عفواً سيدي الحسين

عفواً سيدي ابا عبد الله الحسين .. اسمح لي ان ابوح في حضرتك بمكنون روحي ، فأنت ترى مقامي وتسمع كلامي وترد سلامي .. سلام الله وملائكته ورسله وأحرار الارض عليك .. ..سيدي الحسين .. لقد ساءني مشهد ما كان له ان يحدث إلا بسبب الشعائر التي يقيمها محبوك في ذكرى واقعة الطف الاليمة .. ففي واحدة من ليالي محرم شاهدت الرجل يحملُ طفله البالغ من العمر عشرة اعوام على كتفه ، والطفل في حالة صحية سيئة وقد تدلى رأسه على كتف ابيه .. فيما بدا الرجل منهكا جدا يلتقط انفاسه بصعوبة بالغة وهو يحاول ان يسبق خطواته .. تطفلتُ على الرجل لأسأله عن سبب حمله ابنه على كتفه .. أمِنَ المعقول انه لا يمتلك اجرة السيارة التي يمكن ان توصله الى مبتغاه؟.. ربما ، وفكرت في تلك اللحظة ان اساعده وأوصله الى حيث يشاء ..اجابني بأنفاس لاهثة : احتاج الى مروحية. خاصة لكي توصلني الى المستشفى !،فجميع الطرق المحيطة بنا والمؤدية الى خارج محلتنا قد اغلقت بسبب مراسم الشعائر الحسينية ، وحاولت ان انفذ باي طريقة ولكن لم افلح في ذلك ، فلم يكن امامي سوى حمل طفلي علّني اتمكن من عبور القطوعات وبعدها احاول الحصول على سيارة تقلّني الى اقرب مستشفى ..
عفواً ، سيدي الحسين ، أيرضيك ذلك ، وأنت الذي حملتَ رضيعك عبدالله مذبوحاً من الوريد الى الوريد ؟ .. كنتَ تبحث له عن شربة ماءٍ ليروي ظمأه اللاهب فكان دمه شرابه ؟؟… ونحن اذ نتألم لهذا الرجل انما نتأسى بك متخيلين ان بركانا من المشاعر الابوية قد تفجر في تلك اللحظات الفاصلة بين ان تمضي بما جئت من اجله ..أو انك تعود ادراجك من حيث اتيت ، ولكن في ذلك المفترق كان الموقف عظيما اذهل الكون كله ، فمن عمق المأساة جاء قرارك محتسبا عبدالله في سبيل الله ، وكأن دمه الطاهر سال قربانا لسمو الحياة التي سعيت من اجلها مضحيا بنفسك واهلك وصحبك ، لترسخ تلك المبادئ في الامة ، وهي ذات المبادئ التي جاء بها جدك النبي محمد (ص) المبعوث رحمة للعالمين ، ومن تلك المبادئ العظيمة اماطة الاذى من طريق الناس وعدم قطع الطرقات فهي ملك عام لكل الناس .. أما كان بإمكان هؤلاء العشاق الباكين على الحسين ان يقيموا الشعائر الحسينية في الساحات العامة وباحات المساجد والحسينيات ليمكنوا ذلك الرجل من انقاذ طفله والمحافظة على حياته ؟ .. ومن المؤكد انهم في تلك اللحظات كانوا يستذكرون رضيع الحسين ويبكون من اجله ، من دون ان يعلموا انهم تسببوا في تعريض حياة طفل للخطر ، فالحسين ثار من اجل ديمومة الحياة و رفع الظلم وتحقيق العدالة بين الناس وحماية الطفولة .
عفوا سيدي الحسين .. يا من بذلت روحك وجاهدت في المبادئ الانسانية السامية حق الجهاد حتى اتاك اليقين ، ليتعلم الناس منك كيف يصنعون الحياة ، فكنت وما زلت وستبقى منارا يهدي الامم الى طريق السعادة الحقيقية في الحياة ، ألم يتعلم منك زعيم الهند غاندي كيف ينتصر على محتلي بلاده بعد ان رسمت له طريق النصر ?..
أَيرضيك سيدي ان تتعرض مسيرتك وسيرتك العظيمة هذه الى التشويه وحرفها عن مسارها الصحيح ؟.. بسبب افعال وسلوكيات لا تمت الى مبادئ ثورتك العظيمة بصلة ?.. فقد احدث الناس من بعدك كثيرا ، وجاءوا بأمور من شأنها تشويه مبادئ وقيم الاصلاح التي خرجت من اجلها وهي تحقيق العدالة الانسانية ومحاربة الظلم .
عفوا سيدي الحسين .. فقد استغل البعض دمك الذي انتصر على سيوف الظالمين لتحقيق مآرب اخرى ، فحولوا ثورتك الى ما يشبه الخرافة وسعوا بين الناس لتسطيح عقولهم وتثويلها ليسهل بعد ذلك قيادهم .. أَ يرضيك سيدي ان يتاجر هذا البعض بثورتك التي كان ثمنها رأسك الشريف ورؤوس الابناء والإخوة والأصحاب و سبي النساء ؟..أَ يرضيك سيدى ان تُحاصر ثورتُك من جديد وبهذا النحو ؟ فالقوم سيوفهم معك وقلوبهم عليك !
ولكنك هيهات هيهات ان ترضى بالظلم ، ولو كنت ترضى لهادنت الظالمين لتبقى – حاشاك- ذليلا ولم يخلدك التاريخ وما كان الطغاة يخشونك حد الهلع .
السلام على الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى الارواح التي حلت بفناء الحسين ما اشرقت شمس وجاء ليل ورحمة الله وبركاته.
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة