«معهد التقدم للسياسات الإنمائية» يستأنف نشاطاته بندوة استذكارية لاثني عشر عاماً من عمر المعهد

بعد وفاة مؤسسه الدكتور مهدي الحافظ

استأنف معهد التقدم للسياسات الانمائية نشاطاته بعد وفاة مؤسسه الدكتور مهدي الحافظ .. اذ عقد المعهد ندوة موسعة ضيف خلالها الدكتور مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء والسياسي الدكتور محمد الحاج حمود الوكيل الاسبق لوزارة الخارجية والمتحدث الرسمي لوزارة التخطيط ،عبدالزهرة الهنداوي وحضرها نخبة من الخبراء والباحثين والمعنيين بالشؤون الاقتصادية والسياسية والاعلامية ، وادار الندوة الشاعر والاعلامي العراقي شوقي عبدالامير
وخصصت الندوة لقراءة اثار المرحلة الماضية من عمر معهد التقدم للسياسات الانمائية خلال اثني عشر عاما منذ تأسيسه عام 2005

يوم وفاء وعهد
واستهل الشاعر شوقي عبدالامير الندوة بالقول ان هذا اللقاء يختلف عن كل ماعرفناه والفناه في هذا المعهد ، فهذا اللقاء يمثل وداعا ولقاء واستذكار ، فمنذ اثنتي عشرة سنة أي عام 2005 قرر الراحل الكبير مهدي الحافظ ان يؤسس معهد التقدم للسياسات ، مؤكدا ان الراحل لم يترك معهدا وحسب انما ترك عائلة كبيرة وهو انتم ايها الاخوة ، فهذا يوم ولقاء مختلف بمعنى الكلمة وهو وعد بالتواصل وان ما بناه الحافظ لن ينتهي بمجرد رحيله الجسدي عن هذا العالم .
صالح : الحافظ وضع مرتسماً للاقتصاد العراقي
بعدها تحدث الدكتور مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء ، مؤكدا ان الراحل الدكتور مهدي الحافظ وضع مرتسما لمستقبل الاقتصاد العراقي من خلال مذهب خاص وهذا المرتسم بدأت الحكومة تستفيد منه الان في تحديد مسار الاقتصاد الوطني ، مبينا ان هذا الاقتصاد غادر وصف المركزية الشديدة إلى دولة السوق ، وخلال العشرة سنوات الماضية كانت عبارة عن محطات اختبار في معهد التقدم ، فقد اعتمدت الدولة الثروة النفطية اساسا لتأسيس شيئا من العدالة من خلال التوظيف الهائل الذي تحول إلى سوق عمل ، وكان هم الدولة هو التوزيع وليس الانتاج ، فبلغ منتسبي الحكومة بجميع اصنافهم نحو 8 ملايين انسان وان متوسط دخل الموظف الحكومي هو ضعف متوسط دخل الفرد في الناتج المحلي الاجمالي ، وهذا ادى فقدان جدول اعمال التنمية وغياب الرؤية التنموية ، ومعنى هذا ان السوق لموجود هو سوق هش لانه ينشد الربح السريع الذي يندمج بالعولمة .. مشيرا إلى ان ذلك إلى هرب رؤوس الاموال ومنها البشرية فضلا عن الاموال ، ما ادى إلى استقرار دالة الانتاج خارج البلاد .

شروط تحقيق السوق الاجتماعي
واكد صالح ان اعادة دالة الانتاج إلى البلد يتطلب توافر ثلاثة شروط ، تحقيق السوق الاجتماعي وخلق دولة تشاركية ولا تنظر إلى السوق بانه ملحق لها فهناك 6 ملايين عامل في القطاع الخاص يمكن ان يرتفع العدد إلى 10 ملايين انسان وهذا يتطلب وجود رؤية واضحة في هذا الجانب .. مشيرا إلى ان هدف تحقيق العدالة من قبل الدولة المتمثل بالتوظيف كان يزداد كلما زادت ايرادات النفط فتضاعفت الرواتب عدة مرات ولم يعد بالامكان اعادتها إلى سابق عهدها بعد تراجع اسعار النفط ، .. والخطر يكمن في ان على القطاع الخاص مسايرة القطاع العام في زيادة الاجور وهذا غير ممكن ما ادى إلى العزوف عن العمل فيه والتوجه نحو القطاع العام .. مؤكدا ان البطالة لم تنخفض دون العشرة بالمئة بسبب المتلازمة الخطرة بين القطاعين العام والخاص .. مضيفا ان توجه الدولة اليوم هو نحو خلق السوق الاجتماعي ، والجانب الثاني هو تمويل السوق وهذا مصدر مهم للاقتصاد العراقي من خلال التنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط ، بالاضافة إلى حماية السوق .. مبينا ان الدولة تحتاج إلى عدد فاعل من الموظفين والقضاء على الفساد وادامة التنافسية داخل المجتمع الاقتصادي .. مؤكدا ان هذا الرؤية تبلورت داخل معهد التقدم للسياسات الانمائية بقيادة الدكتور مهدي الحافظ .

الحاج حمود : ثلاثة محاور سار عليها الحافظ
ثم تحدث السياسي الدكتور محمد الحاج حمود الوكيل الاسبق لوزارة الخارجية ، مؤكدا ان المرحوم الدكتور مهدي الحافظ كان يؤكد على ثلاث مسارات اساسية ، المسار الاول هو الاقتصاد بجميع فروعه ، والثاني هو محور الوضع السياسي الداخلي القائم على الطائفية والمحاصصة فكان هاجسه ان يثير هذا الموضوع والمناقشات حول خطره على المجتمع العراقي ، اما المسار الثالث فيتعلق بمحور العلاقات الدولية .
واشار الحاج حمود ان العلاقات الدولية تعتمد على علاقات العراق بالتيارات الدولية المؤثرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية والتيار الايراني والصراع بين الغرب والشرق وهذا الصراع ليس نظريا انما تدور احداثه في داخل الساحة العراقية لذلك فان العراق يعاني من هذا الصراع معاناة كبيرة ، فاميركا تعد العراق مركزا استراتيجيا مهما في الشرق الاوسط والعالم فهو مركز واقتصاد وثقافة ، ، وكذلك الحال مع ايران فهي تعد علاقتها مع العراق مهمة جدا ويهمها الاقتصاد العراقي ، وكان هذا الصراع من المحاور المهمة التي كانت تثار في معهد التقدم .. مؤكدا اهمية العلاقات مع ايران ومع اميركا ولكن على وفقا للمصالح المتبادلة وهذه الصفة شبه معدومة الان فالعلاقات هي من طرف واحد والجانب الآخر (العراق) ضعيف وينساق إلى الطرف الأول.
واضاف الحاج حمود ان العراق ورث من النظام السابق مشكلات كثيرة في مقدمتها الفصل السابع التي تسببت بالكثير من التداعيات ومنها قضية الكويت وايران ، وقد حدث التباس كبير في موضوع الكويت ، . مبينا ان مجلس الامن الدولي تدخل بنحو سافر في الشأن العراقي بموجب الفصل السابع ومن صور التدخل القرار 687 .. واصفا هذا القرار بالجريمة التاريخية الكبرى في تاريخ الامم المتحدة واجبر العراق على تحديد حدوده مع الكويت من قبل لجنة وفرض عقوبات قاسية على العراق ، لافتا إلى ان الفساد كان واضحا في هذا القرار من خلال التعويضات التي سرقوا خلالها مليارات الدولارات من العراق حتى الامين العام كوفي عنان سرق مبالغ كبيرة عن طريق احد اولاده
وتحدث الحاج حمود عن الملاحة في ميناء خور عبدالله ، مبينا ان اتفاقية الملاحة في هذا الميناء قسمت الميناء إلى قسمين بين العراق والكويت ، وان القسم العراقي ضحل لايصلح للملاحة للسفن وحتى الزوارق الصغيرة فيما يشتمل القسم الكويتي على الممر العميق الذي أنشئ في نهاية الثلاثينيات من قبل الحكومة البريطانية تمهيدا لانشاء ميناء ام قصر . .. مشيرا إلى اتفاقية الملاحة تتضمن تشكيل لجنة مشتركة لادارة شؤون الملاحة في هذا الممر ، ولا علاقة لهذه الاتفاقية بالحدود بين البلدين.
كما تحدث الحاج حمود عن علاقات العراق مع ايران .. مبينا ان الممر المائي بين البلدين اهمل منذ عام 1980 لحد الان والجهود الجارية الان هي اعادة الخط إلى ماقبل عام 1975 .. مؤكدا ان المفاوض اذا لم يكن مدعوما من حكومته سيفشل والتالي ستضيع سيادة البلد التي تقاس بالاشبار .. مبينا ان مشكلة العراق في شط العرب كبيرة جدا ، ولكن الاهم ان رئيس الوزراء داعم لجهود الحل والمعالجة .

تجربة مجلة الحوار ودور
الحافظ في انجاحها
إلى ذلك تحدث رئيس تحرير مجلة الحوار التي يصدرها معهد التقدم للسياسات الانمائية عبدالزهرة الهنداوي ، مستعرضا تجربته مع المجلة على مدى 12 عاما .. مبينا ان تجربة مهمة وغنية لان المجلة كانت تتبنى خطابا عراقيا وطنيا تنمويا وتدعو إلى حوار ناضج وتعنى بخيارات المستقبل .. موضحا انها على مدى 55 عددا منها نشرت الكثير من المقالات والتقارير والدراسات والبحوث واستطلاعات الرأي كونت بمجملها قاعدة مهمة للباحثين .. مضيفا ان المجلة استقطبت الكثير من الكتاب المهمين ولم تترك اي جانب من جوانب الحياة الا وتناولته بالبحث والتحليل ، ولهذا كان الجميع يترقب صدورها بلهفة لانها تمثل طبقا ساخنا وشهيا لقراءها لما تتضمنه من مواضيع وتقارير في غاية الاهمية
واكد الهنداوي ان مجلة الحوار ستستمر بذات النهج الذي اختطه لها الراحل الدكتور مهدي الحافظ الذي كان حريصا جدا على صدورها واختيار المواضيع التي تنشر فيها بعناية وحرص شديدين ، داعيا رواد معهد التقدم إلى تقديم كل انواع الدعم والاسناد للمجلة وللمعهد لمواصلة المسيرة التي بدأها الراحل الدكتور مهدي الحافظ

واقع ومستقبل معهد التقدم
هذا وشهدت الندوة ايضا مناقشة واقع وظروف معهد التقدم بعد رحيل مؤسسه الدكتور مهدي الحافظ .. وتعاقب في الحديث عدد من المشاركين وهم كل من الدكتور ابراهيم العبيدي ورئيس اتحاد رجال الاعمال راغب بليبل والخبير الاقتصادي باسم انطوان وسيدة الاعمال زينب الجنابي واختصاصية علم الاجتماع الدكتورة فوزية العطية والمهندس الاستشاري الخبير هشام المدفعي ورئيس منتدى المخترعين زيدون الساعدي ومستشار رابطة المصارف الخاصة سمير النصيري والخبير المصرفي كاظم ناشور والمستشارة القانونية هناء الخفاجي والخبير المصرفي عبدالباقي رضا والخبير الاقتصادي عبدالله البندر .
واكد جميع المتحدثين والمشاركين على ضرورة استمرار المعهد في عمله والمحافظة على استقلاليته والبحث عن مكان مناسب كمقر له ودعوة الهيئة العامة للمعهد لرسم السياسة المستقبلية للمعهد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة