الجسدنة بين المحو و الخط (1)
عبد الغفار العطوي
سأقصر الكلام حول نقطة واحدة هي تلك التي فقط تعلل لم اتجهت الباحثة هناوي نحو الاستفادة منها في كتابها( الجسدنة- – ) من دون ان تميز بين إشتغالها النقدي و الموضوع الذي تشتغل فيه ، من ناحية ان مصطلح ( النسوية) في عمومه ذو صفة سياسية يحدد العلاقة بين المذكر و المؤنث ( او الرجل و المرأة ) على مستوى الصراع بينهما و إن بدا إنه إشكالي و ينتابه الغموض(2) إلا ان استعماله بطريقة من الطرق يصب في هذا المنحى ، و ان الادب النسوي المنسوب إليه يتضمن تلك الاعمال التي تكتب من قبل مؤلفات و هو رأي شاع في ثمانينيات القرن العشرين و يجمع بين المؤلفة و الموضوع المعبر عنه من زاوية نظرها (3) و اما النقد النسوي ، فيختلف الامر ، لأنه يجب ان نفرق بين النقد الذي تمارسه الناقدة في عصرنا من عدة جوانب و بين النظرية النقدية المعاصرة، و يختلف النقد النسائي عن المدارس المعاصرة الاخرى للنظرية النقدية ، في إنه لا يستمد قواعده الادبية مستشهداً بنص منفرد او مجموعة نصوص مكرسة(4) إنما يعتمد على مناهج و نظريات في المنهج الثقافي و التحليل النفسي والمنهج السيميائي كمقاربات ، و ظهر النقد النسوي منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً، فهو فرع من النقد الثقافي الذي يركزعلى المسائل النسوية و هو الان منهج في تناول النصوص و التحليل الثقافي بصفة عامة ، و ينشغل بالمسائل المرتبطة بالجنوسة (5) و الناقدة النسوية او تلك التي تتبنى النقد النسوي ستواجه تاريخاً معقداً من النقد الذكوري الذي يبرع في تلفيفاته ، و النقطة التي أود بحثها في هذا الكتاب هي ان الباحثة هناوي و هي تتصدى لاطروحات الرجل أكانت تضع العلاقة (المذكر – المؤنث أو الرجل – المرأة ) في حسابها ؟و هي تحلل و تفكك خطاب الذكر ( جمال جاسم امين و نزار قباني ) على سبيل الحصر في علاقتهما في الشعر بواسطة فاعلية الجسد الانثوي( الجسدنة!) ما دامت هي تعترف في ( على سبيل الختام) ان المرأة نص مكتوب و قيمة وجودية مخصوصة و قراءة مقصودة و ليست جنساً ثانياً كما طرحته ما بعد الحداثة، و بذلك تطالب بفصل هذه الصورة عن الحديث عن ادب و نقد و كتابة نسائي (6) من دون ان تراعي رؤية و نظر و اعتقاد الآخر الرجل الذي يؤمن بأنه الجنس الاول الكلي برأي سيمون دي بوفوار(7) من هنا سأذكر ملحوظتين تخصان العلاقة بين الناقدة و النسوية
1- عندما تتعامل الناقدة مع النصوص التي يطرحها الرجل و تتعلق بموضوعة المرأة يصعب عليها الفصل بين ذاتها و النص الذكوري الذي هو بالاصل موجه للمرأة ، و ان تنصل المرأة الناقدة عن الايمان بغير ذلك بحجة التفاوت بين الناقدة النسوية و النسائية في الالتزام بمنهجية البحث الذي يميز بين النقد النسائي و النسوي لا يعفي كون المرأة حاجة ( في منظور النقد النسائي) او قيمة ( في النسويات ) و إن التبريرات التي تشكلها الانثى في الفصل بين الحاجة و القيمة لا يمكن للناقدة هناوي مهما صرحت بعدم انتمائها لتلك النسويات ، و تفضيلها النقد الاكاديمي الذي يقترح المقاربات الثقافية بدلا عن النقد النسوي في معالجته لطروحات الرجل في نقده وتفكيكه لموضوعة الانثى | المرأة و صراعها مع الذكر | الرجل
2-فكرة المحو و الخط لا تعني عملية الاستبدال التي تحدث بين فاعلية نقد الرجل و انفعالية نص المرأة او العكس ، سواء في الشعر او السرد، المهم ان تكون العملية تقابلية و ليست تماثلية ، فالناقدة النسوية ،تؤكد إن إحدى مهام المرأة التي تتعاطى النقد الادبي هو تحديداً ان ترسم حدود عالمها ،مع ادراكها الكامل بأن هذه الحدود تظل حدوداً متحركة ، و لعل الباحثة هناوي ادركت بحذاقة الاكاديمية و ليس بفطنة الناقدة النسوية ان إلصاق تهمة الناقدة النسوية بها سيورطها في فقدان إحدى ادوات النقد و التنقيب التي تمتلكها في توهين تلفيقات الرجل إزاء اختراقه للنصوص التي تنتجها المرأة ( في الفصل الثاني : الجسدنة و الشعر ص 99 ) حيث الجسدنة و الهوية الانثوية و القاسم المشترك بينهما الشعر الذي يبرز التبريرات التي تنتجها الانثى كوسائل دفاع تجاه مزاعم الرجل في قدرته على انتزاع المبادرة من المرأة ، و عليه نأت الناقدة عن شبهة الناقدة النسوية في الفصل الثالث الجسدنة الانثوية و السرد ص137
إحالات
1-الجسدنة بين المحو و الخط( الذكورية | الانثوية) مقاربات في النقد الثقافي أ-د- نادية هناوي الطبعة الاولى لبنان | كندا 2916الرافدين – بيروت
2- الرواية النسوية العربية مساءلة الانساق و تقويض المركزية د – عصام واصل دار كنوز المعرفة عمان الطبعة الاولى 2018 ص 19
3- المصدر نفسه ص 20
4- مدخل في نظرية النقد النسوي و ما بعد النسوية حفناوي بعلي الدار العربية للعلوم – ناشرون بيروت الطبعة الاولى 2009 ص 269
5- المصدر نفسه ص 294
6- الجسدنة مصدر سابق ص178
7- السرد النسوي العربي من حبكة الحدث الى حبكة الشخصية د- عبد الرحيم وهابي كنوز المعرفة عمان الطبعة الاولى 2016 ص 128
8- مدخل في النقد النسوي مصدر سابق ص 340