لطالما استوقفتني الآية الكريمة (المال والحياة زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير ثواباً وخير أملاً) الكهف الآية 46، وكثيراً ما استمطرت هذه الآية أسئلتي، هل البنون فعلاً زينة الحياة الدنيا؟ وهل كنا كذلك لوالدينا؟ مثلما نرى أولادنا زينة حياتنا ومتعتها؟ وهل سنظلُّ بهذا الوصف حين تضيقٌ أنفسنا بمن كان سرُّ وجودنا في هذه الحياة؟ حينَ تنزعج اسماعنا من تكرار كلام والدينا كل وقت؟ حين تستفزنا أسئلتهم عمّا يجري من حولهم بـ لماذا؟ ومن؟ وكيف وماذا؟، حين نضطر لإعادة ما نقول عدة مرات لأنهم لم يسمعونا بسبب ضعف حاسة السمع عندهم؟ وأيُّ زينةٍ وأي متعة نكون لهم حين نشتري لا نفسنا وأزواجنا وأبنائنا أحلى الهدايا والملابس في حين تظل ارواحهم ترنو لهدية ولو كانت بسيطة ورخيصة؟
حينَ تصبح جدران دار المسنين أكثر رأفة بهم من أولاد نسوا فضل من حملهم وهناً على وهنٍ، تلك التي قال عنها الله سبحانه ((حملته كرهاً ووضعته كرهاً)) والكره هنا تعني المشقة والعناء والألم.
وتصبح قلوب أغراب في تلك الدار أرحم بهم ممن أوصاهم الله ببرِّهم في قوله ِ الكريم: – (( ولا تقلْ لهم أفٍ ولا تنهرهما ، وقل لهما قولاً معروفاً )).
في تلك الدار يتناقصُ كل يوم نبضُ قلوب من أفنوا حياتهم وشبابهم وصحتهم في رعايتنا، وتوفير أسباب سعادتنا وراحتنا حين كنا لهم (زينة الحياة الدنيا) فهل سنكون لهم زينة الحياة الدنيا في شيخوختهم وضعف حواسهم، وفناء أجسادهم
وانتكاسة صحتهم؟
ان اقسى ما يعانيه الانسان هو نكران الجميل، وأشد ما يخدش الروح هي الحسرة والندم على عمر ولّى، على سنوات ذهبت هباءً من دون جدوى، فما اقسى ان يجد الوالد نفسه وحيداً، مهملاً، منبوذاً من أحبِّ الناس اليه، فقط لأنه كبر في السن، ولم يعد الجسد يتحمل تلك النبضات المنسية، انها قسوة أبناء الذين تخلّوا عن آبائهم، والقوهم في دار المسنين والعجزة بحجة ضغوطات الحياة وانشغالات العمل .
وحدهُ الكبير في السن (الشيخ والعجوز) الذي غدت دور المسنين مهجعهم وملاذهم الآمن والوحيد، وحدهُ من يعاني ذلك الألم النفسي والأساس بالنبذ، وعدم التقبل، وحدهُ من يذبل مثل شجرة أحرقها حرُّ الصيف وعطش الجذور في ارض جرداء، لاحبَّ فيها ولا اهتمام، وحدهُ يقضي آخر أيامه في اجترار ذكريات أحبَّةٍ حتى آخر نبضة منسية.
حليمة الجبوري
نبضات منسية
التعليقات مغلقة