ترجمة عن كتاب أسس مكافحة الإرهاب، تأليف: فرانك بولتز
معنى الإرهاب
الإرهاب هو ترجمة كلمة (Terror) الإنجليزية وهي مشتقة من كلمة Terrere اللاتينية، بمعنى يفزع أو يرهب. ويستعمل هذا المصطلح ومشتقاته بمعانٍ مختلفة كثيرة، فقد يستعمل لقبًا لإمبراطور دموي (مثل إيفان الرهيب)، أو وصفًا لعصور حكم العنف أثناء الاضطرابات السياسية (مثل حكم الإرهاب في أثناء الثورة الفرنسية)، أو للتعبير عن الحوادث المتفرقة التي يستعمل فيها العنف والتي تعرف عالميا باسم “الإرهاب الدولي” .
والعنف ليس الصفة الأساسية للإرهاب لأن المواجهات العنيفة مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية لا تعد إرهابا، فالإرهاب لا يستعمل العنف غاية في ذاته، ولكن وسيلة لبث الرعب والفزع بين جموع الشعب ، وحيث إن غرض الإرهابيين جميعا هو بث الرعب في أوسع نطاق من الشعب، لذلك نجد أن هناك دافعا مشتركا لكل الأعمال الإجرامية التي يقوم بها الإرهابيون، إلا أنه بسبب وجود مثل هذا العنصر المشترك، نجد أن هناك أساسا يمكن أن تستمد منه مكافحة الإرهاب استراتيجياتها وتكتيكاتها الدفاعية، فأي شيء قد يؤدى إلى تقليل الخوف والقلق لدى جموع الشعب يعد وسيلة فعالة ضد الإرهاب .
طبيعة الإرهاب
حدد بريان جينكنز من مؤسسة رابن، الأنواع الثلاثة الأساسية من الصراعات التي تحدث قبل اللجوء إلى استعمال السلاح النووي وهي:
1 – الحرب التقليدية .
2 – حرب العصابات
3 – الإرهاب الدولي.
وفي النوعين الأول والثاني نجد أن هناك تمايزًا بين المحاربين وغير المحاربين، ولكن ليس معنى ذلك أن غير المحاربين لايتوخون القتل، ولكن يعنى أن ذلك يحدث في حالات استثنائية، ففي حالات الحرب التقليدية أو حرب العصابات يكون المقصود بالقتل هم القوات المسلحة التي تحارب ضد قوات أخرى مسلحة، وفي الإرهاب الدولي يكون القصد هو انتهاك المدنيين (أي معاناتهم أو موتهم)، وهذه الطبيعة المستترة للإرهاب الدولي هي التي تجعلنا نعتقد أن الجماعات السياسية المتطرفة هي التي تدعم أهداف الإرهابيين -إن لم تكن تتبنى هذه الأهداف وتطورها- وهناك عدة أسئلة لم ننجح في الإجابة عليها تماما، فيما يتعلق باحتمال وجود جماعات إرهابية مستقلة في أنشطتها، أو إن كانت هذه الجماعات يتم استغلالها والتلاعب بها من قبل آخرين.
الغرض من الإرهاب :
غالبا ما يأخذ الإرهاب السياسي شكل المسرحية، ولذلك نجد أن هناك عناصر تكاد تكون عامة في كل الأنشطة الإرهابية المعاصرة وهي :
1 – استعمال العنف من أجل الإقناع : حيث يستعمل التفجير أو الهجمات الأخرى لإحراز مكاسب ضد ضحايا مستهدفة، وهذه الضحايا لاتكون بالضرورة هي المجموعة التي تتعرض للإصابة أو القتل، ولكن تكون الهجمات بغرض التأثير على حكومة معينة أو مجموعة من الحكومات كي تتخذ إجراءات معينة، أو كي توقف إجراءات معينة اتخذتها.
2 – انتقاء الأهداف والضحايا من أجل الحصول على أكبر تأثير إعلامي: ويعنى ذلك اختيار الأهداف أو الضحايا التي تجذب أكبر تغطية إعلامية، وهناك عدة هجمات إرهابية ظهر فيها بوضوح مثل هذا الاعتبار مثل احتجاز الرهائن من الرياضيين الإسرائيليين أثناء الدورة الأوليمبية في ميونخ سنة 1972، وكذلك في الهجوم بالأسلحة الرشاشة على المسافرين الأبرياء في مطارات روما وفيينا في أثناء إجازة رأس السنة سنة 1985.
3- شن الهجمات دون التعرض للاستفزاز: وذلك في الحقيقة يمثل كل الهجمات الإرهابية لأنها لا تفسر إلا بالمنطق المعوج الذى يقدمه الإرهابيون أنفسهم.
4 – الحصول على أقصى دعاية بالتعرض لأقل المخاطر: ذلك هو المبدأ الذى يصف معظم الأنشطة الإرهابية خاصة تلك التي تستخدم أجهزة التفجير. وينتج عن التفجير قدر كبير من الدعاية والانتشار تبعا للتوقيت والمكان المختارين. كما أنه يمكن للمفجرين أن يتجنبوا المخاطر من اكتشاف القنبلة أو انفجارها، بضبط توقيت الانفجار قبل الحادث بفترة باستعمال القنابل الزمنية، وإذا انتقلنا خطوة في قائمة الأنشطة التي يفضلها الإرهابيون، لوجدنا أن الاختطاف أو الاعتداء أو الاغتيال تؤدي إلى قدر أكبر من الدعاية والانتشار، ولكنها أيضا تحمل قدرًا أكبر من المخاطر.
وهناك ما يشبه التغير الدوري في الأنشطة الإرهابية، فإذا كان هناك مثلها سلسلة من حوادث الاختطاف، حينئذ سنجد أن الجمهور قد صار متأقلما معها نوعا ما، وحوادث الاختطاف التالية لن تصبح من أخبار الصفحات الأولى لوسائل الإعلام ، ولو كان هناك عدد قليل من حوادث التفجير ، فإننا سنجد اهتمام جماهيري بأي حادث تفجير يرتكب عندئذ، أكبر بكثير من أي اختطاف جديد، فالإرهابيون يحبون أن يكونوا في بؤرة الاهتمام دائما، ولذلك يغيرون تكتيكاتهم من أجل الحصول على أكبر قدر من الدعاية.
5 – استعمال المفاجأة للإحاطة بوسائل المكافحة: وتلك هي إحدى الطرق التي يستعملها الإرهابيون للتغلب على الأهداف الصعبة، فبالرغم من وجود الحراس وأجهزة المراقبة والأجهزة الأمنية المتقدمة، إلا أنه يمكن استعمال عنصر المفاجأة لتعويق النظام الأمني وشل مقاومة القوات البشرية في الأجهزة الأمنية القوية.
6 – استعمال التهديدات والإزعاجات والعنف لخلق جو عام من الخوف، وقد قامت منظمة إرهابية من بورتو ريكو معروفة باسم “فِلان” بعمل حملات من هذا النوع في نيويورك حيث قامت بزرع أجهزة لإشعال الحرائق في الكثير من المتاجر الرئيسة بوسط البلد بمهاتن، وقد وضعت هذه الأجهزة الزمنية في الأماكن المزدحمة من المتاجر، وكانت النار الناتجة كثيفة الدخان مما أدى إلى إخلاء هذه المتاجر، وحيث إن هذه الهجمات بدت بها أسباب أو نظام أو إيقاع -في الأقل من وجهة نظر الجمهور- لذلك نشأ جو عام من الخوف والهلع، وبدأ المستهلكون يخشون التسوق وسط المدينة مما أدى إلى خسائر فادحة للمتاجر جميعا، ولم تستفد منظمة فلان حتى على المستوى المرحلي.
وهناك تجربة مشابهة في أيرلندا، حيث قام الجيش الجمهوري الأيرلندي بزرع المتفجرات في دور السينما مما أدى إلى حوادث إخلاء متكررة لهذه الدور نتيجة الانفجارات أو التهديد بالتفجير، وتوقف الناس عن الذهاب لدور السينما وأغلق الكثير منها، وقد تخصصت منظمة فلان في هجمات الإزعاج، فقد قامت في أحد أيام شهر مايو سنة 1971 بعدة هجمات تفجير في نيويورك ضد خطوط طيران بان أمريكان في مطار جى إف كيه، والبعثة الأمريكية في الأمم المتحدة، و96 تهديدًا بالتفجير أدت إلى 96 حادث إخلاء.
7 – عدم الانزعاج من استعمال النساء والأطفال ضحايا: بل غالبا ماتختار مواضع الهجمات بحيث تتضمن الضحايا عددًا كبيرًا من النساء والأطفال، لأن ذلك يجعل الحادث أكثر ترويعا. وماذلك إلا طريقة أخرى يحصل بها الإرهابيون على اهتمام وسائل الإعلام، لأنه يؤكد على أن الضحايا من العزل وغير المحاربين، وهذا هو مايساعدنا على التفرقة بين الإرهابيين والجنود وكتائب حرب العصابات، فالجندي يحارب تحت سلطة الحكومة بغرض حمايتها، وكذلك تحارب العصابات بطريقة مشابهة للجنود من حيث التقنيات والالتزامات السلوكية (بمعنى أن النساء والأطفال لايشكلون أهدافا أساسية)، ولكن الإرهابي على العكس من ذلك يستهدف النساء والأطفال بصفة خاصة لخلق جو عام من الخوف.
8 – استعمال الدعاية لزيادة تأثير الهجمات خاصة فيما يتعلق بالأهداف السياسية والاقتصادية والقيام بعملية لا تؤدي إلى انتشار إعلامي يؤدى إلى إفساد سعى الإرهابيين، فنجد مثلاً أن جماعة “سبتمبر الأسود” أثناء الدورة الأوليمبية في ميونخ سنة 1972، كانت ترغب في الحصول على الدعاية لأهداف سياسية واقتصادية، فعلى المستوى السياسي، كانت تريد إثبات أنها منظمة حية وفعالة وأنها قوة يعتمد عليها ويخشى منها، وعلى المستوى الاقتصادي أرادت هذه الجماعة أن تبين للحكومات التي تدعم الإرهاب أنها هي الأخرى تستحق الدعم المادي.
9- الولاء لأنفسهم فقط أو للجماعات القريبة منهم: ويعد ذلك عنصرًا رئيسيا في فكر الجماعات الإرهابية، لأن معظم الإرهابيين ليس لهم ولاء لأى دولة، ويستثنى من ذلك الجماعات القومية أو العرقية الموجودة بين الأرمينيين والكروات والأكراد والتأميل، وليست هذه سوى أمثلة قليلة، وفي تلك الجماعات والجماعات المشابهة يكون الولاء شديدًا لدرجة أن الإرهابيين يتطوعون بالقيام بأعمال إجرامية دون طلب من القيادة، ولكن في الجيل الثاني أو الثالث يقل الولاء ويشعر الأفراد بالزهو مما يفعلونه، وقد يستمتعون بالقيام بالعمليات الإرهابية غاية في ذاتها، ويتحولون بالتدريج إلى عدميين لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية .