(2 ـ 2)
سايمون هندرسون
لا بدّ من ترقّب ردّ باكستان العملي على تحدي الرئيس ترامب. وقد برز مؤخراً فراغ سياسي في إسلام أباد، في أعقاب الاستقالة القسرية لرئيس الوزراء نواز شريف في تموز/يوليو بعد اتهامه بإخفاء حقائق عن أصوله. ويُعتبر خلفه شهيد حقان عباسي مجرد وكيل، حيث من المرجح أن يُستبدل بشقيق شريف، شهباز، الذي يتردد أنه يحاول الفوز بمقعد في “المجلس الوطني”، وهو أحد شروط استلام المنصب. وقد يكون دور الجيش الباكستاني، بقيادة الجنرال قمر جواد باجوا، مهماً أكثر من أي وقت مضى. فكراهيته التقليدية للهند تفوق حقد شريف على هذه الدولة – وشريف هو رجل أعمال في خلفيته وأراد توسيع روابطه التجارية. ولطالما اعتُبرت “خدمات الاستخبارات العسكرية الداخلية” التابعة للجيش اليد الخفية التي توفر الدعم للإرهابيين الناشطين في أفغانستان والمناهضين للهند. وبالفعل، خلال فترات التوتر السابقة بين واشنطن وإسلام أباد، فرضت باكستان قيوداً على حركة الشاحنات التي تحمل إمدادات إلى القوات الأمريكية في أفغانستان التي لا تملك منفذاً بحرياً. وعلى الرغم من العديد من مليارات الدولارات التي قُدمت كمساعدات عسكرية ومدنية أمريكية منذ عام 2001، إلّا أنّ الباكستانيين العاديين أصبحوا أكثر عداءً للولايات المتحدة، ومن المرجح أن يكونوا أكثر استياءً من الاستراتيجية الجديدة.
وجهات نظر دول الخليج
تقليدياً، حاولت دول الخليج تجنب الانحياز إلى أي من الهند أو باكستان. فالهند تمثّل شريكاً تجارياً بالغ الأهمية نظراً إلى رخائها المتزايد وعدد سكانها الأكبر بكثير (1.3 مليار نسمة مقابل ما يقرب من 200 مليون باكستاني). وبالنسبة إلى باكستان، توفر منطقة الخليج فرص عمل مع ما يترتب عنها من تدفق حوالات قيّمة إلى البلد الأم. بالإضافة إلى ذلك، تجنّد قوات الأمن الخليجية، وخاصة البحرينية منها، عناصر سابقة من الجيش الباكستاني. وفي حالة السعودية، يشمل التواصل العسكري تجنيد قائد سابق للجيش الباكستاني هو الجنرال (متعاقد) رحيل شريف (لا علاقة له بنواز شريف)، كقائد للتحالف الذي تقوده السعودية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، على الرغم من أن باكستان لا تساهم بأي قوات. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير المستمرة إلى اهتمام السعودية بالحصول على الأسلحة النووية الباكستانية. وقد قام ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، بزيارة باكستان مرتين في عام 2016، كما يتحدث البلدان عن علاقة استراتيجية غير محددة. وكان وزير الدفاع السعودي السابق الأمير سلطان قد زار المحطة الباكستانية لتخصيب اليورانيوم في عام 1999 وعُرض عليه نموذجاً اختبارياً للسلاح النووي للبلاد. وعندما تمت الإطاحة برئيس الوزراء شريف في انقلاب عسكري خلال فترة ولايته السابقة في عام 1999، ذهب إلى العيش في المنفى في السعودية حتى عام 2007.
أما الإمارات، فتجمعها علاقات وثيقة تاريخياً مع باكستان. وبعيداً عن الروابط التجارية، زار وزير خارجيتها الحالي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان محطة تخصيب [اليورانيوم] الباكستانية عندما كان وزيراً للإعلام بعد أسابيع قليلة من الزيارة التي قام بها الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز. ولأكثر من عشرين عاماً، وبعلم السلطات الإماراتية، كانت دبي نقطة عبور للتكنولوجيا والمواد النووية التي يتم شراؤها من أجل برنامج الأسلحة الباكستاني، فضلاً عن البرامج الوليدة في ليبيا وإيران. يُذكر أيضاً أن الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرّف، الذي أطاح بشريف عام 1999 حين كان قائداً للجيش، يعيش الآن في المنفى في هذه المدينة الخليجية. بالإضافة إلى ذلك سوف ترغب السعودية والإمارات تخفيف نفوذ إيران في أفغانستان، على الرغم من أن طهران عادة ما تركز بشكل رئيسي على وقف الفوضى التي تؤثر على منطقتها الحدودية.
وخلال الأسابيع المقبلة ستحاول الرياض وأبو ظبي وعواصم الخليج الأخرى تقييم مدى تصميم الرئيس ترامب في مهمته المتمثلة بالحرص على “عدم تمكّن الإرهابيين من استخدام أفغانستان من جديد كملاذ لمهاجمة الولايات المتحدة”. وكان الموضوع الأساسي للخطاب هو أن تنظر الولايات المتحدة إلى الهند باعتبارها المستقبل وإلى باكستان كونها أبعد من أن يمكن إنقاذها. وقد أُعطيَت باكستان الآن فرصة واحدة وأخيرة للإصلاح. وبالنسبة لبلدان مثل السعودية والإمارات، التي يَعتبر قادتها أنفسهم بمثابة مستقبل الخليج والشرق الأوسط الأوسع، لا بدّ من أن تكون هذه الرسالة قد أحدثت أثراً. فروابطها مع باكستان قد تجعل منها عاملاً مهماً لتحريك عجلة الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وهو دور يجب اختباره في أقرب وقت ممكن. إن الكيفية التي ترد بها هذه الدول على إنذار الرئيس ترامب ستكون مثيرة للاهتمام بقدر رد باكستان.
* زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.