سلام مكي
كتاب( فلسفة تعديل الدستور) لمؤلفه الدكتور( علي يوسف الشكري) الصادر عن دار الذاكرة للنشر والتوزيع في بغداد عام 2017، تناول الأحكام الدستورية الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا التي أثارت جدلا سياسيا وقانونيا واسعا بين الأوساط والنخب العراقية، إضافة الى تناوله أهم مسألة في الدستور الا وهي آلية تعديله. الكتاب، يتحدث عن تعديل الدستور بشكل عام، عبر اخذ اهم التجارب العالمية والإقليمية، إضافة الى تناول الشأن العراقي، عبر الحديث عن آليات تعديل الدستور المنصوص عليها في الدستور او التي يراها المؤلف طريقا للتعديل. الدساتير من حيث التعديل تقسم الى نوعين: دساتير مرنة ودساتير جامدة. والجمود والمرونة، يتحددان أما بالدستور نفسه او نتيجة للظروف السياسية التي يعيشها البلد، بمعنى ان الدستور مرن بذاته، لكن ظروف تطبيقه، تجعله جامدا. ولكون الكتاب يتناول الكثير من المسائل الدستورية الخاصة بتعديل الدستور لمختلف التجارب الدستورية العالمية والإقليمية، فإن قراءتنا للكتاب، ستقتصر على الفصل الأهم فيه وهو المتعلق بالدستور العراقي. المؤلف في هذا الفصل، استطاع ان يكشف عن موارد دستورية وسياسية، ربما كانت خافية عن المختص بالشأن القانوني. تحدث المؤلف عن موجبات او أسباب تعديل الدستور، وكل سبب، يبرز له مثالا مهما. فسبب سد القصور الذي يكشف عنه التطبيق او تستجد اليه الحاجة لاحقا، أبرز له مثال الدستور الأمريكي الذي تم تعديل المادة المتعلقة بعدد ولايات الرئيس. وهذا السبب تثار الحاجة له بعد مرور وقت على إقرار الدستور والعمل به، حيث تظهر تباعا عيوبه، ونواقصه، مما يستلزم المشرع صاحب الاختصاص بتعديل الدستور لسد ذلك النقص. ولكون الدستور وكما أشار المؤلف، هو صناعة بشرية وهذه الصناعة لا يمكنها بلوغ الكمال، مهما اجتهد المشرع في إقرار نصوص قادرة على استيعاب كل التفاصيل والقضايا التي تخص المجتمع والدولة، لكون ان نصوص الدستور تعالج قضايا اجتماعية لا تتطور وتنمو باستمرار بالتالي، لابد من ان تتطور النصوص التي تعالجها هي الأخرى. المؤلف اعتبر ان المادة 142 أولا من الدستور، هي اول المواد التي يجب ان تعدل، كونها تمثل الإشكالية الأبرز فيه. وهذه المادة هي التي وضعت الآليات الخاصة بالتعديل. إضافة الى ان هذه المادة، منحت المحاصصة والمكونات شرعية دستورية، وقانونية، بدلا عن إحلال المواطنة والمساواة في اشغال الوظائف التي تهم الشأن العام. حيث نصت هذه المادة على تشكيل لجنة نيابية ممثلة لكل المكونات الرئيسة التي عليها ان تقدم تقريرها الى المجلس على ان يتضمن التوصية بالتعديلات الضرورية الواجب إدخالها على الدستور. واعتبر المؤلف ان تعديل هذا النص ضرورة لازمة لتجاوز التوقيتات الزمنية.
موارد التعديل / التعديل العرفي
حمل هذا المشهد من الكتاب الآليات التي يمكن من خلالها تعديل الدستور ومنها:
أولا: الآلية الاستثنائية: وهذه الآلية تعني ان يتم التعديل وفقا للسياقات التي لم توضع ضمن الدستور، بل وضعت استنادا أما للعرف او للقضاء. وان سبب اللجوء الى هذه الآلية حسب المؤلف هو اما لسد الشاغر الذي تتركه السلطة المعنية بالتعديل، كأن تكون عاجزة عن التعديل، لطبيعة الدستور او لعدم وجود إرادة سياسية او شعبية لها. او يتم اللجوء اليها نتيجة لمصالح ضيقة، لا علاقة لها بالشأن العام، بمعنى استجابة لمصالح الفئة الحاكمة التي تكون اما اقلية او حاكم واحد. ففيما يخص التعديل العرفي، لم يخلُ الدستور العراقي من تعديل حسب رأي المؤلف عن طريق العرف، رغم جموده، وعدم إمكانية تعديله. حيث أشار الى ان المشرع، أي مجلس النواب وبطريقة العرف، عدل نصوص الدستور الخاصة بالشق الثاني من السلطة التشريعية وهو ( مجلس الاتحاد) حيث الغي هذا المجلس، رغم انه لازال موجودا في الدستور، لكن لم يعمل به لحد الان رغم مرور اكثر من عشر سنوات على وجوده في الدستور. وهذا برأيي أمر حسن، حيث ان مجلس الاتحاد يجعل من السلطة التشريعية ثنائية في محاكاة للنظام الأمريكي، وهو أمر لا مبرر له في ظل قيام مجلس النواب، بكافة الصلاحيات الرقابية والتشريعية، دون ان تظهر حاجة لوجود مجلس آخر. خصوصا وان وجود هذا المجلس يكبد خزينة الدولة تبعات مالية إضافية. وكذلك أشار الى مثال آخر على تعديل الدستور عن طريق العرف وهو ان العطلة التشريعية وحسب الدستور شهران في حين ان العرف جرى على ان تكون شهرا واحدا فقط. كما أشار الى الجانب الأكثر إشكالية في العملية السياسية والتي لم يتضمنها الدستور لكنها أصبحت مبدأ دستوريا لا يمكن تجاوزه، وان تسميته بالدستوري رغم عدم نص الدستور عليه، هو أي محاولة لخرقه يعد بمثابة خرق للدستور. وهي عملية توزيع المناصب بين الكتل السياسية والطوائف.
التعديل القضائي
برأيي ان هذا الجانب من الكتاب، اهم ما فيه ذلك انه تناول موضوعا مهما، وساهم الى حد كبير في تغيير مسار العملية السياسية. هذا الموضوع يتمثل بالأحكام القضائية التي أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا بخصوص القضايا التي عرضت امامها ومنها القضية الأهم: تفسير معنى الكتلة النيابية الأكثر عددا. ففي عام 2010 ثار خلاف بين كتلتين حول معنى الكتلة النيابية الأكثر عددا: هل هي التي تتشكل داخل البرلمان او التي نالت أكثر عددا من الأصوات؟ وقد جاء حكم المحكمة على انها الكتلة التي تشكلت داخل البرلمان وأصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عددا من الكتل الاخر. المؤلف يرى ان تفسير الدستور وهو اختصاص اصيل للمحكمة الاتحادية منحها له الدستور، يساهم الى حد كبير في تلافي النقص والجمود الذي يرافق نصوص الدستور. وان المحكمة الاتحادية نتيجة لهذا الاختصاص وللقرارات التي أصدرتها بخصوص تفسير العديد من النصوص الدستورية، ساهمت الى حد كبير بإزالة الغموض والابهام حول عدد من النصوص الدستورية. تلك التفسيرات ساهمت الى حد كبير، بإزالة الخلافات السياسية بين كتل كانت ترى ان تفسيرها للدستور هو الاصح من غيرها. ومن التعديلات التي حصلت على الدستور كما يراها المؤلف هو ان المحكمة الاتحادية اسقطت اختصاصا اصيلا لمجلس النواب ( حق المبادرة التشريعية) حين حكمت في قراراها المرقم 43/ اتحادية/2010 على ان مشروعات القوانين تقدم من خلال السلطة التنفيذية اما عبر الحكومة او عبر رئاسة الجمهورية. ففي الوقت الذي يفترض ان تكون السلطة التشريعية هي المعنية بتشريع القوانين، الا ان الذي حدث هو العكس، حيث يفترض ان تأتي مشروعات القوانين من السلطة التنفيذية، وان تكون تلك من قبل جهات مختصة داخل السلطة التنفيذية، كون ان تلك المشروعات قد ترتب التزامات مالية وسياسية، وان من يقوم بالإيفاء بتلك الالتزامات هي السلطة التنفيذية، لذلك فإن من حقها اقتراح مشروعات القوانين.
ان كتاب( فلسفة تعديل الدستور) وكما قلنا سابقا، كشف عن انساق دستورية وقانونية، مهمة، ينبغي الوقوف عندها، في مسألة تجاوز الجمود الكلي الذي يتصف به الدستور، سواء جاء ذلك الجمود من النصوص الدستورية التي تضمنها او جاء من الواقع السياسي الذي يشهده البلد.