“جهاز مكافحة الإرهاب”والحرب الطويلة ضدّ التمرّد المسلّح

أفضل ما أنشأته أميركا في العراق
(2ـ3)
مايكل نايتس
والكسندر ميلو

يتعين إعادة بناء قاعدة عناصر «جهاز مكافحة الإرهاب» وقدراته المتخصصة إلى حدٍّ كبير. وهناك نموذجان أساسيان لتجديد القوة. ويتمثل النموذج الأول في تقليص «جهاز مكافحة الإرهاب» إلى جهازٍ يركز تركيزاً ضيقاً على مكافحة الإرهاب التقليدية. ويمكن تدريجياً إلغاء المهمات الحالية للمشاة الخفيفة التابعة للجهاز فور دحر تنظيم «الدولة الإسلامية» من الأراضي العراقية المتبقية التي يسيطر عليها في مدن مثل تلعفر وحويجة والقائم. وفي إطار هذا النموذج، يمكن للجهاز أن «يعود» للشكل الذي كان عليه قبل عام 2014. وفي 14 تموز/ يوليو أشار رئيس «جهاز مكافحة الإرهاب» طالب شغاتي الكناني وهو الفريق الأول الركن المتقاعد من قوات الدفاع الجوي في عهد صدام حسين، إلى أنّ هذا النموذج هو الذي يتماشى مع القانون القائم. وسيتم تعزيز قوام كتائب المغاوير الثماني عشرة، وكتائب الاستطلاع الأربع، والعديد من وحدات المقر واللوجستيات ودمج المعلومات الاستخباراتية التابعة للجهاز.
ويقدم النموذج البديل نظرةً أكثر توسعية لما يمكن أن يصبح عليه «جهاز مكافحة الإرهاب». وفي إطار هذا النموذج، سيتم توسيع نطاق «الفرقة الذهبية» وإعطائها المزيد من المهمات. فبالإضافة إلى المهام الأساسية لمكافحة الإرهاب التي يضطلع بها، يمكن لـ «جهاز مكافحة الإرهاب» أن يواصل استخدام قوات المشاة الخفيفة القادرة على شنّ هجمات تقليدية على مواقع محصنة يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» أو قوات معادية أخرى. ويُعيد هذا النموذج إلى الأذهان تقليد المغاوير الذي تكون بموجبه القوات الخاصة مشاة خفيفة تقوم بمهامٍ خاصة أثناء النزاعات العسكرية التقليدية. وكان هذا هو الأسلوب العراقي لاستخدام القوات الخاصة في الحرب الإيرانية -العراقية وغزو الكويت.
لقد اعتمدت حكومة نوري المالكي هذا النوع من النماذج منذ عام 2012 فصاعداً، حيث سعى المالكي إلى توسيع نطاق «الجهاز» ليصبح قوةً متعدّدة الفرق، لها منزلة «الحرس الجمهوري الخاص» [الامبراطوري]، تضم أكثر من 30,000 جنديٍ مع مركبات قتالية مدرعة قادرة على محاربة أي خصوم محليين سواء كانوا إرهابيين أو ميليشيات أو حتى وحدات عسكرية. وتكمن جاذبية هذا الخيار في أن القوة الأكثر قدرة في البلاد ستعمل مباشرةً تحت سيطرة رئيس الوزراء. وفي ذلك الوقت، لم يكن «جهاز مكافحة الإرهاب» مكرساً في القانون، ولم يكن مسؤولاً أمام مجلس الوزراء أو البرلمان، كما تكون عليه وزارة مُنشأة قانونياً. ويتمثل الخطر بوضوح في إمكانية استخدام هذه القوة للاستيلاء غير الديمقراطي على السلطة من قبل رئيس وزراء حالي أو «جهاز مكافحة الإرهاب» نفسه. وقد أدّى سوء استخدام المالكي للجهاز في بعض الأحيان لمضايقة الخصوم السياسيين إلى تعميق هذه المخاوف، ولكنّ التقشف الذي فرضه هبوط أسعار النفط قوّض خطط التوسع.
إن النجاحات في ميدان المعركة و»تقليدية» «جهاز مكافحة الإرهاب» على مدى السنوات الثلاث الماضية ستدفعان على الأرجح إلى إعادة النظر، داخل الحكومة العراقية وداخل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، في توسيع نطاق «الجهاز» ليصبح قوة مشاة خفيفة من النخبة متعددة الفرق. وستبقى الثقة الشعبية بـ «الجيش العراقي» و»الشرطة الاتحادية» و«قوات الحشد الشعبي» منخفضة عندما يتعلق الأمر بالمهمات المعقدة المتمثلة بمكافحة الإرهاب والتواصل مع السكان السنة في بعض المناطق الأقسى والمجتمعات الأكثر انقساماً في العراق. وستُوجّه المهام العسكرية إلى «الرجال القادرين على القيام بها»، خاصةً أنّ «جهاز مكافحة الإرهاب» أصبح الآن إدارة حكومية مُنشأة قانونياً على مستوى الوزارة (اعتباراً من 13 آب/أغسطس 2016). وفي الواقع ينصّ طلب ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2018 على أن يقوم «جهاز مكافحة الإرهاب» «ببناء قوته غير الطائفية إلى 20 ألف عنصر خلال السنوات المالية الثلاث المقبلة». ويشير ذلك إلى أن «الجهاز» سيعزز قوامه ثم يتوسّع بنسبة 43 في المائة خلال ثلاث سنوات.
المساعدة الدولية إلى «جهاز مكافحة الإرهاب»
سوف تُوجّه الموارد الآن إلى «جهاز مكافحة الإرهاب». وكما أشار الخبير العسكري ديفيد ويتي – مؤلِّف دراسة معهد بروكينغز المقبلة عن «جهاز مكافحة الإرهاب» – أنه في الفترة بين 2008 و2010 تلقى «الجهاز» حوالي 225 مليون دولار سنوياً من الحكومة العراقية (مجمّعة من الإنفاق التقديري من مكتب رئيس الوزراء ووزارة الدفاع). ويُضاف إلى هذا المجموع مساعدة تبلغ حوالي 55 مليون دولار من مساعدات الميزانية الأمريكية كل عام. وكان المجموع النهائي الذي يساوي 280 مليون دولار أقلّ من طلبات ميزانية «الجهاز» التي بلغ متوسطها 412 مليون دولار في فترة السنوات الثلاث نفسها. ويمكننا أن نستنتج من القدرة العملياتية المستمرة لـ»جهاز مكافحة الإرهاب» أن الدعم العيني من دوائر الاستخبارات الأمريكية وقيادة العمليات الخاصة قد سدّ جزءاً كبيراً من العجر في الميزانية إلى حين انسحاب الولايات المتحدة في عام 2011 وجزءاً صغيراً بعد ذلك.
وفي عام 2017 تضمنت الميزانية العراقية أول بند إنفاق مخصص لـ»جهاز مكافحة الإرهاب»، بلغ مجموعه 683 مليون دولار. وإذا تم تكرار هذا التخصيص العراقي في عام 2018 بالإضافةً إلى مبلغ 193 مليون دولار المطلوب من المساعدات الأمريكية للجهاز، فسيكون المجموع مبلغ غير مسبوق قدره 876 مليون دولار ويساوي أكثر من ثلاثة أضعاف أكبر ميزانية تلقاها «جهاز مكافحة الإرهاب» ما قبل عام 2014. فما الذي يمكن القيام به أيضاً لضمان استثمار الموارد بحكمة وبقاء «جهاز مكافحة الإرهاب» فعالاً وقوة خير؟ وعلى وجه الخصوص، ما الذي يمكن أن يفعله التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لضمان تحقيق النتيجة المثلى؟
إن الشئ الأول الذي يمكن أن يقوم به التحالف هو الاستمرار في العمل معاً. إنّ «قوة المهام المشتركة – »عملية الحل المتأصل«« هي أكثر فعالية ومرونة كائتلاف واسع النطاق ومتعدّد الجنسيات مما يمكن أن تكون عليه في أي وقت الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق. أولاً، تجلب القوات المتعددة الجنسيات قدرة حقيقية وتقاسم الأعباء لمهمة دعم «جهاز مكافحة الإرهاب». وقد ساهمت القوات الخاصة الأسترالية والنيوزيلندية والفرنسية والبلجيكية والإسبانية في تدريب هذا «الجهاز» في مركز بغداد للتدريب التابع لها وفي قاعدة التاجي للتدريب المتاخمَين لبغداد. وثانياً، إن تنوع القوى العالمية المشاركة، والتي تشمل معظم الجهات الفاعلة الدولية التي تعتمد عليها إيران للاستثمار الأجنبي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة