الحصار الثقافي

لا أعرف على وجه الدقة متى اقتنيت آخر كتاب أصدرته وزارة الثقافة العراقية. ولا أعرف كذلك ما هو نوع هذا الكتاب. إلا أن من المؤكد أنه كان كتاباً مهماً. فالوزارة كرست جهودها لنشر المؤلفات القيمة، منذ أن شرعت بعملها قبل نصف قرن أو يزيد. ومنذ أن كانت تحمل اسماً آخر غير الثقافة. واتخذت لها قواعد شبه صارمة في هذا الشأن.
وقد وقعت في يدي كتب قديمة لمؤلفين عرب أصدرتها هذه الوزارة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وهو دليل على أنها تجاوزت المحلية في ذلك الحين وغدت وزارة قومية. مثلما كانت المجلات التي أصدرتها مشرعة في وجوه الأشقاء، تصل إليهم في عقر دارهم، منذ أعدادها الأولى.
وقد سمعت أن دار الشؤون الثقافية، وهي شركة تابعة للوزارة، مازالت قائمة بعملها، ولكنها تعجز عن إيصال مطبوعاتها للقارئ. ولم أستغرب ذلك، فشركات القطاع العام التي تنتج سلعاً مهمة، تشكو من العزوف عن منتجاتها المخزونة لديها .. هي الأخرى! وأجل مثل على ذلك شركات جلود والألبسة الجاهزة والزيوت والأسمدة والبتروكيمياويات .. وغيرهن كثير!
وربما تكون الصحف المحلية معذورة في عدم قدرتها على إيصال أعدادها إلى أكبر شريحة من القراء، بسبب ضعف إمكاناتها المادية. ولكن من غير المعقول التماس العذر لوزارة الثقافة .. أو وزارة الصناعة في ما انتهتا إليه من ركود.
في بلدان العالم المختلفة هناك مندوبون يوصلون السلعة إلى القرى النائية، ويتكبدون من أجلها الوقت والتعب والمال. في حين نحجم نحن عن توفير سلعنا المكدسة إلى الأسواق المكتظة لتلبية حاجات الناس.
والأدهى من ذلك أننا نشكو من إعراض الناس عن منتجاتنا التي تقبع في مخازن متربة منذ سنوات طويلة. ونغفل أن المؤسسات المنتجة لها تعمل بطريقة التمويل الذاتي. أي أنها تدفع أجور الموظفين وكلف الإنتاج من مبيعاتها. وفي ذات الوقت لا تقوم بأي جهد لتصريفها في الأسواق، وتقع فريسة للعوز والإخفاق.
يبدو أن الحصار الذي فرض على العراق منذ عام 1990 مايزال ساري المفعول حتى يومنا هذا. بعد أن تغير الوضع وشطبت قرارات المجتمع الدولي. لسبب بسيط هو أننا استمرأنا الحصار، وألفناه، حتى بات جزءً لا يتجزأ من ثقافتنا اليومية.
محمد زكي إبراهيم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة