تسييس العشيرة !

لايمكن فصل الادوار التي تؤديها العشائر في المشهد السياسي في العراق ولطالما تشكلت هذه الادوار وتحددت ملامحها تبعا لمواقف الحكومات المتعاقبة في العراق ..تاريخيا كانت العشيرة النواة الرئيسة التي تتبلور فيها مواقف الرأي العام وتنبثق منها ردود الفعل تجاه الاحداث وقبل ظهور الاسلام تعرفت القبائل العربية في العراق على اولى اشكال التحالفات السياسية من اجل تثبيت معالم الاستقرار والدفاع عن مصالح القبيلة وتأمين استقرارها ونشاطها التجاري وعزز ظهور الاسلام دور القبيلة لكنه حاول ترصينه وتنقيته من معالم التعصب وتوظيف قدرات العشائر في سبيل تدعيم قوة الدولة الاسلامية وفي العهد العثماني لم يغفل العثمانيون اهمية الاعتماد على العشائر في تسويق احتلالهم والتلويح بالمغانم والمصالح تبعا لمواقف العشائر العراقية من بسط سلطة الاحتلال العثماني في المدن العراقية ومثل ذلك فعل البريطانيون ابان احتلالهم للعراق وفي كل هذه المفاصل لم يكن الوعي العشائري غائبا عن المشهد السياسي في العراق ولربما شكل تنامي هذا الوعي لدى عشرات الزعماء في العشائر العراقية من تحديد ملامح المقاومة والمعارضة للاحتلال ولم تستطع سلطة الاحتلال ولا انظمة الحكم الملكي والجمهوري الغاء او تهميش او اضعاف الحضور العشائري في تشكيل النظام السياسي في العراق ويؤكد المعنيون بالتاريخ الاجتماعي والسياسي لبلاد مابين النهرين ان النسيج الاجتماعي في العراق يتمحور حول العشيرة وتتجسد في هذه العشيرة عناوين الانتماء وتتشكل فيها كل مظاهر الرأي العام وان البلاد العربية عامة تحمل الهوية القبلية وتسود فيها اعراف وتقاليد القبيلة ولربما طغت في كثير منها هذه الاعراف على القوانين المرعية في هذه الدول وتبرز اهمية العشيرة في الازمات والحروب ويضغط فيها الحكام على العشائر من اجل تثبيت معالم الامن والاستقرار اكثر من اعتمادهم على القوات الامنية اما في الانتخابات فتتصاعد الجهود وتتسابق الاحزاب وتتنافس لاستقطاب دورالعشائر وكسب اصوات الافراد المنضويين تحت لوائها ومايهمنا هو ان تكون العشائر العراقية جزءا من مساحات الوعي الذي يتفاعل فيه الوطنيون والمخلصون من النخب العراقية بشتى عناوينها من الذين يرفضون الانجرار لمحاولات التسييس في كل مفاصل التنافس الانتخابي ويشوه العملية الديمقراطية ويحرفها عن مسارها التاريخي والوطني ومما يؤسف له ان الكثير من زعماء العشائر فضلوا الانغماس في هذا الدور على حساب وطنهم وعلى حساب قضايا مصيرية تهم شعبهم ..مايفتقده العراقيون اليوم هو الحضور العشائري المدعم بالمواقف تجاه الفساد وتجاه الانتهاكات الكبيرة من رموز العملية السياسية وتغافل بعض رؤوساء العشائر عنها وركونهم الى المصالح الفردية الضيقة ..ننتظر صحوة عشائرية وطنية وانهاء ملف تسييسها وتلوينها بالوان حزبية بما يعيد الصفحات المضيئة للدور الوطني الذي لعبته العشيرة في محطات بارزة من تاريخ العراق .
د.علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة