقبل. لكن قد يقرر أردوغان بدلاً من ذلك إجراء بعض هذه الانتخابات أو جميعها في وقت أبكَر بكثير استناداً إلى مجموعة من الدوافع المحلية والخارجية الأخرى وهي:
النمو الاقتصادي القوي: على الرغم من أن محاولة الانقلاب التي وقعت في تموز/يوليو 2016 وحالة الطوارئ التي تلت ذلك قد أضرت بسجل أردوغان الطويل من ناحية الازدهار المتزايد في تركيا، إلّا أنّ الأرقام لعام 2017 تشير إلى أن الاقتصاد قد نما أسرع بكثير مما كان متوقعاً، حيث كان مدفوعاً إلى حد كبير بالاستهلاك القائم على الائتمان والصادرات ومشاريع البنية التحتية الحكومية. وبحلول نهاية العام، ارتفع معدل النمو إلى 7 في المائة، أي إلى أعلى مستوى له منذ عام 2011. وقد يتطلع أردوغان إلى التمتع بهذه الفترة الاقتصادية القوية طالما تستمر عبر إجراء انتخابات هذا العام بدلاً من العام المقبل، مما يسمح له ولمرشحين آخرين من «حزب العدالة والتنمية» بأخذ الفضل لهم بهذا المشهد المالي المزدهر في الحملة الانتخابية، وربما إقناع بعض الناخبين بالتغاضي عن قضايا أخرى مثيرة للقلق.
نظام جديد ودي لرصد الانتخابات: أجرت تركيا انتخابات حرة ونزيهة منذ عام 1950، ولعبت لجان رصد الانتخابات دوراً هاماً في هذا الصدد من خلال مراقبة الأصوات وفرزها. وقد جرت العادة بأن يُعيّن أعضاء كل حزب مشارك في الانتخابات هذه اللجان، مما أدى إلى الحفاظ على التوازن بين بعضهم البعض وإلى ضمان الشفافية. غير أن «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» دفعا بنجاح في العام الماضي من أجل تغيير قانون الانتخابات في تركيا من خلال السماح للحكومة بتعيين معظم المراقبين.
عندما حصل أردوغان على تصويت مؤيد في استفتاء تركيا في نيسان/أبريل 2017 – الذي سيسمح له، من بين أمور أخرى، بتولي صلاحيات رئاسية على غرار السلطة التنفيذية في أعقاب الانتخابات الوطنية المقبلة – حقق ذلك بأغلبيةً ضئيلة بلغت 51 في المائة. وفي ذلك الوقت، أُثيرت ادعاءات واسعة النطاق حول تزوير الانتخابات. وبينما رفضها «حزب العدالة والتنمية»، بقيت الشكوك تساور العديد من الأتراك. وسيؤدي التغيير في سياسات اللجنة إلى جعل الرقابة الانتخابية أكثر صعوبةً بالنسبة للأحزاب المعارضة، مما قد يعطي أردوغان الحائل القانوني الذي يحتاجه لضمان تحقيق نصراً “نظيفاً” إذا كانت [نتائج] الانتخابات المقبلة قريبة مثل استفتاء عام 2017.
قضية القدس: على الرغم من أن أردوغان بذل قصارى جهده لإقامة علاقة جيدة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، إلا أنه سرعان ما انتقد قرار الرئيس ترامب في كانون الأول/ديسمبر المنصرم القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وبعد أن أعلن أن وضع المدينة “خط أحمر للمسلمين”، قاد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 18 كانون الأول/ديسمبر الذي يدين الرئيس ترامب والولايات المتحدة.
ونظراً لصمت أردوغان النسبي على السياسات الإقليمية الأخرى للإدارة الأمريكية (على سبيل المثال، الحظْر الذي فُرض العام الماضي على المهاجرين والزوار من بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة)، فقد يكون رد فعله الشديد على قضية القدس مجرد حيلة لتحفيز القاعدة المحافظة لـ «حزب العدالة والتنمية» قبل الانتخابات المبكرة. وكان أردوغان قد تولى مقاليد الحكم أولاً من خلال الدفاع عن المظالم الإسلامية المحافظة والسياسية ضد النظام السياسي العلماني.
وبالفعل، بذلت وسائل الإعلام المؤيدة لأردوغان جهوداً كبيرة لإظهار أن قرار ترامب حول القدس هو ظلم ضد جميع المسلمين، ولا سيما الأتراك. ففي الأول من كانون الثاني/يناير، نشرت صحيفة “ديلي صباح” مقالاً رئيسياً بعنوان “قرار القدس اختباراً للقادة المسلمين ونهاية آمال السلام”. وباختصار، يبدو أن أردوغان على استعداد لتبادل الركود على المدى القصير في علاقاته مع ترامب مقابل التقدم بصورة متعثرة بين الناخبين المحافظين الذين قد يدفعونه إلى الفوز الحاسم إذا أُجرِيَت الانتخابات في وقت مبكر.
المنافسون الجدد في جناح اليمين: من الناحية السياسية، تعتبر تركيا دولةً يمينيةً، حيث أنه منذ الانتخابات الأولى المتعددة الأحزاب في البلاد عام 1950 لم يتولى اليسار الحكم سوى لمدة ضئيلة دامت سبعة عشر شهراً. وقد كان «حزب العدالة والتنمية» الحزب اليميني المهيمن على مدى سنوات.
ومع ذلك، يواجه الرئيس التركي تحدياً جديداً من اليمين عن طريق حزب «إيي» أي «الحزب الجيد». فقد تركت ميرال أكشنار مؤخراً ، وهي التي كانت تشغل سابقاً منصب وزير الداخلية ونائب رئيس البرلمان، تركت «حزب الحركة القومية» من أجل تأسيس «الحزب الجيد» كحركة وسطية تميل إلى اليمين. ومن خلال استهدافها للجناح الأيمن لأردوغان، تشكل تهديداً كبيراً له، أكبر مما يمكن أن تشكله الأحزاب اليسارية. وبينما تُظهر استطلاعات الرأي أن «الحزب الجيد» يحظى بتأييد حوالى 10 في المائة من الناخبين، يدرك أردوغان جيداً أنه كلما حظيت أكشنار بوقت أكثر لبناء قاعدتها، كلما زاد احتمال أن تكون قادرةً على إثبات نفسها كبديل يميني مذهل وأن تنتزع بعض ناخبي «حزب العدالة والتنمية».
آليات الدعوة لإجراء انتخابات العاجلة
هناك سوابق كثيرة للانتخابات المبكرة في تركيا. فقد أُجْريت أكثر من مرة واحدة في التسعينيات، ودعا أردوغان نفسه أيضاً إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة عام 2011 من أجل استغلال الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد في ذلك الوقت.

وقد نصت التغييرات الدستورية التي تقررت في نيسان/أبريل 2017 على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في الوقت نفسه، وبإمكان البرلمان أو الرئيس أن يدعو الآن إلى إجراء انتخابات مبكرة (على الرغم من أن إجراء انتخابات محلية مبكرة يتطلب تعديل المادة 127 من الدستور). فعلى سبيل المثال، يمكن للبرلمان أن يقدم تاريخ انتخابات وطنية بأغلبية مؤهلة من 330 عضو من أصل 550 عضو في المجلس التشريعي – الأمر الذي يشكل عقبةً سهلة نظراً لامتلاك «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» ما مجموعه 352 مقعداً.
التداعيات على العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا
إذا دعت أنقرة إلى إجراء انتخابات مبكرة، فإن موقف تركيا من تعاون الولايات المتحدة مع «وحدات حماية الشعب» سيتصلب من دون شك، وذلك من أجل إرضاء القاعدة القومية التركية لـ «حزب الحركة القومية» ومنع أكشنار من اجتذاب الناخبين من «حزب العدالة والتنمية». وتبلغ نسبة أصوات «حزب الحركة القومية» حالياً حوالي 9 في المائة، أي أقل بقليل من العتبة البرلمانية البالغة 10 في المائة، لذلك من المنطقي للطرفين أن تقوم شراكة مع «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات المبكرة.

*سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن،

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة