الدكتاتور فنّاناً

كتاب “الصباح الجديد” عن تأريخ لم يطوَ(الدكتاتور فنانا) لرياض رمزي
الحلقة 2
هل يمكنك أن تقرأ طوال خمسين سنة، وتعبّ مئات الروايات والمخطوطات ودواوين الشعر وكتب علم الاجتماع والدراسات المستقبلية، وأن تصبر على إكمال قراءة مجلد موبي ديك العقد والمتشابك، وتفكك خطب صدام حسين ومؤلفات اسحاق دويتشر وبرزان التكريتي والمركيز دي ساد ونيتشة وأمهات كتب التراث، بثلاث لغات حية، العربية والإنكيزية والروسية ثم تؤلف كتابا واحدا لا تتجاوز صفحاته على المائة والأربعين صفحة عن شخصية صدام حسين هي خلاصة كل ما قرأتَ وتأملتَ، إذ يتدحرج الفنان الدكتاتور، أو الدكتاتور الذي تفنن في تدمير كل من ألقاه حظه العاثر في طريقه، وتجبر على الله ومخلوقاته، وانتهى مثل هذه الأيام، قبل أربعة عشر عاما، الى خارج المعادلة بعد أن تسببت حماقاته في كل ما حل بالعراق من كوارث.
يقول الكاتب رياض رمزي في مقدمة كتابه (الدكتاتور فنانا)
بالرغم من أن العراقيين، على عكس الشعوب الأخرى، لا يعدون ظاهرة العنف حالة طارئة في تأريخهم، فأنهم مع اطراد الكوارث المفجعة كثيراً ما يتساءلون : أي لعنة خيمت عليهم ؟ وأي جريمة اقترفوها كي تسير الحياة السياسية لديهم يدا بيد مع القتل؟ما هو سبب هذه التراجيديا التي بدأت تقود الى اعتقاد سطحي لدى البعض يتمثل في تسمية مبسطة يطلق عليها عادة “سوء الطالع ” هل هو التأريخ الطويل للقتل السياسي أم أرواح شريرة سكنت هذه الأرض؟
صدام حسين.. لا اختلاف بين السلطة والشر.. أحلام فنان تجرف في طريقها كل ما خلق الله
1 – مفاتيح البحث
استغرق انجاز هذا الكتاب مدة طويلة، و تعود بدايته الى عام 1982 م . آنذاك، كنت اتابع الحرب العراقية الايرانية ، اسمع اخبارها ، اراقب تطوراتها، واشاهد برامج متنوعة عنها . عندما طالت متابعتي مجريات الحرب .، بدأ اهتمامي يتجه عفوا ، ليس نحو الحرب بل نحو من كان يقودها .
مرت عملية التطور في رؤيتي للمعارك من مشاهدتها كفعل عسكري الى النظر اليها عبر اداء فرد واحد جعل منها ساحة لإظهار مواهبه الشخصية. فتراجع العمل العسكري الى مرتبة ثانية لمصلحة بطل يقود المعارك بطريقته الخاصة. باتت الحرب نسخة مستعادة من طباعة الشخصية، وكان هو مستمتعا بذلك الامتياز : حيويته البالغة في ادارة المعارك، وهو ماكنا نستطيع تمييزه بوضوح اسمه الذي كان يذكر طوال الوقت على نحو يعلو حتى على دوي الانفجارات . وحين تشتد الحرب قسوة وتشمل المدن ، كان يخرج بشرط ينم عن طبع شخصيته، لإيقاف حرب الصواريخ مع ايران ، ويتمثل في ان يرشق آخر دفعة من صواريخه من دون ان يكون للطرف الآخر حق الرد. ذلك كان اهم من الحرب . اما سلامته فأغلى ثمنا من دم رجاله . كان في اوج القتال يدعو طائفة من قادة الدولة الى اجتماع مغلق ، يخرج من لم يتطوع للحرب ، يوبخهم بالقول ” كنتم فقراء فأصبحتم ميسورين بعد الثورة. ” ثم يقرر ارجاعهم الى حالة الفقر ، مؤكدا بذلك ان الفقر والغنى اجتهادان شخصيان منه وليسا اداء اجتماعيا .
كل شيء يحدث هو على هواه وعند الاقتضاء . اذ حالما تحدث نكسة عسكرية لا تناسب خسائرها ما كان يردده من مصطلحات اراد توطينها بالقوة ( اقتدار ، منازلة ، شموخ ) جلس مثل حيوان هائج يخدش الحائط من شدة غيظه فيستدعي ضباطا كي يجردهم من رتبهم العسكرية ، ويرسلهم بسيارات شحن الى ميادين الرمي ثم لا يسمع بعد احد اخبارهم على الاطلاق .
كنت ارى اداء لا اجده الا في اشد الروايات امعانا في الخيال : مئات الآلاف من القتلى ، جموع جائعة ، دولة منعزلة من دون حلفاء ، وهو يركب حصانا فحلا مخصصا للاستيلاد ، مشيرا بيده اشارة النصر لجموع تضع ايديها اسفل بطونها درءا لآلام الجوع ، صارخاً بهم ” تباً للمستحيل ” .
ثم جاءت حرب أخرى، فقال الجميع ” لن يخرج منها هذه المرة ” لكنه خرج بوجه لايعكس اي تعبير يشي بالاسف على ماسببه من نزف كامل هز الجميع ما عداه . كانت حربا فقد الكل اتزانه من جرائها : ماانزلت بالبعض من كوارث وما جلبته من ارباح للبعض الاخر فالحرائق التي اشعلها في كل مكان ، مازالت تستعر وترقد في الهواء الى الان . لكنه وبالرغم السنة اللهب ورائحة النار التي غطت رقعة فسيحة من بلدان تعتم لون هوائها بسبب حروبه ، كان يخرج احسن حالا مما كان عليه في السابق فيقف على غرار المنتصرين ، يطلق الرصاص على مرأى الجموع المحتشدة ، وقد كان كأنه احتفالا شبيه بما يحدث في الاعراس .
كنت اشاهده وهو يجلس على كرسي عال ، بعد انتهاء حربه مع ايران ، يتحلق حوله على مستوى ادنى اولاده وقادته ، ويطلق واحدا من اقوى التهديدات بحرق نصف اسرائيل ، وقد استبد به الفرح من رؤية سبابته المتوعدة وهي تروح وتجيء قرب عينه مثل الهة تنذر برمي الصواعق على اعدائها وهي تتلمظ مأخوذة بمدى هول مايقع في مجال مسؤوليتها . وما ان يقبل بقرارات ينجم عنها اذعان ومذلة جلية لسلطته حتى توقظ تلك الهزيمة رغبته في انعاش دفاعاته بارهاب يعيد نوعا من الطراوة الى مزاجه ، كنيكروفيلي يؤمن ان ازدهار الذات ووقاية النفس يأتيان من تدمير الاخرين ، او كعسكري يمنى بهزيمة فيتذكر من خالفوا الاوامر ، ويجردهم من رتبهم العسكرية ويرسلهم الى الموت . كان في اوج فترة انحطاط سلطته ، عندما يصدر اوامره بقطع الايدي وجدع الانوف ووشم الجباه . لكنه من ناحية اخرى و كان في عز نكسته العسكرية و حين اخذ يجمع حوله الشعراء كي يضعوا نشيدا وطنيا جديدا للبلاد ، فقد وقف امام عدسات التلفزيون وطلب منهم ان يصفوا له بركة ماء ،. كنت احدث نفسي : هل كان يعيش في زمن السلاطين ؟ هل ذلك دلالة على حس فني عال ؟ هل هو تمناه مع المبدعين مثل عنين غير قال على وصال امرأة فقرر الاتيان بمن يواصلها على مرأى منه كي شعر بالمتعة ؟
المشهد الذي الهب شعوري وحوله الى مايشبه جرحا مفتوحا اغمدت فيه حفنة ملح ، كان رؤية مجموعة من المهاجرين في مركب مكتظ متوجه نحو العالم الجديد ، وهم باعو ا كل مايملكون ، ودفعوا المال الى المهربين كي ينقلوهم الى بلد ليست لديهم الا فكرة غامضة عنه : استراليا . كانوا اشخاصا اقبلوا على مغامرة من دون ان تتوفر فيهم شجاعة المغامرين وطيشهم ، فوقعوا في المغامرة من غير تخطيط كان بينهم رجل لا يملك سوى واجب الابوة نحو ابنته الصغيرة ، فانساق نحو حلم لم تستطع الحروب ولا الحصار من صرف ذهنه عنه : البحث عن مستقبل لابنته ، ان تدرس وتتاح لها فرصة اختيار زوج بنفسها . كان يوما باردا لم تقو السفينة على تحمل مداعبات الموج المتلاطم ، فأسلمت نفسها الى الغول الفسيح والعاطل ؛ الى الماء الذي حول جسم البت الضامر الى بدانه غير مستحبة اشبه بكيس مربوط مسترخ على الماء ، تعلق به والدها فأعتطه حياة جديدة بعدما وعدها هو بذلك .
لم يكن لأكثر المقادير قسوة ان نجتهد في صنع نصير او قسمة مستبدة لهذه الارض ، غير عابئة حتى بالتفكير في ايجاد انموذج اقل فتكا ، او حتى باعلان هدنه تنعم فيها البلاد بسلام مؤقت .
تحولت هذه التساؤلات الى تساؤل رئيسي : كيف يعمل شخص كهذا ؟ ثم تطور السؤال فاصبح : لماذا يعمل بهذه الطريقة ؟ انه سؤال عن الاعداء ، واذا لدى المؤدي ؟
كنت ادرك ان شخصية عصية على التعريف ، ولايمكن الاالحدس بما ينوي فعله . اذا برغم سهولة الوصول الى صورة وانصاب تماثيله التي ملأت ارجاء البلاد يكاد ان يكون استخلاص منهجه في التفكير ، مستحيلا. لم تكن سلطته الموحلة تشبه غير ارض وعرة المسالك ومجموعة استثناءات من غير الممكن القياس عليها . فهو لم يجلس قبالة كاتب سيرة كي يساعد على الافصاح عن نفسه ، بل استعان باثنين رسما صورة له وفق مايشتهي هو . فلم يظفر الابوجه من وجوهه العديدة ، كقيصر الذي فضل عند موته ان يتلفع وجهه الفعلي بحجاب . كان علي البحث عن وجه الوجوه ذلك .
عندما تفحصت طريقته في الاداء وجدت انها تشي بوجود سر . ولم اكن اعرف ذلك السر ، لكنني كنت اتشمم وجوده مثل سماع ترددات مبهمة لنغم بعيد لا يستطيع المرء ان يتعرف على ايقاعه الا بايقاظ لحنه الغافي في الذاكرة عن طريق طرق متواصلة بمقدم حذائه . كنت التمس الوصول الى السر مهتديا بأضواء تتحرك متأرجحة وراء ستارة سميكة لأدائه الرسمي . كان علي ان افض الستارة كي اصل الى مصدر الضوء . بيد اني كنت حذرا من اعلان وجود سر لغياب وسيلة فكرية تكشف عن طريقة تتيح الوصول اليها . تعين علي التريث طويلا ؟؟، بانتظار ان تستسلم العقدة وتحل . هكذا كنت اشعر بوجود معنى مراوغ يفلت مني عندما اكون على وشك الامساك به . لا ادعي انني جئت بحقائق جديدة عنه . فهي معروفة وموجودة بالتداول . انا لم اقم الا بتغيير زاوية النظر الى تلك الحقائق ، عن طريق استخدام رؤية جديدة لاستخراج المعنى .
يقول بيكاسو انه يبحث عن الواقع الاعظم” الواقع ، بحسب رأيه ، هو اكثر من الشيء نفسه . انه يكمن في كيفية رؤيتك للاشياء . الببغاء الاخضر بالنسبة الي سلطة خضراء … من يجعل منه ببغاء انما يقلل من واقعه . الرسام الذي ينقل صورة شجرة يعمي نفسه عن الشجرة الحقيقة . اني ارى الاشياء على نحو مغاير ، اذ يمكن شجرة نخيل ان تصبح حصانا ” . انه يستحضر اشياء لاعلاقة لها بالواقع عندما يرسم ، ثم يدخل عليها في مرحلة لاحقة ما يسميه الخاصيات : الشعر الظلال ، العينان ، لإعادة العين الى واقعها البصري .

يتعين درس الدكتاتور بالطريقة نفسها التي ننظر بها الى لوحة فنية ” اني ارى الطاغية على نحو مغاير ، اذ يمكن الدكتاتور ان يستحيل فنانا لدي ” تشاهد اللوحة اولا من دون أية اسئلة ، توضع الصورة في الذكرة ، ثم تستعاد ثانية وفق مانطلق عليه الاستبطان ، أي تحديد مكونات الصورة بحسب عملية بوليفونية شبيهة بتلك التي استخدمها ميلان كونديرا في كتابة ” فن الرواية ” اذ يقوم بتحليل النص مقسما اياه الى خطوات او مسارات تحدد اصوات الكتاب المختفية وراء النص ، اي شخصية الكاتب المختفية وراه نتاجه الابداعي .
عندما كتب تولستوي ” انا كارينينا ” كان يسمع صوتا اخر لاعلاقة له بشخصياته الرئيسة باقتناعاته الاخلاقية ، بل كان يستمع الى ما يسمى الحكمة الروائية . لابد ، اذن ، من اعادة النظر في الموضوع ، على غرار ، مايفعل الفنانون الانطباعيون ، والتكعيبيون ….، الذين حاوروا الرؤية البصرية السائدة في زمانهم ، مكتشفين ،نتيجة ذلك ، جماليات جديدة من خلال تغير زاوية الرؤية . للمثال ، من يشاهد لوحة ” لاعبي القمار ” لسيزان ، تذهله رؤية عدد الغلايين المعلقة على الحائط . لكن نظرة ثانية اكثر عمقا ستكشف عمق العلاقة بين التبغ والمقامرة . ومن يقرأ الروايات العظيمة قد تحيره تلك الاشياء المنتقاة بدقة :”ثمة مقذوفات فارغة على المائدة ، تفوح منها رائحة بارود محترق ، وعظام خروف ، وخريطة ميدانية ، وبلاغ ، ولجام مزخرف تنبعث منه رائحة عرق الحصان النتنة ، ورغيف سمك ” من يقرأ هذه القصة مرة اخرى يجد انها مفردات تختفي خلفها قضية تقاتل بسببها الخصوم بضراوة .(قصة ” الشاملة ” لميخائيل شولوخوف ).
اذا كان هنالك لغز يقف وراء سلوكه ، فعلينا فض احجية ذلك السلوك بايجاد طريقة جديدة للنظر ، وبتغير زاوية الرؤية الى افعاله . يجب درس ليس مافعله ، بل لماذا فعل ذلك وبتلك الطريقة ؟ لاتوفر الطرق التقليدية مفتاحا لفهم افعالة . فهي اشبه ماتكون ببلبل ميت ليس من المجدي إنهاضه لسماع تغريده . نحن نعرف الان ما الذي فعله ، ولكننا نعرف لماذا . ولانه كان يعيش كطريد متوحد محاط بالأسرار، ومنصرف الى احلامه مع كل مافيها من نزوات تتطلب تكلفة استثنائية كي تتحقق ، سيظل الاختصاصيون يبحثون طويلا عن نيات هذا الرجل الذي خاض ثلاث حروب وعشرات المعارك الداخلية وتلاعب
بسلطته وعرضها للأخطار من دون وجود تهديد جدي لها . وما ان ترك سلطته حتى بدأ الناس يبحثون عن لقى اخرى ، اضافة الى ماهو موجود في باطن الارض ، فبعدها كانت الارض ملأى بالبترول وشاهد التاريخ ، باتت للأخطار من بالمقابر الجماعية .
من يحلل خطبه قبل الحرب الاخيرة ، يجد انه كان يعيش في ازمنة اخرى ويستحضر وقائع حدثت في عهود غابرة يستخلص منها نتائج ماانفك يعممها على زمنه الحاضر .
ففي الوقت الذي كان شبح المواجهة ، يلوح في الافق يبين اكثر البلدان قوة في العالم واضعفها ، كان يلجأ الى مقارنات غريبة ومضحكة بين حامل السيف والرمح . فحامل الرمح يصل الى حامل السيف اسرع لان سلاحه يمتاز بالطول ، لكن بوسع حامل السيف ألغاء امتيازات حامل الرمح عن طريق تجنب ضربته . وفي الوقت الذي وصلت قوات الاحتلال الى مشارف العاصمة العراقية ، كان يصرح بانه لم يستعمل سوى ثلث قواته المسلحة . وفي وقت حشد اعظم قوة عسكرية لاجتياح البلاد ، كانت اجهزته منهمكة في مناقشة خطة اقتصادية للسنوات العشر المقبلة من حكمه . كان بعد زيارته احد قصوره يعجب كيف ان احدا لم يخطر على باله التفكير في شكل السلالم عندما يصل الى مرحلة الشيخوخة . فيصدر أمرا يقضي بإنشاء سلالم تجيد التعامل مع شيخوخته ، مراعية شكل صعوده الى الاعالي بلا مشقة عن طريق تقليل المسافة بين مرقاة السلالم قائلا ” الم يدر في خلد احدكم كيف يتسنى لي ارتقاء السلم والصعود الى اعلى عندما يناهز عمري التسعين “. هكذا على السلالم ان لاتعجز عن احتواء متطلبات عمره المديد . كان لديه جهاز كامل لاطلاق هذا الخبر في اليوم الثاني في التداول كي يغدق عليه الاخرون تأويلات شتى تجعل الفرد يكيف ليس شكل حياته وحياة اولاده لمتطلبات عمر توراتي كل ما فيه خلل دائم وكل نهار فيه يشرق على نكبة جديدة بل ان تعود نفسه تبديل عاداته اليومية بإيداع ثقته في العجائب ، والاتكال على الاقدار في عالم من مفاجآت لا يرقى الادراك الاعتيادي الى سبر كنهها . ليس هنالك في حكمه نسق واحد يسمح باستنساخ ، اذ لا شيء فيه يشبه ماحدث في الزمن الماضي فيتغير مفهوم كل شيء : ليس المهم الصعود الى الاعلى بل تجنب الهبوط نحو الادنى . وببساطة في واقع كل مافيه يتسم بالغرابة ، تم خلق الفرد المستعد دوما لتقبل الاسوأ ، الفرد المفتقر الى الطموح في زمن المستقبل فيه أسوأ من الماضي على الدوام .
لم تكن لديه اراء يعتد بها في الحكم ، ولم ينشئ مؤسسات راسخة ولم تكن هناك كوكبة لامعة تفكر على نحو مستقل عنه . لكن تأثيره على البلاد كان عظيما ، وربما الاعظم منذ سقوط بغداد على يد هولاكو عام 1258 كان مسحورا بالقوة والتاريخ لديه ليس سوى كتيبة من جنود يسيرون بإمرته .
عاش حياته مختنقا بوهم قدرته على اخضاع كل شيء لشبق السيطرة المحموم الممسك بتلابيبه . عندما يخفق في السيطرة او يمتنع عليه ممتنع ، يسيطر عليه عنوة ، يغتصبه بالطريقة نفسها التي اغتصبت بها تميل على يد بوبيه احد ابطال رواية “الملاذ” لوليم فولكنر .

يقول ماركس في كتابه الثامن عشر “لويس بونابرت ” “لايكفي القول كما يفعل الفرنسيون عادة ، ان امتهم اخذت على حين غرة . فان الامة والمرأة لا تغتفر لهما تلك اللحظة التي تفقدان فيها الحذر ويتمكن مغامر يمر بهما من ان ينتهكما . ان جملا كهذه يستطيع حل اللغز بل تصوغه على نحو اخر فقط ولاتزيل ضرورة تفسير كيف يستطيع ثلاثة محتالين ان يأخذوا على حين غرة ويأسروا من دون مقاومة امة يبلغ تعدادها 63 مليون نسمة .
من هو هذا الرجل الذي اسلمت البلاد له نفسها فانتهكها ثم عفر وجهها بالتراب ؟ وعلى ماذا اعتمد نجاحه ؟ هل على قسوة ام على الحظ ام على سذاجة خصومه ؟ هل هو بطل شكسبيري ذكي لكنه غارق في الدماء ؟ هل هو بطرس الكبير الذي وجد في القسوة سبيلا لتأسيس بلاد قوية ؟ هل هو ستالين المهموم بالدور التاريخي لروسيا ؟ هل هو بطل قومي صاحب رسالة ؟ هل هو بطل جاء من غيوم الميثولوجيا لا يعرف اين يبدأ الممكن ومتى ينتهي المستحيل ؟ هل هو لويس نابليون الذي قال عنه ماركس في الثامن عشر من برومير لويس بونابرت “ان الصراع الطبقي في فرنسا قد اوجد الظروف الدكتاتور فنانا .
والعلاقات التي مكنت شخصا سخيفا متوسط الموهبة من ان يؤدي دور البطل ” هل هو اذن ميكيافيلي قاس ؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة