ما جرى في منطقة عكاشات السورية من فاجعة أدت الى مقتل وجرح العشرات من مقاتلي ما يعرف بـ (كتائب سيد الشهداء) يدعونا الى التوقف عندها كثيراً، لا سيما بعد فزعة البيانات التي صدرت عن الجماعة التي فقدت كل هذا العدد الكبير من الضحايا، واتهمت فيها القوّات الأميركية بتنفيذ ذلك العمل العسكري ضدها، وما رافق ذلك من بيانات لسياسيين ونوّاب عراقيين تؤكد مثل تلك الادعاءات. القوّات الأميركية وبلسان ناطقها الرسمي نفت مثل تلك الادعاءات جملة وتفصيلا، وهذا ما أكدته الحكومة العراقية ورئيسها السيد حيدر العبادي، كذلك نفى الحشد الشعبي تعرّض قوّاته لمثل تلك الاعتداءات. كل ذلك لم يردع المنتسبين لنادي (صقر آل فليح) ومنها أعضاء في أكبر كتلة برلمانية (دولة القانون) من صب جام غضبهم على أميركا، داعين الى “مقاضاتها” وطرد قوّاتها من العراق، و”رفع دعوة قضائية في محكمة العدل الدولية ضد القوّات الأميركية” وأن ” وجودها في العراق هو لإنهاء هذا البلد وقواه المجاهدة” هذا ما جاء في تصريحات النائبة فردوس العوادي حول ما حصل في عكاشات.
هسه آمنا بالله انتو جماعة تكرهون أميركا (الشيطان الأكبر) ولن تفوتوا أية فرصة ومناسبة لتبرهنوا عن حماستكم واندفاعكم في هذا المجال، لأسباب لم تعد خافية على أحد، بوصفكم من “القوى المجاهدة” التي أشارت اليها النائبة العوادي في بيانها الأخير، وهي قوى تنتمي للفردوس الإسلاموي الآخر، والذي يسعى لتصدير الثورة ورسالتها الخالدة الى بقية الأمصار. لكننا كسكان في هذا الوطن المنكوب بـ (الرسائل الخالدة والتجارب العاوية..) وصلنا الى شفا الهاوية برفقة مثل هذه العقائد والآيديولوجيات التي انضمت عند الأمم التي وصلت لسن التكليف الحضاري لمتاحف التأريخ ومصاطب التشريح العلمي والمعرفي منذ زمن بعيد. بعد التجربة الأخيرة مع عصابات داعش وسردياتها القاتلة، نجد أنفسنا نقف وسط خرائب وأنقاض لا حدود لها بشرياً ومادياً وقيمياً، وللتعاطي مع متطلبات مرحلة الخراب الهائل هذه، نحن بأمس الحاجة لكبح كل المساعي والخطابات والسياسات المتهورة وغير المسؤولة، التي لن تكف عن محاولاتها لتوريطنا بالمزيد من (القادسيات وأم المعارك وخالاتها وعماتها..) وغير ذلك من المهالك المجانية تقرباً لدول الجوار وسيناريوهاتها على تضاريس “بستان قريش”.
ما حدث في منطقة عكاشات من خسارة فادحة لأرواح العشرات من الشباب العراقيين، والتي برهنت المعطيات القاطعة بما في ذلك ما بثته وكالة أعماق الداعشية عن الهجوم الذي شنته عصاباتها على ذلك الموقع؛ لا براءة القوات الأميركية عن ذلك العمل الشنيع وحسب بل لا مسؤولية من يقف فعلياً وراء حصول مثل تلك الحوادث المأساوية وفقدانهم لأبسط معايير الشجاعة في تحمل عواقب القيادة والقرار. إن الإصرار على اتباع سياسة شيطنة أميركا، ومواصلة حملات الكذب والتشويه لسمعتها ومواقفها ودورها في الحرب ضد الإرهاب ورأس رمحه المتمثل بداعش؛ سيلحق أبلغ الضرر بهذا الوطن القديم وشعوبه الذين يمرون بأصعب وأخطر منعطف في تأريخهم الحديث. إننا اليوم بأمس الحاجة لسياسة حكيمة ومسؤولة وحذرة في التعاطي مع ما يحيط بنا من مخاطر وتحديات، سياسة تطفئ الحرائق لا تشعل المزيد منها كما تسعى القوافل المسكونة بترنيمة (فوت بيه وعل الزلم خليه) والتي انتهت بانتشال فارسها من جحره الأخير. نحتاج الى ترميم العلاقة مع المجتمع الدولي وكسب ثقته في إمكانية إعادة البناء والإعمار لوطن لم تتوقف المهالك والحروب على أرضه منذ عقود..
جمال جصاني
بيانات من هذا الزمان
التعليقات مغلقة