رحلة ميدانية إلى الخطوط الأمامية للحرب الباردة بين قطر والسعودية

1 – 2
سايمون هندرسون

لا يبدو أن الخلاف الدبلوماسي بين قطر وحلفائها العرب السابقين – السعودية والإمارات والبحرين ومصر (الذين أطلقوا على أنفسهم اسم اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب)، يسلك طريق الحل. أو على الأقل هذا ما تبيّن لي خلال زيارتي الخاطفة إلى لندن والبحرين وأبو ظبي ودبي خلال الأسبوع الثالث من أيلول/سبتمبر. ويزداد بدلاً من ذلك التصعيد في المواقف ويترافق مع تجاهل مؤلم للأفضلية التي يمنحها ذلك لإيران، العدو المشترك لجميع الأطراف، بما فيها قطر، وللتأثير المحتمل الذي سيخلّفه في واشنطن حيث ترتكز السياسة الأمريكية بشأن الخليج العربي على فكرة أن حلفاءها الخليجيين سيحافظون على الأقل على مظهر الوحدة.
وصدرت عن واشنطن رسائل متباينة أربكت الجهود الدبلوماسية المبذولة لحلّ هذه الأزمة. ولم يألُ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون جهداً في السعي إلى الوساطة بدعم من وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس. وسُرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على الأقل حتى وقت قريب، بدعمه الظاهر لموقف السعودية والإمارات ولكنه قد يكون قد اغتاظ عندما لم تسفر مساعيه لتنظيم مكالمة هاتفية لإحلال السلام بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني سوى إلى المزيد من الحقد والضغينة. وحمّل كل طرف مسؤولية الانهيار على الطرف الآخر.
وتدور الأزمة ظاهرياً حول العديد من الخطايا القطرية – وأصدرت «اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب» قائمة شملت 13 مطلباً في مطلع حزيران/يونيو، ركزت على التدخل المزعوم في شؤونها الداخلية. وبما أن المنطقة المعنية هي الشرق الأوسط يلعب أيضاً كبرياء الأطراف المتنافسة دوراً كبيراً. ويهيمن على الجهات الفاعلة المعنية من جهة ولي العهد السعودي الطموح محمد بن سلمان وحليفه ومرشده الدبلوماسي ولي عهد أبوظبي والقائد الفعلي للإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد. ويبرز من جهة أخرى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الذي يُحتمل أن يكون بيدقاً في يدي والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أو لا يكون كذلك، الذي كسر التقاليد العربية عندما تنازل لصالح ابنه قبل أربع سنوات ولكنه لا يزال شخصية مهيمنة في الدوحة.
وعلى الرغم من الحظر التجاري المفروض على قطر وإغلاق المجال الجوي وطرق الشحن إليها، تدور المعركة الرئيسية في الوقت الراهن في ميدان العلاقات العامة. وينفق الجانبان ملايين الدولارات لإثبات أحقية قضيتهما: ففي واشنطن تتعاقب الإعلانات المناهضة لقطر بشكل دوري على محطة «سي أن أن»، وعُرضت في نيويورك دعاية مضيئة على جوانب ناطحات السحاب خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأسبوع الثالث من أيلول/سبتمبر. ولهذا السبب سافر كاتب هذه السطور إلى لندن حيث عُقد في 14 أيلول/سبتمبر «المؤتمر العالمي للأمن والاستقرار في قطر» في فندق «أو تو إنتركونتيننتال» [Intercontinental O2 ] الذي يقع على شبه جزيرة نائية في الضفة الجنوبية القديمة الطابع لنهر التايمز. وشكّل هذا المؤتمر اجتماعاً للمعارضة القطرية دعمته كما يُفترض السعودية والإمارات ولكن دون إثباتات ملموسة لذلك. ورغم ذلك، قدّم أحد ما تمويلاً وافراً. وكانت الإجراءات الأمنية مشددة ولكنها بالتأكيد لم تكن ضرورية نظراً لغياب المتظاهرين المؤيدين لقطر. واتّسم البرنامج بالسطحية والتكلف كما ثبت من الوثيقة السميكة التي وُزعت على جميع الحاضرين.
أما زعيم المعارضة الذي منح نفسه هذا اللقب فهو رجل الأعمال القطري المنفي خالد الهيل البالغ من العمر 29 عاماً. ويتميّز الهيل بابتسامته العريضة ومصافحته القوية واقتباساته الجاهزة لإدانة جماعة «الإخوان المسلمين» التي مُنح لبعض أعضائها ملاذاً في الدوحة. وقد يتمتّع أيضاً بالوزن ولكن ليس بالهيبة الضرورية لهذا الدور بالرغم من الأهمية المصطنعة التي يمنحه إياها حارساه الشخصيان ذوا البنية الضخمة. (أفادت مجلة «الإيكونوميست» أن «منظمة العفو الدولية» اتهمت شركة بناء يكون فيها الهيل الشريك القطري بعدم تسديد أجور عمّالها إلا أنه نفى هذه التهمة). وحضر المؤتمر أيضاً علي الدهنيم وكُتب ببساطة على بطاقة تعريفه كلمة «ضيف» وعرّف نفسه كنائب زعيم المعارضة. وأفاد أنه ضابط سابق في الاستخبارات القطرية ولكنه لم يكن مستعداً لتقديم المزيد من المعلومات نظراً لطبيعة عمله.
وكان من بين المتحدثين العديد من السياسيين البريطانيين المخضرمين الذين لم تكن اهتماماتهم بقطر معروفة لي من قبل. وقَدِم بعض الأمريكيين وحتى إسرائيلي لهذه المناسبة وتلقى بعضهم الدعوة قبل ثلاثة أيام فقط من الحدث. وضمت المجموعة المسؤول السابق في البنتاغون (ومساهم في «فورين بوليسي») دوف زاكهايم، والسفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة بيل ريتشاردسون، والجنرال المتقاعد في القوات الجوية الأمريكية تشاك والد. وأدار إحدى الجلسات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية السابق جيمس روبين. وأجرى المراسل المخضرم لقناة «بي بي سي» جون سيمبسون مقابلة مع الصحفي السابق لدى قناة «الجزيرة» محمد فهمي الذي كان مُحتجزاً في سجن مصري ولكنه يلوم قطر على ذلك. وكما كان متوقعاً، كان المؤتمر منحازاً لجهة واحدة. فعلى سبيل المثال انتقد فهمي بشدة التدخل السياسي القطري الشائن في قناة «الجزيرة» على الرغم من أن سيمبسون تجنّب بطريقة أو بأخرى أن يسأله عن كيفية مقارنتها مع محطات التلفزيون العربية الأخرى. وبدا أن القوة المحرّكة لهذه المناسبة كانت تهدف إلى صياغة مضمون النقاش وليس فرض إجراءات سياسية. وسألتُ أحد منظمي المؤتمر عن سبب غياب الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، عضو الأسرة الحاكمة الذي تعدّه السعودية على ما يبدو كأمير بديل. فنظر إليّ باستهجان قائلاً: «لكان ذلك أكثر من اللازم».
وبعد يومين، أصبحت الأزمة القطرية موضوع الحديث في أروقة مؤتمر اقتصادي في المنامة، عاصمة البحرين، هذه الجزيرة الخليجية التي يمكن منها رؤية شبه الجزيرة القطرية (عندما يزول الضباب البحري الناجم عن الحرارة والرطوبة العاليتين جداً). وحالياً أصبح نشر أخبار موالية لقطر عملاً غير شرعي؛ وفي ذلك اليوم نشرت صحيفة «غولف ديلي نيوز»، التي تصف نفسها بأنها «صوت البحرين»، مقالة مناهضة لقطر على كل من صفحاتها الثلاث الأولى. وخلال مأدبة غداء أعرب أحد أبرز أعضاء عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين عن ثقته بأن الضغط الذي تتعرّض له قطر سيؤدي إلى تراجع الدوحة عن موقفها. وشكّل ذلك اعتقاداً راسخاً وليس حجة منطقية ومبررة.

*سايمون هندرسون هو زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة