“في ظل أسياد الحرب”
جون آلين
خلال فترة خدمتي كقائد لـ “قوة المساعدة الأمنية الدولية” (“آيساف”) في أفغانستان، كانت هناك ثلاثة عناصر كبرى من “العمليات الخاصة” تحت تصرفي، وقمنا بتنسيق أنشطتها. وضم الصف الأول قوات “قيادة العمليات الخاصة المشتركة”، التي استُعملت لتعقّب أهداف عالية القيمة من أجل تفكيك هيكل القيادة والسيطرة الخاص بحركة “طالبان”. وتألف الصف الثاني من “قوات العمليات الخاصة” الاميركية، أي “القوات الخاصة التابعة للجيش” و”القوات الخاصة بالبحرية” الاميركية، التي تم توزيعها في جميع أنحاء البلاد على أساس الأولويات المرتبطة بعمليات مكافحة التمرد الخاصة بـ “حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”) والمنسقة مع القوات التقليدية الأفغانية و”قوات العمليات الخاصة” الأفغانية. أما الصف الثالث وهي وحدة تابعة لـ “حلف شمال الأطلسي”، فقد استُخدمت بنحو أساسي لمساعدة حكام الولايات الأفغانية على تطوير فرقة تدخل سريع (أو فرقة الأسلحة والتكتيكات الخاصة المعروفة بـ “SWAT”) وذلك لتعزيز قدرات “الشرطة الوطنية الأفغانية” في هذا الإطار كما تدعو الحاجة. وأنتج ذلك تأثيراً متعدد الطبقات، حيث أزاحت “قيادة العمليات الخاصة المشتركة” [قوات] “طالبان” من مناطق معينة وتمت الاستعانة بعدها بالصفين الآخرين لضمان الاستقرار. وستسهم هذه العناصر في بناء قدرات “الشرطة المحلية الأفغانية”، الأمر الذي يُعد في نهاية المطاف العامل الوحيد الأكثر أهمية في منع تواجد “طالبان” على المدى الطويل. إضافة إلى ذلك، لعبت “الشرطة الوطنية الأفغانية” دوراً مركزياً في تحقيق الاستقرار للقوات الاميركية ونقلها من دور قتالي إلى دور استشاري.
ولا بد من أن تفْهم القوات الاميركية السياقين الثقافي والسياسي للبلد المضيف وكيفية تأثيرهما على القوات التي تحارب إلى جانبها. كما يجب عليها إدارة التوتر الناشئ عن حاجتها لأن تكون جاهزة لخوض الحرب التقليدية المقبلة وحاجتها لأن تكافح مرة أخرى الصراعات غير النظامية، والتي لا يمكن تحقيق الانتصار فيها إلا من خلال تمكين القوات المحلية.
وستتعرض المؤسسة العسكرية الاميركية لمخاطر جمة إذا نسيت هذه الدروس وكررت أخطاء الماضي. لذلك، يجب على الولايات المتحدة إضفاء الطابع المؤسسي على الدروس المستخلصة من كتاب “في ظل أسياد الحرب” (In the Warlords’ Shadow) وتطبيقها ضمن برامج التدريب العسكري. فتلك كانت دروس صعبة تم استخلاصها، وبالتالي لا ينبغي نسيانها. على سبيل المثال، بصفتي المبعوث الرئاسي الخاص لـ “التحالف الدولي لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية»” في وزارة الخارجية الاميركية، اقترح البعض أن تعيد الولايات المتحدة نشر أعداد كبرى من القوات البرية الاميركية لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن خلال ما تعلّمناه في أفغانستان، كانت تلك الاستراتيجية ستولّد أجساماً مضادة رداً على الوجود الاميركي وكذلك فراغاً بمجرد خروج القوات الاميركية. أما إذا قمنا بتمكين القوات المحلية، كما فعلنا في أفغانستان والعراق، فلن يحصل أي من هذين السيناريوهين. وفي الوقت نفسه، إذا لم ندعم تلك الجهود العسكرية بعناصر تمكين غير عسكرية على نحو ملائم، بمن فيها الدبلوماسيين لدعم مقاربة سياسية-عسكرية، فسنمهد بذلك طريق الفشل للمؤسسة العسكرية الاميركية.
ولن تنعم أفغانستان قط بالاستقرار إلا بعد وضع حلول للفساد المتفشي على نطاق واسع وللحوافز الاقتصادية والبنية التحتية التي تمكّن إنتاج المخدرات وتوزيعها وانتشار الأعمال الإجرامية. وفي هذا السياق، يجب على الولايات المتحدة إعطاء الأولوية لعمليات المساعدة الإنسانية وإرساء الاستقرار، بالإضافة إلى عمليات مكافحة التمرد. وفي الوقت الراهن، تفتقر الحكومة الاميركية لسياسة متماسكة فيما يتعلق بأفغانستان. وفي حين أنه من المشجع أن يتمكن وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس من نشر ما يصل إلى خمسة آلاف جندي من دون موافقة “مجلس الأمن القومي”، إلّا أنه يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ بالتفكير بالقدرات التي تمثلها تلك الأعداد. كما يجدر باستراتيجية الحكومة الاميركية في أفغانستان أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية في تلك البلاد، إذ لا يمكن الحديث عن استراتيجية أفغانية طويلة الأمد من منظور أمني فحسب.
دانيال غرين
يَعْتبر كتاب “في ظل أسياد الحرب” (In the Warlords’ Shadow) أن “برنامج عمليات إرساء الاستقرار في القرى التابع لقوات العمليات الخاصة الأميركية” في أفغانستان هو نتاج المعرفة المكتسبة من التدخلات الأميركية المتكررة. فخلال الحرب على الإرهاب، لمست “قوات العمليات الخاصة” الاميركية الحكمة من استعمال استراتيجية “طالبان” ضد هذه الحركة، من خلال الاشتراك مع القادة المحليين لتوفير الدفاع والأمن والاستخبارات على الصعيد المحلي، فضلاً عن الدعم اللوجستي. وفي ذروة البرنامج، الذي يشمل 120 موقعاً في جميع أنحاء أفغانستان، اعتمدت القوات الاميركية نهجاً تصاعدياً (من الأسفل إلى الأعلى)، عبر تطوير شبكة من “الشرطة المحلية الأفغانية” تتمتع بدعم شعبي وإنشاء بنية تحتية لإرساء الاستقرار انطلاقاً من فهم السياق، لتكملة النهج التنازلي (من الأعلى إلى الأسفل) الذي تنتهجه الحكومة الاميركية بالتعاون مع الحكومة الأفغانية المتمركزة في كابول منذ عام 2001.
إن الطريق الطويل المؤدي إلى “عمليات إرساء الاستقرار في القرى في أفغانستان” قد أرغمت المؤسسة العسكرية الاميركية على تخطي عدد من أوجه القصور في الطريقة التي تُصوّر بها الحكومة الاميركية العدو وإعداد استراتيجيات لمحاربته. ففي بداية الحرب على الإرهاب، كانت الحكومة الاميركية وجماعة صانعي السياسات لا تضم سوى عدد قليل من الخبراء الأفغان، إذ كان لدى القادة وصناع السياسات والخبراء الاستراتيجيين تصور خاطئ عن طبيعة “طالبان” والشعب الأفغاني. ولم تستنتج المؤسسة العسكرية الاميركية أن أفضل طريقة لمحاربة “طالبان” هي استعمال استراتيجية تلك الحركة ضدها وأن هزيمة “طالبان” تتطلب نهجاً شاملاً لبناء الأمن يتضمن مقاربات سياسية وعسكرية متكاملة، إلا من خلال مسيرة طويلة من التجربة والخطأ.
وكما تقوم “طالبان” بتجنيد مقاتلين محليين في صفوفها، كذلك استعانت “قوات العمليات الخاصة” الاميركية بالقادة المحليين كأصحاب مصلحة في أمنهم واستقرارهم وحوكمتهم الخاصة، بحيث يوصي القادة المحليون بانضمام شبابهم إلى “الشرطة المحلية الأفغانية”، ليخضعوا لاحقاً لتدريب على يد قوات “حلف شمال الأطلسي” و”قوات العمليات الخاصة” الاميركية.
وبالطريقة نفسها التي بُني بها الأمن من القاع إلى القمة، تعلمت الولايات المتحدة أن الدفاع الداخلي الأجنبي والحوكمة الداخلية الأجنبية يسيران جنباً إلى جنب. فتحقيق النصر في تلك “الحروب الصغيرة” لم يقتصر على استئصال “طالبان”، بل أيضاً على الحرص لاحقاً على ملء فراغ الحوكمة-الأمن بقوة صديقة. وهكذا، استطاعت الولايات المتحدة أن تواجه قوات العدو واستراتيجيته على حد سواء.
وتحقيقاً لهذه الغاية، يقدم كتاب “في ظل أسياد الحرب” (In the Warlords’ Shadow) عدداً من التوصيات لخوض هذه الأنواع من الحروب التي تنطبق على الشرق الأوسط. عندما يخضع الجنود لتدريب متخصص ليس فقط في القتال بل في مهارات التطوير والمهارات الدبلوماسية أيضاً، يصبحون أفضل تجهيزاً بكثير لمواجهة العدو على نحو شامل.
أعدت هذا الموجز إريكا نيجيلي عن معهد واشنطن.