دور العراق في مواجهة تمويل تنظيم «داعش»

(1 ـ 2 )
علي محسن العلاق

أود أن أسلّط الضوء على بعض المسائل المهمة في بلدنا العراق. أولاً وقبل كل شيء، أود أن أقول إنه بعد سنوات من الصبر والعزم والجهود المكلفة، تتجلى صورة واضحة للعراق. إنها صورة بلد يتمتع بقدرة متزايدة لإدارة شؤونه بطريقة عصرية للغاية وتنفيذ الاستثمارات الضرورية لضمان مستقبل أفضل. وخلال بناء دولة – عراق جديد سلمي – نحرز تقدّماً على عدة أصعدة، حيث أن الجبهتين الأمنية والاقتصادية هما الأبرز بينها.
لكن على الرغم من كل هذا التقدّم، ما تزال التحديات قائمة. فكل يوم تقريباً، وفقاً للتقارير الإخبارية الواردة من العراق يتجلّى الدعم العسكري الذي تتلقاه البلاد من شركاء أجانب. فالتحالف العسكري المتحد الذي يسعى لتدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» يضمّ 68 دولة. غير أن الدعم الدولي للعراق يتخطى الدعم العسكري ليشمل التعاون الاقتصادي والمالي أيضاً. فعملية إعادة الإعمار مدعومة من جهات معنية دولية رئيسية، ويأمل العراق أن يؤدي مؤتمر الجهات المانحة الذي سيُعقد في الكويت خلال الأشهر المقبلة إلى مساعدة البلاد. وبالفعل، تسبّب الصراع مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في حدوث اضطرابات واسعة النطاق، شملت ظهور نحو ثلاثة ملايين شخص مشردين داخلياً.
والآن، إذا ما أمعنا النظر في صورة الاقتصاد الكلي، أود التحدث عن بعض المؤشرات من أحدث تقرير صدر عن «صندوق النقد الدولي» في أيلول/سبتمبر 2017. فوفقاً لتقرير «الصندوق»، ما يزال التضخم منخفضاً للغاية عند ما دون 1 في المائة، وكان [نمو] «الناتج المحلي الإجمالي» الفعلي يناهز 11 في المائة في عام 2016. أما ميزان المدفوعات الإجمالي، فكان أفضل من البرنامج خلال النصف الأول من عام 2017. وكذلك، تراجع الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي والموازي من 10 في المائة في كانون الأول/ديسمبر 2016 إلى 6.7 في المائة في أيلول/سبتمبر 2017. ونجح العراق في إصدار سندات «اليورو» بقيمة مليار دولار أمريكي في مطلع آب/أغسطس 2017، وحظي بطلب من المستثمرين ناهزت قيمته 6.7 مليار دولار – مما يشير إلى توقعات ائتمانية إيجابية جداً للبلاد. وحتى الآن، تجاوز المخزون من إجمالي احتياطيات «البنك المركزي العراقي» القاع المتفق عليه في البرنامج بنحو 4 مليارات دولار لعام 2017. وبقي الدين العام الإجمالي دون السقف المقترح في البرنامج.
وكانت الحكومة، التي تأثّرت كثيراً بسبب هبوط أسعار النفط وظهور تنظيم «الدولة الإسلامية»، قد باشرت بتطبيق برنامج للحفاظ على المالية العامة من أجل المحافظة على الديون والاستدامة الخارجية. ونظراً إلى توقعات أسعار النفط الحالية وتطبيق الحفاظ على المالية العامة و»اتفاقات الاستعداد الائتماني»، ينبغي إزالة العجز في الحساب المالي والحساب الجاري بحلول عام 2022، وهو أمر يسير وفقاً للجدول الزمني المحدد للبرنامج.
تجدر الملاحظة إلى أن «البنك المركزي العراقي» ملتزم بإبقاء ربط عملته بالدولار الأميركي؛ علماً بأن هذا الربط يوفّر ركيزة اسمية أساسية في بيئة غير مستقرة إلى حدّ كبير حيث تتأثّر قدرة السياسة بالصراع مع تنظيم «الدولة الإسلامية». وكان «البنك المركزي العراقي» قد رفع جميع القيود المفروضة على أسعار الصرف وممارسات العملات المتعددة. ومن أجل الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، تلتزم الحكومة بمواصلة مساعيها في الحفاظ على المالية العامة لجعل الإنفاق متوافقاً مع الموارد المتاحة في عام 2017. وبغية تقليص أثر الحفاظ على المالية العامة على السكان، ستواصل الحكومة حماية النفقات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم وشبكات الضمان الاجتماعي.
والآن، أود أن أتحدث عن أداء «البنك المركزي العراقي» خلال أوقات عدم الاستقرار، في بيئات مضطربة. ربما لم أكن محظوظاً جداً عند انتقالي إلى «البنك المركزي» في نهاية عام 2014، لأننا واجهنا صدمتين كبيرتين: إحداهما، كما تعلمون، تنظيم «الدولة الإسلامية»، والثانية الانخفاض الحاد في أسعار النفط. فقد تراجعت هذه الأسعار خلال عام 2015 بنحو 40 في المائة وفي عام 2016 بنسبة 70 في المائة. لذا شكّل ذلك تحدياً كبيراً وفعلياً بالنسبة لـ «البنك المركزي العراقي». وبسبب جميع هذه التحديات، انتقلنا في «البنك المركزي» من الاستقرار النقدي إلى الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي من أجل التعامل مع التحديات التي أسفرت عنها هاتان الصدمتان. وقد اتخذنا العديد من التدابير ذات الصلة. على سبيل المثال، عملنا جاهدين مع الحكومة من أجل تخطي الصعوبات المالية في تلك الفترة من خلال التيسير الكمي. ونتيجةً لذلك، خصم «البنك المركزي» سندات خزينة من الحكومة تناهز قيمتها 20 مليار دولار حتى الآن، وهو مبلغ كبير قياساً بإجمالي الميزانية الوطنية. كما شملت الخطوات المتخذة تحسين القطاع المصرفي الخاص ودعمه، وحماية القطاع المالي من الجرائم المالية وغسل الأموال، وكذلك تطوير الإستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال ومواجهة تمويل الإرهاب. وقد نتج عن هذه الأخيرة تطوير الإستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتطبيق هذا القانون ضمن «البنك المركزي» وكذلك إنشاء مجلس مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الوطني. وفي هذا الصدد، أعتقد أننا قمنا بالكثير مع شركائنا الدوليين في أوقات عصيبة للغاية بغية مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة