« محمد الملا عبد الكريم المدرس «

عامر الدلوي

ولد محمد الملا عبدالكريم المدرس في مدينة بيارة التابعة لمحافظة حلبجة بتاريخ 14مارس 1931م . والده العلامة الشيخ عبد الكريم بن محمد بن فاتح بن سليمان المدرس المشهور بالشيخ عبد الكريم بيارة مفتي العراق السابق، من أعلام العراق وكردستان، فقيه، ومحدث، ومفسر، وأصولي، ومتكلم ولغوي، وأديب، وهو كردي الأصل .
عاش في بيارة حتى سنة 1952 ثم ارتحل مع أبيه إلى مدينة السليمانية على إثر خلافات فكرية وسياسية مع المحيط الديني السائد إذ ذاك نتيجة لتأثره بأفكار الشيخ محمد عبده و السيد جمال الدين الأفغاني التجديدية التي كانت تصدم الواقع العام يومها . عمل منذ شبابه في الصحافة، الكردية والعربية، و نشرَ العديد من المقالات والأشعار في الصحف العربية والكردية كصحيفة بغداد، وصحيفة ژين وغيرها ، ومن قبل ذلك نشرَ مجلة دينية سياسية في مدينة بيارة باسم (العروة الوثقى ) تيمنا وتأثراً بالمجلة التي كان يصدرها الأفغاني وتلميذه محمد عبده . ربطته وَشِيجَة صداقة حميمة بالشاعر الكردي الكبير عبدالله كوران. وتعرف من خلاله على الأدبيات الشيوعية وأصبح عضواً نشيطاً في الحزب الشيوعي عام 1953 «. « 1»
وفي هذا المجال أذكر أن الفضل الكبير لتعزيز معرفتي الشخصية بهذا الفكر و تنميتها يعود لمهندس كردي أسمه « بهزاد « كان يعمل في بلدية مدينتي « المقدادية « كمهندس كهرباء , و في سلسلة الأحاديث المتبادلة كان يسألني أين أمضي وقتي في زياراتي المتكررة لبغداد , فكنت أجيبه معظم الوقت أمضيه في دور السينما و الذهاب إلى الملاعب , فقال لي ذات مرة هل أدلك على مكان تشاهد فيه الأفلام السينمائية الهادفة و تحضر ندوات فكرية و ثقافية و تمارس هواياتك في لعب تنس الطاولة و الشطرنج و مكتبة كبيرة تقرأ فيها ما شاء من الكتب ويسمح لك بأخذ بعضها معك و كل هذا مجانا ً دون أن تخسر ما تجمعه من إجورك الأسبوعية , قلت و أين يكون مثل هذا المكان قال في شارع أبي نؤاس و أسمه « المركز الثقافي السوفياتي « .
في أول زيارة لي هناك لم يكن موجودا ً ضمن المنهج اليومي عرض سينمائي بل كانت محاضرة يقدمها شخص أسمه « محمد الملا عبد الكريم « حول « أسس علم الجمال وفق مفهوم نظرية ماركس « فقررت حضورها , و منذ تلك الساعات الجميلة التصق أسم هذا الرجل في خلايا دماغي بما كان يحمل من كم معرفي سهل له إيصال مضمون محاضرته إلى الحضور الذي أستمر لمدة أكثر من ساعة يومها يطرح الأسئلة و هو يجيب عليها بمقدرة و حنكة أدبية بالغة .
كانت تلك المحاضرة الحافز الأكبر لي لتكرار زياراتي للمركز لعلي أستزيد من ما يملكه هذا الرجل من ملكات أدبية و علمية لكن لم تسنح فرصة أخرى , و بسبب ذلك التكرار أستمتعت بمشاهدة العديد من الأفلام السينمائية و العروض المسرحية لفرقة مسرح « الصداقة « التي كان يديرها الفنان الرائع « أديب القليه جي « والتي كانت تقدمها على قاعة ذلك المركز .
لكني ظللت متابعا ً لكل ما يطرحه المرحوم « محمد « في كل مقالاته سواء في « طريق الشعب « أو « الفكر الجديد « جريدتا الحزب الشيوعي العراقي أيام تحالف ذلك الحزب مع البعث في ما سمي يومها « الجبهة الوطنية . و تعرفت بعد ذلك على جزء يسير من مؤلفاته التي تأتي في مقدمتها تحقيقه لديوان « شيرين و خسرو « للشاعر « خانا قبادي « الذي بلغ عدد أبياته الشعرية 5526 بيت , المكتوب باللغة الهورامية المعاد طبعه من قبل المجمع العلمي الكردي عام 1975 .
« لاتخلو أمة من الأمم من النخب الثقافية ، وحال المجتمع الكردي شبيه بحال المجتمعات الأخرى . ومن يقرأ تاريخ الشعب الكردي يجد هناك رموز ثقافية – من أمثال ابن المستوفي وابن خلكان وابن سيرين قبل خمسة قرون – كان لها دورها المشهود في عصرها . ونفس الحال مع الشعراء الكرد القدماء من أمثال : بابا طاهر الهمداني في القرن العاشر ، وملا جزيرى في القرن الخامس عشر واحمدي خاني في القرن الثامن عشر ، والشعراء نالي وسالم وكوردى وحاجي قادر كويى في القرن التاسع عشر ، الذين تميزوا بابداعاتهم في الشعر الكلاسيكى الكردي , ومن الشعراء الكرد المحدثين في القرن العشرين من أمثال : كوران والشيخ نوري الشيخ صالح ورحيم رحمي الهكاري وقـدري جـان وجكـه ر خويـن ودلـدار وديلان وكامران موكري وفائق بيكـه س وآخـرون .
ظل هؤلاء يعانون من عدم طبع دواوينهم لغاية الربع الأخير من القرن الماضي هذه المرة لأسباب مالية وسياسية وطباعية ، ولكن هذا الحال كان يحزُ في نفس بعض الكتاب والمثقفين الكرد المخلصين ، وفي مقدمتهم الاستاذ محمد ملا كريم الذي كان يدون ويحتفظ بأية قصيدة تنشر لهؤلاء الشعراء ، ويبذل قصارى جهده للحصول على مسودات قصائدهم متأملاً أن تَحِلَ عليه فرصة سانحة فيما بعد ، أو أن تنفرج الأمور السياسية وتُزال العقبات المالية حتى يُشمر عن ساعديه ويبادر بطبع ما تحت يديه من مسودات شعرية كردية ثمينة . « 2 «
رحم الله الإستاذ « محمد الملا عبد الكريم المدرس « الذي أرداه المرض طريح الفراش في أواخر سنوات عمره ، وتوفي بسببه في مدينة السليمانية صبيحة الثني عشر من آذار2017، ودفن في مقبرة سيوان بجانب مقبرة الشاعر الكردي الكبير گوران و الذي ترك بوفاته فراغا ً كبيرا ً في مجال الثقافة الموسوعية في الساحة الثقافية بما تركه خلفه من مؤلفات تجاوزت المائة كتاب إضافة للعديد من المقالات المنشورة باللغتين العربية و الكردية التي كان ممكنا ً أن تكون أكثر من ذلك لو توفرت له ظروف معيشة أفضل من كثرة ما عاناه من ضمن المعاناة العامة لشعبنا بكل فئاته و طوائفه تحت ظل الحكم الدكتاتوري الفاشي .

1 – الموسوعة الحرة / عادل كرمياني – جريدة المدى .
2 – عادل كرمياني – جريدة المدى .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة