محمد صبري
«لا يمكن الوثوق بالمحاكم القطرية»، هي شهادة د. نجيب النعيمي، وزير العدل القطري السابق، في إفادة خطية مشفوعة بقسم لصالح مراسل قناة «الجزيرة» الإنكليزية السابق محمد فهمى الذي رفع دعوى قضائية ضد القناة التي كان يعمل لحسابها في محكمة كندية في أيار/مايو 2015 مطالبًا بتعويض عدة ملايين من الدولارات. وقد رفع المحامون الذين يمثلون قناة الجزيرة، الممولة من قبل الأسرة الحاكمة، دعوة اختصاص قضائي في محاولة لتحريك المحاكمة إلى قطر. فهل سيخضع فهمي، الذي أمضى 438 يومًا في السجون المصرية بتهمة التآمر مع جماعة «الإخوان المسلمين» وبصفته موظفًا في مكتب «الجزيرة» الناطق باللغة الإنكليزية في القاهرة، لمحاكمة عادلة في قطر؟
هذا ولا يعتقد الخبراء القانونيون الثلاثة الذي يشهدون في قضية فهمي – بما فيهم النعيمي- انه سيحظى بمحاكمة عادلة في حال مقاضاة القناة أمام المحاكم القطرية. وفي الدعوى ومستندات القضية المؤلفة من 500 صفحة، يتهم فهمي «الجزيرة» بسوء التمثيل وبانتهاك العقد والإهمال، ما أدّى إلى سجنه ظلمًا. ويدعي أن القناة تآمرت مع عناصر من جماعة «الإخوان المسلمين» وطلاب ينتمون إليها، وزودتهم بأجهزة البث بطريقة غير قانونية وغير أخلاقية، في وقت لم تزودهم هو وزميليه بيتر غريست وباهر محمد بأي معلومات حول ذلك.
ويشمل الملف الدقيق إفادة خطية مشفوعة بقسم من أحد كبار موظفي قناة الجزيرة، كما يتضمن نسخة لمحادثة مسجلة بين أعضاء في الجماعة وبعض الطلاب المتهمين بالتآمر مع جماعة إرهابية وفبركة أخبار ظهرت على قناة الجزيرة. وقد نفى فهمي وزملاؤه أي علاقة لهم بالطلاب المتهمين ونفى أيضا علمه بالتواطؤ غير القانوني والمنهجي للشبكة مع غير الصحفيين والناشطين وعملاء الإخوان. وقد أشار فهمي إلى الأدلة المستخدمة ضد الطلاب بالإضافة إلى شهادات من موظفي الجزيرة السابقين لدعم مزاعمه واتهاماته الموجهة إلى الشبكة الإعلامية بأنها تآمرت مع الجماعة المصنفة إرهابية في مصر وروسيا وسوريا والسعودية والإمارات.
ويتضمن الملف أيضا نسخة من مكالمة هاتفية مسربة بين حمد العطية، المستشار الخاص لأمير قطر، وأحد الشخصيات البحرانية الهاربة والمصنف كإرهابي. وقد استجاب العطية لشكاوى الرجل ووعوده ببث الحملة التي شنتها الحكومة على المتظاهرين الشيعة في عام 2011 على قناة الجزيرة.
وقال العطية: «سأجعل أحد صحفي الجزيرة يتصل بك تحت اسم مستعار للحصول على جميع المعلومات المطلوبة»، وذلك قبل أن يقوم الرجل البحريني بمشاركة رقم هاتف المصدر الذي سيتم الاتصال به.
وفي مقابلة هاتفية أجريتها مؤخرًا مع فهمي، قال لي: «الكثير من الشبكات الإعلامية متحيزة. وما تفعله «الجزيرة» هو رعاية جماعات مصنفة إرهابية على غرار «جبهة النصرة» و»الإخوان المسلمين» وحتى تنظيم «القاعدة».»
إنها ليست المرة الأولى التي تُتهم فيها شبكة إعلامية بتخطي الخطوط المرسومة، وتعريض حياة الصحافيين لخطر وتشويه مفهوم صحافة المواطن من خلال السماح لمواطنين من غير الصحافيين وذوي انتماءات سياسية بمساعدتها على نقل الخبر – وهو اتجاه اعتمدته الشبكة في العديد من الدول.
وفي عام 2012، صرّح على هاشم مراسل سابق لقناة «الجزيرة» الناطقة باللغة العربية كان يتخذ من بيروت مقرًا له خلال ذروة الانتفاضة السورية، لقناة «روسيا اليوم» بأن القناة هرّبت هواتف لاسلكية تصل قيمتها إلى 50 ألف دولار «للمتمردين» من أجل الحصول على صور ومشاهد من داخل الدولة التي مزقتها الحرب.
كما لدي تحفظات على سير عملية تحرير الأخبار وجمعها، بعد إعداد مقالات مستقلة لقناة «الجزيرة» الناطقة باللغة الإنكليزية حول الصراع الدائر بين مسلحين إسلاميين وقوات الأمن المصرية في بلدتي العريش، في محافظة شمال سيناء في مصر. ولم تنقل القناة الأخبار من زاوية واحدة تصب في مصلحة تنظيم «الدولة الإسلامية» وفروعه في سيناء فحسب، إنما وفرت أجهزة للبث وأوكلت إسلاميين غير صحافيين في الحي الذي أقطنه بتصوير الهجمات على الجنود وإرسال الأشرطة إلى مقرها الرئيسي في الدوحة لقاء مبالغ مالية.
ويعتقد فهمي أن مقاضاة «الجزيرة» بعيدًا عن المحاكم المسيّسة وبيئة التجاذبات السياسية السائدة في الشرق الأوسط ستسمح للطرفين بعرض قضيتهما بشكل عادل. ومن المقرر أن تعقد جلسة الاستماع الأولى التي تتناول مسألة الاختصاص القضائي في صيف عام 2018 في فانكوفر، حيث سيتم استجواب الخبراء القانونيين من كلا الجانبين وفهمي نفسه خلف الأبواب الموصودة.
في هذا الإطار، قال فهمي: «بصفتي صحافيًا سابقًا، انصبّ تركيزي لما يقارب العقدين من الزمن على انتقاد أخطاء الحكومات وسرد روايات تحدث فرقًا»، مضيفًا: «إن سعي إلى الحقيقة اليوم لا يقوم على مبدأ نسب المقال لكاتبه. كمواطن عادي، أسعى إلى الحرص على محاسبة الشبكة على الفظائع التي لا تزال ترتكبها تحت قناع حرية الإعلام».
وفي شهادته لصالح فهمي، أشار وزير العدل السابق النعيمي إلى المشاكل التي اختبرها خلال دفاعه عن الشاعر القطري الشهير محمد العجمي الذي حُكم عليه بالسجن المؤبد في 2012 في محاكمة سرية بسبب إلقائه قصيدة «انتقد» فيها الحاكم القطري السابق. وقد أصدر الحكم بحق الشاعر، الذي لم يكن حاضرًا في قاعة المحكمة لحظة إعلانه، القاضي نفسه الذي حقق في قضيته لستة أشهر قبل إحالته إلى المحكمة – ما يُعتبر انتهاكًا فادحًا لحقه بمحاكمة عادلة، بحسب تقييم النعيمي للنظام القضائي في بلاده. وقد صدر عفو بحق العجمي في 2016 بعد استنكار دولي من الجماعات الحقوقية والأمم المتحدة.
وقد تم منع النعيمي نفسه من مغادرة قطر في وقت سابق من هذا العام في انتهاك واضح لحقوقه الإنسانية – وهو خرق أطلقت عليه منظمة العفو الدولية حظر سفر «غير مبرر وتعسفي».
النعيمي، هو رجل ثرى كان مقربا من الدوائر القطرية الحاكمة، وكان بين الفريق الذي دافع عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. لقد كان مؤخرا معارضا لسياسات قطر الخارجية وينتقد دعمها لمجموعات مثل جماعة الإخوان المسلمين. ووفقا لتقرير منظمة العفو الدولية، فإن تغريداته قد تكون سببا لحظره.
ويأتي رفع الأختام عن مستندات قضية فهمي وجعلها علنية بعد أربعة أشهر على فرض السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارًا جويًا وبحريًا وبريًا غير مسبوق على قطر. وقد قدم زعماء الدول الأربع لائحة مطالب إلى القطريين قبل إطلاق أي مفاوضات، بما فيها إقفال قناة «الجزيرة» وتغيير سياسة الدوحة الخارجية لتوقف تمويل ودعم الجماعات المنصفة إرهابية على غرار «حماس» و»الإخوان المسلمين» و»جبهة النصرة».
*منتدى فكرة هو مبادرة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.