صنّاع “المسؤول”

حديثنا اليوم سنتجاوز فيه طفح العملية السياسية والمشهد الراهن، أي “المسؤول الفاسد والفاشل” الى حيث الدوائر الخفية التي تقف خلف استمرار نفوذ وهيمنة مثل هذه السلالات على المفاصل الحيوية للدولة والمجتمع بعد زوال النظام المباد ربيع العام 2003. تلك المصالح والقوى والعقليات التي تعيد إنتاج الفساد والخراب في التجربة الفتية التي انتظرها العراقيون طويلاً. هؤلاء هم أس الفساد ومصدر تزويد الإرهابيين واللصوص بكل ما يحتاجونه لبسط هيمنتهم على تضاريس هذا الوطن المنكوب من الفاو لزاخو. لا يمر يوم من دون أن تنقل لنا الأخبار قصصا عن مسؤولين جدد خانوا الأمانة والمهمة التي عهدت اليهم بنحوٍ مخزٍ. طبعاً غالبية هؤلاء يبقون بمنأى عن العقاب اللائق بمثل تلك الجرائم، أو يتركون البلد وهم مطمئنون من نوع ردود الأفعال التي ستلتحق بسابقاتها في هذا المجال، طبعاً لا يخلو الأمر من التضحية ببعض منهم مع حصولهم على ضمانات بعقوبات مخففة وتقاعد مجزٍ وآمن بعد ذلك. لا أحد يجرأ على تسليط الضوء على تلك الدوائر الخفية، والتي تقف خلف أعظم الكوارث التي حلت بنا، بفعل استمرار هيمنتهم على مصادر القرار، وبالتالي تعويضهم لكل ذلك السكراب من حطام “المسؤولين” بنسخ أخرى لا تقل فتكاً عن سابقاتها وهكذا دواليك..
برغم جسامة ما ألحقوه من أضرار بمصالح الوطن والناس، إلا أن أولئك “المسؤولين” لم يكونوا أكثر من أداة ووسيلة بيد تلك الدوائر الخفية، التي تواصل نشاطها في إجهاض أي مشروع جدي لترميم ما تبقى لدينا من آمال. لنتوقف قليلاً عند نوع البدلاء الذين تم اختيارهم عمن استهلك من أسلافهم، سنجدهم لا يختلفون كثيرا عنهم وحسب بل في الغالب هم أكثر بؤساً وضررا، كما أن النفوذ المتزايد لـ (الحبربش) تلك المخلوقات التي تجيد فن الدقلات وغيرها من تقنيات الخنوع والانحطاط؛ قد وفّر كل الشروط لاستقبال المزيد من هذه الفصول المميتة. إن استمرار هذه المعادلات والمعايير الشاذة في اختيار الملاكات غير المؤهلة والمعطوبة لتبوأ المناصب والمسؤوليات الحيوية، يعني الحكم مسبقاً بالفشل لكل مسعى يضع نصب عينيه مهمة التغيير والإصلاح، وهذا ما لم يجر التصدي له حتى هذه اللحظة، حيث يواصل حيتان المشهد الراهن، بسط وتجديد هيمنتهم على أسلاب الغنيمة الأزلية، عبر آليات وقنوات صيغة الدمار الشامل التي اعتصموا بها جميعاً، أي المحاصصة الطائفية والإثنية.
أحياناً ومن أجل ذر الرماد في العيون؛ يتم رفد بعض المواقع الشاغرة، بأشخاص من خارج اصطبلات المحاصصة، لكن سرعان ما يبرر الوافدون الجدد لمن اختارهم تلك الثقة الممنوحة لهم، لتجري الأمور طبقاً لما رسمته تلك الدوائر المخضرمة في صناعة “المسؤول”. بلا أدنى شك فأن المسؤول الحقيقي الذي يعي ويقدّر معنى المسؤولية، لا يمكن أن يسمح لنفسه بالتورط بإدارة مؤسسات أو مشاريع يعرف مسبقاً أن لا خيار أمامه سوى اقتفاء أثر أسلافه أو مواجهة الفشل الذريع وبالتالي الفرار السريع، كما حصل مع أحد المعارف الذي وضعته الصدفة على رأس إحدى المؤسسات من دون مقدمات، وقد استفسرت منه عن فريق عمله والمشروع الذي يفترض أن المؤسسة الموكولة له تمثل إحدى حلقاته؟ سؤال سيبقى ينتظر جواباً لم يولد بعد..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة