الدكتاتور فنّاناً

كتاب “الصباح الجديد” عن تأريخ لم يطوَ(الدكتاتور فنانا) لرياض رمزي
الحلقة 11
هل يمكنك أن تقرأ طوال خمسين سنة، وتعبّ مئات الروايات والمخطوطات ودواوين الشعر وكتب علم الاجتماع والدراسات المستقبلية، وأن تصبر على إكمال قراءة مجلد موبي ديك العقد والمتشابك، وتفكك خطب صدام حسين ومؤلفات اسحاق دويتشر وبرزان التكريتي والمركيز دي ساد ونيتشة وأمهات كتب التراث، بثلاث لغات حية، العربية والإنكيزية والروسية ثم تؤلف كتابا واحدا لا تتجاوز صفحاته على المائة والأربعين صفحة عن شخصية صدام حسين هي خلاصة كل ما قرأتَ وتأملتَ، إذ يتدحرج الفنان الدكتاتور، أو الدكتاتور الذي تفنن في تدمير كل من ألقاه حظه العاثر في طريقه، وتجبر على الله ومخلوقاته، وانتهى مثل هذه الأيام، قبل أربعة عشر عاما، الى خارج المعادلة بعد أن تسببت حماقاته في كل ما حل بالعراق من كوارث.
يقول الكاتب رياض رمزي في مقدمة كتابه (الدكتاتور فنانا)
بالرغم من أن العراقيين، على عكس الشعوب الأخرى، لا يعدون ظاهرة العنف حالة طارئة في تأريخهم، فأنهم مع اطراد الكوارث المفجعة كثيراً ما يتساءلون : أي لعنة خيمت عليهم ؟ وأي جريمة اقترفوها كي تسير الحياة السياسية لديهم يدا بيد مع القتل؟ما هو سبب هذه التراجيديا التي بدأت تقود الى اعتقاد سطحي لدى البعض يتمثل في تسمية مبسطة يطلق عليها عادة “سوء الطالع ” هل هو التأريخ الطويل للقتل السياسي أم أرواح شريرة سكنت هذه الأرض؟
كيف تنكل بأقرب الناس إليك؟ سؤال لا يجيب عنه إلا رواة الدراما.. أبرياء يطلبون الغفران ومذنبون ينفذون أحكام “العدالة”

فور تسلم صدام حسين السلطة العام 1979 جمع ملاكات حزبه من غير علمها بسبب الاجتماع. كان ذلك قمة الاداء الدرامي عندما اعلن ان هناك مؤامرة اكتشفت وان الجناة يقفون في هذه القاعة بين الحضور. “الا ما اعمق هذه الخيانة ، وما اشد هذا التردي؟”، كلمات اطلقها امام الجمهور ، المذهول من الخبر الصاخب من طلب الغفران عملا غير مناسب، وألمحتا الى شكل القصاص الاتي. كان هناك شخص يرتجف امامه وهو يدلي باعترافات وهمية عن اشخاص فوجئوا بأنهم متآمرون ، في نوع من المتعة في مشاهدة اكتشاف البريء انه مجرم. (انه نوع من الشغف بمفاجأة الاخرين عن طريق انزال الالام بهم من دون علمهم . كان يوصي بتصوير افلام عن اشخاص تقطع ايديهم وهم تحت تأثير المخدر كي يشاهدهم عندما يستيقظون ويكتشفون انهم باتوا بذراع واحدة. انه هو من فاجأ الكويتيين بدخوله بلادهم) .كان يجلس متكئا على كرسيه جلسة قضاء محاكم التفتيش وهم يستعرضون طابورا من الزنادقة امامهم كان يدخن السيجار مع دمعتين تحملان في الظاهر خيانة الاصدقاء ، وفي الجوهر الدهشة بتجربة سلطته الجديدة ، عندما تحولت اشاراته الى سبب لحياة اخرين وموتهم. وسيظل طوال اعوام سلطته المديدة رهنا لتلك الدهشة. كان عليه ان يؤسس خمسة اجهزة للقتل تحول ايماءات رأسه واشارات يديه او حركات اعصابه الى واقع ملموس. قال البيان الرسمي ان اجهزة الدولة كانت تعرف تحركات المتآمرين لكن الدمعتين المسفوكتين تتطلبان اعادة السؤال ثانية: لماذا جاء بالبريء وادخله في الشرك دون ان يدرك ذلك حتى وجد الفخ مطبقا على كاحليه؟ كيف كان يتمتع برؤية البريء وهو يجد نفسه ضالعا في مؤامرة يسمع بها للمرة الاولى؟ ولماذا عين اشخاص ضالعين في المؤامرة في مناصب مهمة قبل قتلهم؟ لماذا كان يرفع اشخاصا الى اعلى المناصب، ثم وهي في احلى حالات زهوهم يأتي شخص ومن دون توقع او تخطيط يدحرجهم من اعلى القمة ؟ هل للامر علاقة بالحقيقة التالية: كلما كان الصعود اعلى رنينا كان السقوط اكثر دويا؟ هل هي متعة لا تضاهى ان يخرج الاخرون مضعضعي الحواس ليتذكروا مدى الحياة الطريقة التي اطاح بها اعلى سنبلة؟
اول احتفال بالقتل شهدته البلاد كان اعدام مجموعة من الأشخاص وتعليقهم في الساحات العامة. ثم اعدام 37 في ما يسمى مؤامرة الراوي. وهي محاكمة استمرت يوما واحدا اعلن بعدها تنفيذ حكم الاعدام بالاسلحة نفسها التي وجدت بحوزتهم . لماذا اعدموا بالاسلحة نفسها؟ هل جرى ذلك عملا بالاية “كيدهم يرتد الى نحورهم؟” هل هو موروث قبلي يأنف فيه القاتل من قتل غريمه لو ضاعته؟ كلا. انه القتل/ الرسالة/ الذكرى.
عندما اغتال صدام حسين قائدا شيوعيا بارزا اسمه شاكر محمود دهسا بسيارة لا تحمل رقما فأنه كان يتصرف مثل شخص يرسل رسالة الى شخص اخر بخط غريب ولا يضعها في المكان المخصص للرسائل بل سيجدها المستلم في صندوق الخبز او في جيب بذلة زفافه او على طاولة المطبخ في الصباح او مدسوسة في مخدع الزوجية. اليست غرابة الاشارات هي التي تثبت في النفوس وجود الله ثم مخافته؟ الجميع سيعرف في اليوم التالي ان سيارة لا تحمل رقما اجهزت على معارض. كان في اليوم الذي يلي القتل ، يلجأ الى اطلاق مئة سيارة لا تحمل رقما تجول عاصمة البلاد في عملية شبيهة بأطلاق مجموعة ذئاب تشتم الرصيف ، تعود بعدها الى اوكارها من دون ان تفترس احدا . حالما ينحدر الوضع نحو الرتابة ويشعر ان اثر فعلته الاولى قد امحى يقع تحت ضغط حاجة خفية لاسترعاء انتباه الاخرين باطلاق سيارات كالذئاب لا تحمل رقما في الطرق . ليس القتل.
والافتراس ما همت بالخروج من اجله بل للسيطرة على حالات المزاج لدى الافراد “انني اقتل اذن انا موجود”.
يتحول القتل/ الرسالة/ الذكرى الى ما يشبه عربة تسير بقوة الدفع الاولى. قبل وصوله تصل الينا افعاله ، كالصقور التي تلفت الانتباه الى وجودها في الجو من طريقة تحليق الطيور المتخبطة في طيرانها. بدءا يشاهد الجمهور معارضا قطع لسانه واخر مات نزفا حتى الموت واخر قتل بسيارة لا تحمل رقما ثم يبدأ بمشاهدة انواع اخرى من القتل بعين خياله على وفق اشكال وترتيبات وصور تستند الى امجاد القتل الاولى ، شأنه شأن مؤرخ يختلق احداثا عن امجاد مدينة مستندا الى ما غرسه مؤرخون اخرون في الذاكرة عن امجادها الحربية . هذا هو قانون القتل : اعتن بصورة المشهد المفتوح للقتلة الأولى تطلق لك سرديات الجمهور الهاتف الباقي (بعد سقوط نظام صدام حسين ظهرت وقائع لجرائم مروعة ارتكبها رجال سيطر على عقولهم حب القتل أعرضت عن ذكرها مدفوعا بعدم الرغبة في افساد ذوق القراء بوضعهم في مزاج اسوأ مما هم فيه الان).
هكذا اذن يبدأ الطاغية حكمه بعمل عنيف يشعر المواطن من خلاله ان عهدا جديدا قد حل تحرك فيه الحياة العامة كي يصبح الحدث قيمة بذاته تسمح له اولا بتغيير الذاكرة الفردية وثانيا: بطبع الحياة العامة بطابعة شخصية.
اولا: تغيير الذاكرة الفردية لماذا يؤرخ الملوك حكمهم بطقوس التجديد؟ لأن الغاء العهد السابق يتطلب طقوسا تشهد ان عملية التبديل حدثت فعلا كلما كانت الطقوس اشد فخامة كان القطع مع الماضي اكثر يسرا.
يستهل القادة مرتكبو الجنح عهدهم بعمل عنيف لاشعار المواطن بحلول عهد جديد تخلق فيه انطباعات جديدة يظل الفرد يتذكرها امدا طويلا. تسمح الاحداث العنيفة للقادة بتسيير حركة الحياة العامة ، وفقا لمزاجهم عندما ينجح القائد في عمل كهذا يتحول من قائد الى فنان وما يقوم به يشبه عملا لمبدع وليس تطورا ينجزه رجل دولة لا يخلق قائد كهذا دولة ، بل احداثا عظيمة.
تشكل الذاكرة عنصرا رئيسا في فهم الواقع . حين يواجه المرء حدثا ما عليه ارجاعه الى تجربة سابقة . عندما يحدث له امر جليل من غير الممكن تحديد موقعه في ذاكرته فذلك يعني حدوث بداية جديدة.
تفتقد الذاكرة وظيفتها في اوقات الحروب والثورات والاضطرابات لأنها تنشئ بدايات جديدة لا يتمكن الفرد من ايجاد نقاط استدلال يتعرف بواسطتها الى الحدث الجديد. الارتجاجات الذهنية الناجمة عن افتتان القائد بخلق احداث عظيمة تفرغ الذاكرة من محتواها وتفرض النسيان (تعليق الجثث في الساحات العامة ، اختيار اشخاص وحلق رؤوسهم وإظهارهم علنا على شاشات التلفزيون تمهيدا لإعدامهم) يراود المرء ان الحياة عبارة عن مشقات واهوال دائمة يهددها دنو الموت. فيقرر اللجوء الى التخلي عن كل فضول والنظر الى الحياة نظرة سمكة ، تفضل اوجاع انتظار الموت على الصعود الى البر، وعلى عذاب الهلاك في البحر تحت اسنان اسماك القرش . وكي يحافظ الفرد على سائل الإرادة الشحيح في داخله ازاء واقع شبيه بنشافات الحبر الورقية عليه ان يبتدع تفسيرات جديدة تقيه من خطر النضوب. يتقدم في هذه اللحظات القائد يرافقه صخب ماكينته الاعلامية بتفسير جديد لما حدث معتمدا على مسرحيات طقوسية احتفالات تمثيليات/ مهرجانات بيعات ممهورة بالدم كي يعرض ذاكرة جديدة سرعان ما يتقبلها الجمهور.
تمثل الاحتفالات نوعا من القطع مع الماضي: عيد الميلاد الختان الزواج الموت يجد المرء نفسه ، في غياب هذه الاحتفالات اشبه بحيوانات الطواحين تدور من دون ان تشعر بلذة الانتقال من زمن الى زمن اخر. يحاول القائد عن طريق الاحداث الكبيرة تغيير هوية الفرد. فبرغم المرارة التي تحييها ذكريات من هذا النوع يلجأ الفرد الى تحديد حياته بنقاط استدلال غير منفصلة عن سياق ما يحدث. ولدت ابنتي في الذكرى الاولى لزمن الحرب مات ولدي بعد سنة من ضربة بوش ختن ابني بعد الصولة الجهادية كلما كانت الاحداث اشد خطورة تيسر لها اقتحام تاريخه الشخصي بطريقة اكثر يسرا. (اذا اراد ان يتذكر الناس حدثا بلا انقطاع يقدمه هو على نحو احتفالي : مسيرات ، يوم عطلة عامة ، خروج الى الهواء الطلق واطلاق النار على مرأى من الجمهور كلمات تصف الحدث وكأنها ابتدعت للمناسبة : المنازلة ، الاقتدار ، العدوان الثلاثي ، عروس المعارك. وكي لا تضيع الكلمات الجديدة وسط طوفان الكلمات وتبقى ذات استخدام واحد فهو يجلبها ثانية من الرف يجلو عنها الغبار كي تستعيد بريقها الاول ، ثم يطلقها برفق في مجرى التداول.
وبلا مناسبة يبتدع احتفالات الهواء الطلق الشبيهة بتظاهرات سرية يتفق خلالها على موعد ومكان محددين يتوافد اليهما الجمهور بالطريقة نفسها التي تحط فيها مجموعة من الطيور عند نثر كومة من فتات الخبز ثم يختفي اختفاء حبيبات الثلج عند ظهور اشعة الشمس. تتقدم المجموعة المتحلقة حول ضارب الطبل والدف الزنجاري كلواء من المشاة يتحرك حول مدفع واحد ، تحيط بهم كوكبة من المصفقين والمزغردين كفرسان يحرصون على الا يختلط الموكب بالجمهور. وهناك راقصان على اليمين واخران على اليسار يهتزون كلهم كحبل مبروم ترك كي يستعيد حالته الاولى. يتجمع جمهور المارة وتتطلع عوائل من الشرفات المطلة على الشارع العام متسائلة “من هم هؤلاء السعداء في هذا الزمان؟”. ليس هنالك ما يدل على وجود عريس او شخص يرفع بين سبابته وابهامه مقدم ثوبه. ولم يكن الوقت حج كي يجرؤ شخص على القول ان ذلك استقبال لحاج جديد. تتطوع مجموعة مستأجرة بالقول لأهالي البلدة المذهولين “يا اخوان ، ان الشعب فرحان” “ويا ستي ايامنا كلها اعياد”.
تحول الحرب الذاكرة الفردية الى ملكية عامة . فهي تتولى تصفية الشخصية من مشاعرها الخاصة وشؤونها الحميمة. فمقتل قريب وجرح اخ او صديق ترحيل جار الذهاب الى جبهات الحرب ذلك كله يعني الدخول عنوة الى ذاكرة الفرد وجعل الاخرين مشاركين لها بالقوة. على عكس الذاكرة الخاصة التي تعيش تجاربها الشخصية. ان ذاكرة تحيا في الحب والسفر والخصام مع محب تفخر بمنجزاتها. “ها انا الذي احببت وسافرت”. انها ازدواجية ضرورية تجدد خصب الشخصية ، وتحدث توازنا مع العالم الخارجي يصاب المرء بالشيخوخة المبكرة في غياب تجارب خاصة ، يلجأ اليها الفرد للاحتماء من قسوة العالم الخارجي . فهو يوثق تاريخ حياته بأسرار يبالغ في كتمانها اشبه بزيت لتشحيم عجلات حياته عندما لا يجد الفرد معينا للتغذية بعواطف جديدة يتناقص مخزونه الداخلي ثم يتلاشى فيغدو عندئذ ملغى معنويا ، مهجورا ومحتضرا. يفقد المرء نضارته ويشيخ حالما يشخص ببصره نحو الداخل فلا يرى غير لون الشيخوخة الباهت.
تعطي الامم عند دخولها الحرب ، العدو صورة يصبح معها قتله مشروعا وتدمير مدنه عملا مبررا. ويجهز الجندي عند ذهابه الى المعركة بأبشع صورة عن الخصم. لا تستثنى الجبهة الداخلية من ذلك اتخذ العداء للفرس جوهر دعوته لشن الحرب ولتحويل الكراهية الى احدى ضرورات الحفاظ على النوع بدأت عملية تهجير مواطنين من ذوي “اصول ايرانية” بطريقة مخادعة اذ صدر قرار قضى باعطاء الجنسية لكل من لا يملكها. وعندما تجمع هؤلاء نقلوا في سيارات الى الحدود الايرانية ، وتركوا هناك مثل نعاج عمياء على نحو يعيد للذهن الطريقة التي تم بها تجمع الشيشان خلال حكم ستالين ، في يوم عيد الجيش وترحيلهم الى سيبريا.
حدث كل هذا على مرأى من غالبية اذهلها هول الجرائم التي تفوق الوصف عندما شمل التهجير الكثيرين بدأ الفرد ينظر الى نفسه ويحمد الخالق ان ليس به عرقا او دما غريبا. وبات الامر يشبه الى مدى بعيد انتشار عدوى الجرب اذ يهرع الجميع نحو مراكز الفحص للحصول على شهادة تثبت انهم غير مصابين بهذا المرض ما ان يمر الفرد بردهة الفحص وتتأكد من سلامته حتى يخرج الى الشارع مكتشفا او اوصاله الجديدة وغير الملوثة هي التي انجته من الهلاك . بهذه الطريقة تم خلق الانسان الجديد من خلال قيم لم تخطر له يوما على بال. فالدم الذي كان عامدا في القاع بدأ يمور متحركا نحو السطح محتلا قيمة اولى افتقدها جار قريب رحل ، عنوة والى الابد.
اذن يحدث تغيير الذاكرة من طريق القيام بأعمال استعراضية عنيفة ومؤثرة (الحروب ، الاضطرابات العظيمة ، عمليات الاعدام في الساحات العامة ، التهجير) تجعل فعل التذكر يحمل طابعا ادائيا او انجازيا (performative) تتغير به طريقة تعرف الفرد الى نفسه. اي ان الهوية تستل مضمونها من بئر الذكرى ، التي هي فعالية (practice) وليست شيئا معطى: انني اكون ما اتذكره. يكمن كل معنى محاكمة لويس السادس عشر ، على سبيل المثال في اطاره الاستعراضي الذي كان يرمي الى انكار صفته ملكا من طريق اظهار ذلك علنا اولا ، وتعظيم عدد الشهود ثانيا ، وقطع دابر الانكار اخرا. انه طقس ضروري لأشعار الجميع ان عهدا جديدا قد حل وان شرعية بائدة اخلت مكانها لأخرى جديدة . لم يقض فعل الاعدام على النظام السابق بل حولت الطقوس الجديدة زواله الى ذكرى.
تجعل الطقوس العنيفة الفرد وكأنه يعيش على مقربة من بركان: توتر عال شعور دائم بالكارثة المحيقة به وبحدوث امور غير متوقعة. يصاب الفرد بحالة من المس (hypomania) وهي حالة عقلية تشهد تزايدا محموما لقدوم افكار جديدة بسبب النشاط المسعور الذي يتجلى في كثرة الاحداث التي تؤثر في مصير الفرد الشخصي والعائلي والوطني. الاجتماعات احتفالات لأحياء احداث خاصة كأعياد ميلاد السيد الرئيس او ذكرى عبوره النهر ، تظاهرات خطب صاخبة ، قوانين جديدة ، مواجهات مع اعداء في الداخل والخارج يجهز خلالها العقل كي يأتي طائعا كلوح ابيض يستطيع المعلم الجديد نقش حروف اسمه ومهنته فقط عليه.
يعتمد توازن الفرد العقلي على حقيقة مردها ان الاشياء المحيطة به ثابتة او هي متغيرة قليلا. ليس هنالك ذاكرة اجتماعية مشتركة من دون توافر اطار مكاني مريح تعمل من خلاله. تؤدي الازمات المختلفة كالحروب والحصار … الى تضييق المساحة اللازمة للتأمل العقلي للفرد وفقدانه توازنه الذي يتأتى من حالات الخلود الى النفس او استعادة الذكريات مع اشخاص يستحثونه على استثارتها غياب ذلك سينتج افرادا يفتقرون الى المخيلة غرباء تسهل السيطرة عليهم.
ثانيا: طبع الحياة العامة بالطابع الشخصي للطاغية . ليست هناك من ظروف بل ضجة يخلقها رجل هذه هي الحقيقة : التضحية بالوطن والاخرين ليست الا مزاجا شخصيا للبطل.
كيف يعمل هذا الرجل؟ يعمل وفق معادلة : شيء على حساب شيء اخر . كل ربح يجب ان يدفع كلفته اخرون: سعادة افراد على حساب تعاسة اخرين التحالف مع مجموعة على حساب اخرى، ضم ارض مقابل تنازل عنها في مكان اخر. قرارات يومية وسريعة تعطي الانطباع بأنه ممسك بعنان سلطته على نحو حازم كي لا يزعزع ثقة انصاره بع . عليه ان يتخذ قرارا في كل الاوقات كي لا يبدو مترددا . تتحول قراراته الى اقدار وهفواته الى اعجاز ومجادلاته البدائية الى نصوص مقدسة وهذياناته الى حكمة.
وما هي صفاته؟ يسهر كثيرا وينام قليلا. لديه ذاكرة تلتقط اصغر التفاصيل خصوصا تذكر الاذى الذي الحق به عندما كان صغيرا مدع ضئيل المعرفة بكل نواحي الحياة باستثناء ما هو مطلوب لتثبيت حكمه . ممثل من الطراز الاول. لا يقبل توبة مخطئ لأن الخطأ اجتهاد. تستند افعاله الى نوع فج من المصلحة الذاتية مغلف بتعابير طنانة. لا يتورع عن خيانة صداقات وتغيير اقتناعات للحفاظ على سلطته محنك في الخداع لديه حس قرصان . شكاك يكره الحب ويجل الخوف يمكن فهمه فقط اذا عرفنا ما هو جيد او ماهو سيئ لادامة حكمه . قادر على تحويل كل شيء لمصلحته حتى الدين لا يقبل بالهزيمة لأنها اذلال شخصي له “انهم جبناء لا يواجهون وجها لوجه” هكذا يصف البيان الرسمي عمليات “ثعلب الصحراء” . يأخذ انتصاره شكل انتقام عدته بسيطة: مجموعة ضاربة من الرجال ، خيارات غير محددة ، مبادئ وقيم مفتوحة على كل انعطاف ممكن ممارسة متعة شراء الاخرين. قلب قاس لا يعرف الرحمة ولا توجد ادنى رغبة في البحث عنها. يتحول حدسه بمرور الوقت الى اداء يجعله قادرا على احلال الخطأ محل الصواب.
عندما بدأ حياته الأولى يتحدى الظروف ، يجابه ويجابه ، بات اشد وعيا بوجوده واحتكاكا بنفسه التي راح يبجل بطلها المكلف درء الاذى عنها. اصبح متوحدا مع بطله في غرفة محكمة الإغلاق يملأن رئتيهما بالهواء نفسه ، ثم يرسلانه ثم يملأن الرئتين ثانية ويطلقانه زفيرا… يتضمخان برائحة نفسيهما بهذه الطريقة يعيد الفرد انتاج بطله في نوع من الاكتفاء يحجب عنه العالم الخارجي فيروح يعمل وفقا لقوانين بطله. يمنحه ذلك الاكتفاء بعضا من ازدهار ذاتي على شكل بطولة تريد هدم كل شيء حصين يقف في وجهها ، لأن ذلك يذكرها بأذى تعذر الرد عليه لما كان صغيرا فلم يستطع الطفل النوم معه في امان.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة