2 -العبادي
انتصار الموصل، لم يكن ليتحقق من دون صاحب قرار عراقي يدير المعركة من دون سياسات رد الفعل وتلغيم الجسور وتصفيات الحساب والتخطيط لولاية حكومية بوصفها اولوية على سواها، وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي قد أذِن بالشروع في المعركة قبيل نهاية العام 2016 وسط تقديرات مضاربة عن الفترة التي ستستغرقها، بين خمس سنوات حسب تقارير غربية ومراهنين على داعش، وعام واحد بحسب متفائلين واستراتيجيين واقعيين، ممهدا لذلك ببرنامج اصلاحي طموح جرت ترجمته بقرارات «ثورية» نالت تأييدا كاسحا من قبل الملايين، قبل ان ينقلب عليه تحالف المحاصصة، وبسلسلة من الرسائل لفرقاء الازمة واصحاب العلاقة بما يجري في العراق، بمن فيهم دول الجوار والقوى الدولية، وكل ذلك تشجع الاعتقاد على ان العبادي ينأى بنفسه عن الاسلوب الذي استعمله سلَفه، نوري المالكي، في ادارة الملفات، وفي مقدمتها البذخ في صرف الاموال والميزانيات لحد الاهدار، عدا عن محاذير صناعة الاعداء، بديلا عن التركيز على عدو رئيسي ينبغي تعبئة الجهود لكسر شوكته وهزيمته.
لقد اخذ العبادي موقعه في قلب اللعبة، عن تصميم مبكر، او عن تعبير طبيعي لمنطق الاشياء، فهو صاحب القرار التنفيذي، ومنه، واليه، تعود رهانات المعركة، متعددة الاهداف والمستويات: ضد اغتصاب ثلث الاراضي العراقية. بمواجهة انهيار عائدات النفط الى اقل من النصف. ضبط خطوط التماس الطائفية. ادارة الشراكة السياسية مع الكرد. بناء قنوات حساسة ومحسوبة الكِلَف والنتائج مع كل من ايران والسعودية وتركيا والولايات المتحدة على تناقض مصالحها وتشابكها في العراق، ملفات الفساد والاصلاح وتحديات المحاصصة، استحقاقات الانتخابات والتحالفات.
العراق احوج ما يكون الى السلام، هذا ما كان يقوله العبادي في اكثر من مرة، وكان قد ابلغنا، نحن مجموعة من الاعلاميين، انه قال لأردوغان، لن اسهل للجيش التركي خوض حرب مع العراق مهما كلفني الثمن، وقال في مناسبة اخرى انه سيقص يده اذا ما وقعت على الترخيص بمجابهة حربية مع البيشمركة الكردية، كما يعرف الجميع رفضه للحل العسكري لفرض ترتيبات بحرية مع الكويت في ما تعلق بخور عبدالله، ويستطيع المتأمل لهذه السياسات ان يخلص الى ان نجاح رجل الدولة، وكما يقول كليمنس فون مترنيخ، السياسي النمساوي الشهير، يتوقف على حسن ادارته لمعركة السلام، وكان مترنيخ قد خسر جميع الحروب التي خطط لها ضد فرنسا لكنه كسب المعركة الوحيدة العام 1815 حيث طمأن اوروبا المتحاربة الى جدوى التعاون والتضامن ونبذ الحرب، والحق انه خدم مصالح الامم، فيما قبلت بها دول الاطماع الاستعمارية التي انهكتها الحروب.
معارك العبادي السلمية، ضد تدخلات الجيران وملفات كثيرة دخلت في عداد المعارك الناجحة، لكن ثمة استدراك هنا، فليس كل معارك السلام تنتهي بالانتصار، وقد يحسب البعض ان العبادي هزم في معركة الفساد «السلمية» لأن مبدأ الحوار والتفاوض لا يصلح مع مسؤولين ائتُمنوا على الاموال العامة فنقلوها باكياس القمامة الى منزلهم، ومنها الى قنوات الغسيل.
******
جون كيج- موسيقي امريكي:
«أستغرب من الناس التي تخاف الأفكار الجديدة، فأنا أخاف الأفكار القديمة».
عبدالمنعم الأعسم
إعادة تركيب ما جرى..
التعليقات مغلقة